مجلة الرسالة/العدد 91/الحكم في المسابقة الأدبية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 91/الحكم في المسابقة الأدبية

مجلة الرسالة - العدد 91
الحكم في المسابقة الأدبية
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1935



يذكر قراؤنا أننا نشرنا في العدد 79 من الرسالة قصيدة من الشعر الفرنسي عنوانها. (ارتياب) للآنسة النابغة (مي) ومعها ترجمتها بقلمها، وقد قدمتها إلى شعرائنا مقترحة أن ينقلوها نظماً إلى العربية جاعلة للسابق الأول جائزة مالية قدرها جنيهان مصريان؛ وقد استبق إلى مقترح الآنسة الفاضلة سبعة وعشرون شاعراً من مصر ومن سائر الأقطار العربية، وفي مساء يوم الجمعة الماضي اجتمعت في دار الشاعرة لجنة التحكيم وهي مؤلفة كما ذكرنا في عدد سابق من حضرات الدكتور طه حسين، والأستاذ مصطفى عبد الرزاق، والدكتور أحمد زكي، ومحرر هذه المجلة، فقرأوا القصائد، ثم غربلوها، ثم نخلوها، حتى علق بالعيون ثلاث قصائد منها، فأعادوا النظر فيها، ثم وازنوا بينها، فكانت الأولى لشاعر لم يذكر اسمه ولم يرمز إليه، والثانية للأستاذ فخري أبو السعود، والثالثة لشاعر دمشقي إمضاؤه أ. ط، فقرروا نشر القصائد الثلاث وحكموا للشاعر الأول بالجائزة. والرسالة ترجو منه أن يرسل إليها عنوانه لترسل إليه حقه. وتلك هي القصائد:

القصيدة الأولى

ارتياب

أصديقتي ذات العيو ... ن النجل! قد ولى النهارُ!

والريح هوجاء تهب (م) ... بنا، وليس لها قرارُ

ولها أنينٌ ثائرُ، ... كالقلب عاوده ادّكارُ

ولها صدى في النفس مك ... بوتُ عَصى مستثار

أصديقتي، ذات العيو ... ن النحل! قد ولى النهار

بين الزهور جلست أح ... لمُ في حنينٍ واكتئابِ

والزعزعُ النكباءُ تع ... صِف كل آونة ببابي

والسحب باكية، فوا ... شجني لهذا الانتحابِ!

فلكم يثير من الشجى ... في مهجتي دمعُ السحاب!

بين الزهور جلست أح ... لم في حنين واكتئاب

هل تذكرين اليومَ رأ ... سَ العام؟ ما أحلاه ذكرى! يومُ به السرّ الخفيّ ... أضاَء في عينيك سحرا

وهلالُ روحي عابدُ ... مِنْ رُوحك المعبود بدرا

يومُ به أوحيت في نف ... سي حديثاً مستسرَّاً

هل تذكرين اليومَ رأ ... س العام؟ ما أحلاه ذكرى!

أسفي لهذا الشهر قد ... ولَّى، وآذن بانَتهاءِ

فيه رأيتك مرتي ... ن، لدي سويعات المساءِ

والآن أقضي الليل في ... غير ابتهاج أو صفاءِ

واحرّ أشواقي لفج ... رِ منك فتان الضياءِ

أسفي لهذا الشهر قد ... ولى وآذَنَ بانتهاءِ

ليلُ مطير حالكُ ... وكأنه ليلُ الوداعِ

والفكر أقتمُ لم يزل ... وسط الهواجس في صراعِ

أمس الفؤاد ممزقاً ... بين ارتياب وارتياعِ

ماذا لو أن فؤادَك المغ ... رورَ أُولعَ بالخِداع

ليلُ مطيرُ حالك، ... وكأنه ليل الوداعِ

القصيدة الثانية

ارتياب

أصديقتي يا رَبّة الحَدَقِ العِذا ... بِ النُّجل روُحي رددتْ نجواك

الريحُ في هذا المساء عنيفة ... هوجاء ذات صدى عصىّ باك

جاّرةُ أمسى عَصيّاً داوياً ... في النفس مكبُوتاً صَدَاها الحاكي

أصديقتي يا ربة الحدق. . .

ما بين هاتين الزهور جلستُ واس ... تسلمتُ للأحلام والأشجان

يغزو جناحُ النَّوْءِ نافذتي وقد ... بكتِ السماءُ بِدَمعِها الهتَّان

واهاً لذاك الدمع يجري ناحباً ... ماذا يُحرَّك في مدى الأعوان؟

ما بين هاتيك الزهور. . .

يا هل نراك ذكرت فيما قد مضى ... يوماً لنا قد كان رأس العام؟

يوماً بمغرى السر نوَّرَ مقلة ... خاطبتني منها بغير كلام

ورأت به روحي بروحك أُختها ال ... كبرى ونلتِ عبادتي وهيامي

يا هل تراك ذكرت. . .

قد راح شهر بعد ذاك مولياً ... ها نحن نرقب متهاه الداني

ولى وقد جادت بحُسْنَ لقاك أُم ... سيتان في أثنائه ثنتان

والآن إذ جذلي إلى غده انتهى ... أصبو إلى فجر مضى فتان

قد راح شهر بعد ذاك. . .

هذا مساء ممطر متساقط ... ساجي الدجى، هذا مساء وداع

تعتامني غُبْرُ الهموم وقد مشى ... رَيْب بقلبٍ للجوى مُنْصاع

ريْب خبيث! ما ترى لو لم يكن ... لك غير قلبٍ مُزدْهٍ خدَّاع؟

هذا مساء ممطر متساقط ... ساجي الدجى، هذا مساء وداع

فخري أبو السعود

القصيد الثالثة

صديقتي ذات العيون العذابْ ... روحي تناديك! فهل تسمعينْ

جُنْ جنون الريح هذا المساءْ ... وانفعت صخَّابة كالحُممْ

تروى وذي صيحاتها في الفضاء ... يعيدُ في نفسي صداها الأصم

صديقتي ذات العيون العذابْ ... روحي تناديك! فهل تسمعينْ

هأنذى أجلس بين الزَهَر ... حالمةً مغمورةً بالشٌّجون!

نافذتي تلطُمها العاصفة ... والسحب تُذري عبرات الحنان

لله هذي الأدمع الواكفة ... ماذا ستذكي في صميم الكيان

هأنذى أجلس بين الزّهَرْ ... حالمةَ مغمورةً بالشُّجون

صديقتي بالله هل تذكرين ... أول هذا العام هل تذكرين؟

إذ نم عنك الكلم الصامت ... ونور عينيك نِمى السرَّا (كذا) ويوم نفسي، والفضا ناصت (كذا) ... ألفت لديكِ روحها الكبرى؟

صديقتي باللهِ هل تذكرين ... أول هذا العام، هل تذكرين؟

شهر تولى ومضى مُسرعاً ... وراحَ يغفو في خضمّ القرونْ

لم نحظ في أيامهِ باللقاء ... سوى مساءين، ولم نسعدِ

والآن، إذ في الغَدِ كلُّ الهناءْ ... أذوب أشواقاً لفجر الغد. . .

شهر تولى ومضى مسرعاً ... وراح يغفو في خضم القرون

هذا مساءٌ دامعٌ قاتمٌ ... مثل أماسي الوداع الحزين

خواطري فيه تُحاكي الدُّجى ... والغم في نفسي طغى، والملل

والشك يلهو بيَ: ما تُرى ... لو كان منك القلب جم الحيل؟

هذا مساءٌ دامعٌ قاتمٌ ... مثل أماسي الوداع الحزين

أط

دمشق