مجلة الرسالة/العدد 914/طه حسين باشا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 914/طه حسين باشا

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 01 - 1951


رجلان مصر في مصر كلها جاءتهم الباشوية بعد أن أكبر عليها وضاقت عليهما: طلعت حرب وطه حسين!

رفع طلعت حرب قواعد الاقتصادي المصري على أربعة عشر أساً من بنك مصر وشركاته، فارتفعت مكانته في نفوس الناس حتى تهيبوه في اللقاء والخطاب، ورأوا لقب (البك) قد نزل عن قدره فاختالوا على تعظيمه بشتى الألقاب فقالوا: منقذ مصر العظيم، وزعيم الاستقلال الاقتصادي، وبطل النهضة القومية فلما أتته الباشوية آخر الأمر كانت أشبه بثوب الصبي الناشئ على جسم الرجل المكتمل.

ووثب طه حسين بالتعليم في مختلف درجاته وثبة وجد كل مصري أثرها، في نفسه إن كان معلماً أو تلميذاً، وفي أسرته أن كان أباً أو أولياء، وفي بيئته أن كان جاراً أو صديقاً. ثم رحل إلى أوربا رحلة في سبيل الوطن، ومن أقوال أكثر السفارات في الخارج! كان في تنقله المبارك الموفق من بلد إلى قطر، ومن معهد إلى جامعة، ومن عالم إلى وزير، ومن حديث إلى خطبة، ومن خطبة إلى محاضرة، دعاية لمصر من نوع فريد صحت ما افتراه على كفايتها العدو، وأصلحت ما جناه على كرامتها الصديق، وسمت بحكومتها القائمة من الأفق المنخفض للمفاوضة في الأرصدة الإسترلينية والمطالب القومية، إلى الأفق المرتفع للمعاونة على توثيق العلائق الإنسانية، وتعميم الثقافة العالمية؛ فرأى الناس في الوزير الذي جعل وزارته مبدأ تاريخ، وفي الجامعي الذي خلق لنا من مهرجان الجامعة أوسع دعاية، وفي الأديب الذي هيأ للأدب أعظم نهضة، رجلاً لا يسامت قدره لقب (البك)، فتوجوا أسمه الغني عن التتويج بالألقاب المختلفة فقالوا: عميد الأدب العربي، وأبو التعليم، وحامي المعلمين، وبطل الثورة الفكرية. فلما أتته الباشوية آخر الأمر كانت أشبه بطوق عمرو وحين شب عنه وربا عليه!

لم يكتسب طه حسين من لرتبة ما يكتسبه عادة فقير المجد أو غنى الحرب من ورم في المعنى وانتفاخ في الذات؛ وإنما أكتسب منها دلالتها السامية على تكريم ملكه وتقدير أمته. وتكريم صاحب الجلالة الفاروق لذوي الفضل شيمة من شيمه، وفيض من كرمه، فلا غرابة فيه ولا عجب منه. ولكن تقدير الأمة لرجل من رجالها على هذه الصورة الرائعة وبهذا الإجماع النادر أمر فيه الغرابة ومنه العجب.

لقد كان الأنعام السامي على صاحب المعالي طه حسين باشا لفته كريمة من صاحب الجلالة أعلن بها رضا عن وزير من وزارته نفذ أمره في خطاب العرش، وأمضى رأيه في سياسة الدولة؛ كما كان فرصة مواتية لهذا الشعب الكريم عبر فيها عن اعترافه بالجميل لرجل من رجاله عمل فأخلص العمل، ووعد فأبحر الوعد، وقاد فأحسن القيادة!

أحمد حسن الزيات