مجلة الرسالة/العدد 909/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 909/البريد الأدبي
حكاية حمار العمدة:
ألقى إلى البريد كتاباً طواه صاحبه على دعوة لتكريم (مدير المصلحة) المرقى إلى (وظيفة) أعلى، وكان من البديهي أن أجامل صديقي صاحب الدعوة، حيث لا علاقة بيني وبين هذا المدير، ولو بالسماع!
فلما ضمني مكان الحفل، إذا بكراسي مصفوفة، وموائد مرصوفة، فوقها زهر جنى، وطعام شهي، وشراب روي. حتى إذا أكل القوم مريئا، وشربوا هنيئا، وقف خطباؤهم يتبارون في المنظوم والمنثور، فأجادوا وأفادوا، وقد خلعوا على (المدير المنقول) نعوتا من إقدام عمرو وسماحة وحاتم وحلم أحنف وذكاء إياس!
وكان يجلس إلى جانبي رجل عرف بالحصافة والزكانة، فلويت إليه عنقي دهشة، وقلت له: يا هذا إن بعض هذه الأوصاف أسبغت على نابليون، وبعضها بصدق على بسمارك، وهي في جملتها تصح لو وصف بها عمر بن الخطاب؟
فبدهني بقوله: لا عليك، فهذا قول محفوظ وورد منظوم، يتلى عند وداع كل رئيس وعند استقبال كل رئيس، لا يتغير فيه سوى الأسماء.
ثم سألت صاحبي الزكي الحصيف: ترى لو كان هذا (المدير) أحيل على المعاش - مثلا - ولم يرق إلى منصب أعلى، أكان يقام له مثل هذا الحفل المرنق، ويقال فيه مثل هذا الكلام المنمق؟ فقاطعني على الفور: دعك من الإحراج؟ أو لم تسمع حكاية (حمار العمدة)؟ قلت: منك نستفيد. قال الزكي الحصيف: عندنا في الريف حكاية تهكمية مؤداها أنه حين ينفق حمار العمدة، يتبادر أه القرية جميعا لتعزيته في حماره النشيط الذي ضرب بحسن أخلاقه المثل، فلم يرفس، ولم يركل، ولم يعض؟
. . . فإذا قضى الله ومات العمدة ذاته، لم يذهب أحد لتعزية أهله. وإنما يترامون على باب العمدة المرقوب؟
قلت آمنت بالله؟
منصور جاب الله
كلمة غريبة في مقال: قرأت في العدد 904 من مجلة الرسالة الزاهرة مقالاً الأستاذ علي العامري بعنوان (دم الحسين) والشيء الذي يوجب الاستغراب ويبعث الدهشة في النفس هو قوله (الفارس الذي منع الماء مات عطشان بالرغم من أنه كان يسقي الماء حتى يبعز ثم يعود فيشرب حتى يبعز وما زال كذلك حتى لفظ أنفاسه والشقي بحر بن كعب وقد سلب الحسين لباسه - كانت يداه في الشتاء تنضحان الماء) إلى غير ذلك من الخزعبلات والأباطيل التي تأباها العقول وتلفظها الألباب ويزدريها الواقع، وتكذبها الرواية
لقد مات إبراهيم بن محمد ﷺ فبكاه رسول الله حتى اخضلت لحيته بالدموع ثم حمل إبراهيم ليدفن في البقيع ولم يكد الصحابة يغدرون البقيع حتى انكسفت الشمس فظن بعضهم أن الكون قد شاركهم في المصيبة وأن إنكساف الشمس إعلان الحزن على إبراهيم. ولما بلغ قولهم النبي ﷺ أنكره قائلاً (أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) لقد أتيت بهذا المثل لأبسط للأستاذ العامري أن الرسول عليه الصلاة والسلام لو كان حياً بعد قتل الحسين ولو آمنا بما سطره لنا التاريخ من روايات وما لعبت به أيدي المؤرخين في زمن الدولة العباسية بسبب بغضهم لبني أمية أقول لو آمنا بما قيل في هذه الرواية لكان قول الرسول بأن ليس هناك من يموت عطشان بالرغم من أنه يسقي الماء من أجل قتل الحسين كما أن الشمس لم تنكسف من أجل وفاة إبراهيم.
لقد كانت هذه الرواية موضع استهجان نخبة ممتازة من الشباب المثقف في مجالسهم الخاصة وقد لاموا الرسالة المجلة الراقية على حد تعبيرهم لنشرها مثل هذه الأسطورة.
بغداد
عبد الخالق عبد الرحمن
تصويب لغوي:
انساق قلم الأستاذ الكبير أحمد الصاوي محمد إلى خطأين لا يحسن السكوت عليهما: -
- فأولا - ورد في (ما قل ودل) عبارة (يقدم رجلا ويؤخر رجلا) مما يوهم أن المثل العربي (أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى) معناه (أراك تقدم رجلا وتؤخر رجلا أخرى).
والصحيح أن كلمة (أخرى) نعت لكلمة (تارة) المحذوفة، أي أن أصل المثل هو (أراك تقدم رجلا تارة وتؤخرها تارة أخرى).
- ثانيا - جاء في (إبر النحل) عبارة (معالي الوزير المنصف دكتور طه حسين بك). ولا أدري لماذا آثر الأستاذ التنكير على التعريف في كلمة (دكتور) إلا أن يكون قد انساق انسياقا وراء لغة العامة والعصمة لله وحده
عبد المجيد عمر
نظرة في مقال:
اعتاد الأستاذ كامل محمود حبيب أن يتحفنا بين الفنية والفنية بمقالاته الرائعة وصوره الممتعة على صفحات الرسالة الزاهرة وكان آخر ما قرأنا له مقالا بعنوان (هوى على الشاطئ) المنشور في (العدد 902) من مجلة الرسالة الغراء ولكن الشئ الذي استرعى انتباهي قوله (. . الدين الذي يبذر في القلب الرهبة ويغرس في النفس الخشوع ويبعث في الروح الخوف ويفيد الهمة بالاستسلام) ويظهر أن الأستاذ كامل يفهم الدين على غير حقيقته. إن الدين قوة روحية لها من الكمال الأسنى قدسية تفيض بالجمال الإلهي فيملأ النفس حبا ويسمو على الرغبة والرهبة. حتى كأن للنفس طبيعة المرآة تنعكس فيها ظلال المعاني السامية فتفيض على الروح روحاً حتى لا تحيا في جسمها ولا تفنى معه. تضفي على الحياة معنى تتنسم منه خلود الجنة حتى لا ترى في الحياة شهوة مثيرة، أو رغبة أخاذة أو أملا فاتناً أو مصيبة مهلكة، إنما ترى فيها سبيلا مجداً دعاك إليه من خلق الحياة ومن ورائها الجنة فلا تأخذك الحياة بيأسها أو تغريرها كما لا تأخذ من الحياة إلا ما فيه مصلحة الحياة ولا تهمل منها ما فيه مصلحتها لأنه لم يخلق شيئاً عبثاً.
فالدين بجوهره خلق وتربية غير أنه لا يحتاج إلى ما تحتاجه الأخلاق من قوة مسيطرة وإنما هو القوة المسيطرة على الأخلاق توجهها لأقوم وجهة، فهي خارجة عن الذات تراقبها، ولها من الذات قوتها لاعتقادها بأن الله (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
إن الدين حق الفرد على الجماعة فلا تعتدي عليه، ولا تنقصه حقه ولا تقيده في حريته، وإنما تنتصف له حتى يكون ضعفه في أقوى قوة.
إن الاعتقاد بإله وآخره ما يبدل الحاجات ويقمع الشهوات ويلجم النزوات وفي هذا ما يغير النظر لذات الحياة فتكون الأخلاق غير الأخلاق، وتكون مع هذه الأرض غير الأرض كأنها بين ربوة عالية وهاوية سحيقة، ولهذا قال فولتير الأديب الفرنسي الشهير بإلحاده إن الإله شرطي يصون المجتمع حتى ليحب أن نوجده إن لم يكن موجوداً.
إن الدين روح الأخلاق وأساس الفضيلة والمجتمع الذي لا يقوم على أساس من دين يهوي إلى الدرك الأسفل من الرذائل.
(بغداد)
ع. ع
تعقيب على تعقيب:
قرأت في مجلة الرسالة الحبيبة رقم 904 الكلمة المعنونة (تعقيب على مقال) الأديب عبد الخالق عبد الرحمن، يخطئ فيها الأديب الكبير، أحمد بك رمزي. في استعماله كلمة (خصيصاً) قائلا: هي مما يؤخذ بالسماع ولم ينقل عن العرب خصيص بمعنى مخصوص، وأقول هذه الكلمة وردت في منظومهم ومنثورهم، وهي صيغة سماعية لاسم الفاعل وليست لاسم المفعول.
فقد ورد في الجزء الثامن من لسان العرب ص 290 الطبعة الأولى في مادة (خص) ما نصه:
(خصه بالشيء يخصه: خصا وخصوصاً وخصوصية والفتح أفصح وخصيصي. والاسم: الخصوصية والخصوصية والخصية والخاصية والخصيص وهي تمد وتقصر عن كراع، ولا نظير لها إلا المكيثي) انتهى ما ورد باللسان. والألف في هذه الكلمة علامة المؤنث لأن هذه الكلمة مقصورة وزان فعيلي وكتب الصرف تؤيد هذا.
حسين سلامة دياب