مجلة الرسالة/العدد 906/تعقيبات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 906/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 11 - 1950



للأستاذ أنور المعداوي

بين أزمة الكتب وأزمة القراء:

(لست أدري لماذا آثر هذا القارئ الصديق أن يخفي اسمه؟)

بهذا السؤال المشرئب إلى جوابه بدأت تعقيبك اللبق على دفاع قارئ صديق عن القراء. ثم تفضلت فأبديت رأيك في الدفاع (شكلا) وفي القارئ (موضوعا). فما كان أكرم شعورك وأحسن ضنك إذ تقول (لقد دافعت دفاعا حارا عن القراء، لأنك قارئ مثالي ينظر إلى غيره على أنه نسخة صادقة منه. . . ألا ليت القراء كانوا في مثل شغفك في القراءة وولعك بالإطلاع ووفائك للأدب. .) وحيال هذه العبارة النبيلة يجمل بي أن أنيخ مطية الوقوف بعض الوقت. . . لأسوق إلى رحابك هوادي الشكر أطلق في جوائك طيوب الثناء؛ ولأن جنين الإجابة على سؤالك السالف إنما يكمن في أحشاء هذه العبارة النبيلة؛ وبالأصح في نقيض هذه العبارة النبيلة. اجل يا سيدي؛ فلو عرفت أن حرارة إحساسي بعدالة قضيتنا نحن القراء كانت أشد تلهبا في أعماقي وأقوى اشتعالا في مسارب ذاتي من شعوري بحرارة الدفاع نفسه، لأدركت لماذا آثر هذا القارئ الصديق أن يخفي اسمه. أما أنت فقد كنت تنظر إلى المسألة من الزاوية الأخرى. . كنت تراها قضية خاسرة أحسنت الدفاع عنها، فلا غرو أن تشيد بالدفاع، وأن أيدت الحكم، وأن تطري المدافع، وإن أدنت المتهم.

ربما كنت قارئا مجدا، بل ربما كنت أكثر من قارئ في بعض الأحايين، ربما كنت ذلك القارئ الذي يقتات من ثمرات السماء - أعني ثمرات الفكر - أكثر مما يقتات من ثمرات الأرض، ويتناول من وجبات المطالعة والتثقيف أكثر مما يتناول من وجبات الطعام والشراب. ربما كان هذا واقعا من الواقع وحقيقة من الحقائق، إلا أن هنالك واقعا آخر وحقيقة أخرى يجريان في ظني مجرى العقيدة الواغلة واليقين المتغلغل؛ هنالك آلاف غيري من القراء المثاليين ممن يتضاءل بجانب شغفهم بالقراءة شغفي، وولعهم بالإطلاع ولعي، ووفائهم للأدب وفائي. لشد ما يحز في نفسي ويدهشني إذن أن تقول (. . وحتى الأسواق الخارجية التي كنا نعتمد عليها في الترويج للكتاب المصري - وأعني بها أسواق سوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن وفلسطين والحجاز - قد أغلقتها في وجوهنا وزارة المالية المصرية) كأنما خلت الكنانة من رواد القراءة وطلاب المعرفة، ونضبت الأذواق في المشاعر وجفت الأرواج في القلوب. إن من طائفة المعلمين خاصة ولا أقول المتعلمين عامة، إن فيها آلافا وآلافا من أبناء هذه الطائفة وحدها. أي هم لهؤلاء - ولو بحكم الصنعة كما يقولون - غير التهافت على ثمرات العقول وتلقف ما تقذف به أحشاء المطابع؟ أم أنهم لا يطالعون غير الكتب المدرسية وحدها ولا يعيشون إلا بها ولها؟ أنا لا أصدق، أو لعلي لا أحب أن أصدق هذا، وإن ترامى إلي من أحد أبناء هذه الطائفة الكريمة نفسها. فلعله أن يكون واحدا مثاليا ينظر إلى غيره على أنه نسخة صادقة منه. . . مثاليا في طموحه القاصر وقصوره المعيب ولا قياس للشواذ ولا حكم للنادر.

يخيل لي يا سيدي العزيز، بل أعتقد، أن التسمية الصحيحة لأزمتنا هذه إنما ينبغي أن تكون (أزمة الكتب) لا (أزمة القراء) فالكتب هي التي تعاني أزمة الكساد ومحنة الركود ما في ذلك ريب. أما القراء - قراء الكتاب وغير الكتاب - فلا يزالون على وفرة في العدد وشغف بالقراءة وولع بالإطلاع ووفاء للأدب. وأعني بالكساد هنا - كي أبعد عن قولي شبح التناقض - ذلك الكساد المادي على وجه التخصيص. ولن يكون القارئ بحال هو المسئول الوحيد عن هذا الكساد. فالكتاب أنفسهم مسئولون عنه متلبسون به متسببون فيه. فلقد أوشكوا - لأمر ما - لا يدعون للقارئ فسحة من الوقت يلقاهم فيها على صفحات كتاب. . . لكثرة ما يزحمون من وقته ويشغلون من زمنه بالمقال العابر والرأي الطائر على صفحات الورق السيار.

ودور الكتب الحكومية وفروعها من المسئولين - فيما يخيل لي - عن أزمة الكتاب أيضا. فأنا أعرف عشرات من القراء لا ينفقون مليما واحدا في شراء كتاب رغم شغفهم بالقراءة وولعهم بالإطلاع ووفائهم للأدب، لأنهم يجدون في هذه الدور بالمجان ما يكفيهم مؤونة الشراء ومشقة البذل، ولا معتب على القارئ ولا ملام إن هو لجأ إلى تلك الطريق كي يوفر لنفسه ثمن القميص الحريري الهفهاف والرباط العنقي الثمين فليس من السهل - كما هو الحال في الكتاب - أن يستعير هذا القميص أو ذاك الرباط (استعارة داخلية أو خارجية) ولقد غدت هذه الأشياء المظهرية إحدى، أن لم تكن أولى - ضرورات الحياة في هذا العصر. . . العصر الأمريكي. . . أو عصر الدنيا الجديدة، إن صحت هذه التعابير. سيدي لست أعني أن تغلق دور الكتب أبوابها - أستغفر العقل - ولكنني أرى ألا تتيح للقارئ الإطلاع على أي كتاب حديث الطبع قبل أن يمضي عام أو أكثر على عرضه في الأسواق.

ودور النشر العامة، أو لعلها المكتبات التجارية خاصة، مسئولة بدورها عن هذه الأزمة ذهبت مرة لشراء بعض الكتب من إحدى تلك المكتبات المنبثة بين الأعمدة القائمة على إفريز شارع محمد علي بالقاهرة، وما أن تعارفنا - صاحب المكتبة وأنا حتى أشعرني إشفاقه علي (ماليتي الضائعة) في شراء الكتب، وأردف هذا بفكرة سعيدة موفقة يضرب لي فيها عصفورين بحجر أن يعيرني ما أرغب بمطالعته أو نسخه من الكتب لقاء قروش معدودات. وبهذا - على حد قولي - يمكنني أن أطالع ستة كتب مختلفة بثمن كتاب وأحد. ومعنى هذا أيضا، معناه الآخر، أن نعمل عل كساد ستة كتب مختلفة كسادا ماديا بالغ الأثر قوي الوضوح.

أفلا توافقني أنت إذن على أنها أزمة الكتب وليست أزمة القراء، وأن التبعة ينبغي ألا تلقى على كاهل القارئ وحده وألا يتحمل فيها قسوة الحكم بمفرده. ولا أقل من أن نوجد له شركاء في (التهمة) حتى تخف العقوبة عليه حين تتوزع عليهم.

وبعد. . فكم أود يا سيدي أن تنتهي إلى لقاء في الرأي على قارعة هذه المسألة. . . يفضي إلى لقاء آخر قريب على صفحات كتبك. كم أود أن أقول لك: ليس من الخير، ولو بالنسبة إلى أصدقائك العديدين في مختلف أقطار العروبة، أن ترجئ طبع ما لديك من كتب، حتى يكون للأدباء نقابة أو لا يكون. ليس من الخير أن تعيش حياتك كلها في عالم الواقع حتى لا تفقد عالم الخيال! وما أجمل الخيال، ما أجمله من عالم! ليس من الخير أن تشكوا من قراء الكتب، كتبك أنت بالذات. ليس من الخير أن تشقق من لقائهم في مقبل الأيام، فإنهم - كما قلت لك في رسالتي الأولى - على استعداد تام، وبرهانهم فوق أيديهم، أن يشتروا منك كل كتبك منذ الآن. قبل طبعها. فهلا أعنتهم على تحقيق بغيتهم واستجابة طلبتهم؟

كلما أرسلت النظر إلى رفوف المكتبة العربية، حيث تشع منها هذه الأسماء اللوامع: طه حسين، العقاد، هيكل، أحمد أمين، الزيات، الحكيم، تيمور؛ طالعني فيها رف شاغر يومئ إليك ويهيب بك أن تسد رمقه وتروي ظمأه وتملأ فراغه.

وسلاما لك، ممن يشرفه أن تعرف اسمه وتحية ومحبة:

من القارئ

(طهطا)

عبد الرحيم عثمان صارو

مرة أخرى أشكر للأستاذ الفاضل ثناءه ووفاءه، وأقول له إنني حين أشرت إلى اسمه في العدد الماضي (من الرسالة)، لم أكن قد تلقيت بعد رسالته الثانية. . ومن هنا كانت الإشارة في صيغة السؤال المترجح بين الشك واليقين في انتظار الجواب. أما وقد ثبت أن القارئ الصديق هو الشاعر الرقيق، فلا حرج بعد الآن إذا ما وجهت إليه الحديث نقاشا وتحية!

ماذا أقول للأستاذ عبد الرحيم وهو يدافع عن القراء بقلبه وقلمه؟ ثق يا أخي أنني أنقل فيما أكتب عن الواقع، وأتهم وبين يدي الدليل، وأحكم ونصب عيني شهود الإثبات. . فالواقع الذي لا مريه فيه أن الكتب في مصر مكدسة لا تجد القارئ، والدليل لذي لا نقض له أن المكتبات خاوية لا ترى الزائر، وأن شهود الإثبات على صدق هذا القول أحياء يرزقون! هل يتفضل الأستاذ الشاعر فيزورني يوما في القاهرة لأطلعه على كل عجيب وغريب؟ سأمضي به أولا إلى جامعة فؤاد الأول؛ تلك الجامعة التي تعد مركز الفكر وموئل الثقافة ومناط الأمل، في تخريج جيل يدرك أثر القراءة في بعث العقول وشحذ المواهب وصقل الآفاق والأذواق. سأمضي به إلى هناك، وعليه أن يختبر الأيدي التي تحمل الكتب والأذهان التي تختزن العلم، والمثل العليا التي تتطلع إلى لقاء الحياة. سيجد الأيدي خالية إلا من الكتب المقررة، والأذهان فارغة إلا من بقايا المحاضرات، والمثل العليا الفكرية تروح وتغدو حول سهرة المساء! إن كل همهم هو أن ينظروا في هذه الكتب وحدها لينجحوا في الامتحان، وأن ينجحوا في الامتحان ليظفروا بالوظيفة، وأن يظفروا بالوظيفة لينعموا بهدوء الفكر وراحة البال!

أين نبحث عن القارئ المثالي، قارئ الكتاب النفيس، إذا لم نبحث عنه بين جدران الجامعة؟ هل نبحث عنه في الطرقات أم نلتمسه هناك بين الجالسين في القهوات؟ إن عابر الطريق في مصر وقد يكون من خريجي الجامعة - يمر وهو في طريقه بمكتبة على اليمين وأخرى على اليسار، فلا يكلف قدميه مشقة الوقوف ولا عينيه عناء النظر، إلى تلك العيون الرانية إليه من وراء الزجاج. . عيون الأدب الخالد والفن الجميل! وإن (زبون) القهوة في مصر - وقد يكون هو أيضا من خريجي الجامعة - يمر عليه بائع الكتب وهو جالس في مكانه، فيفضل عصير الليمون على عصير الذهن، وتصفح الوجوه على تصفح الأفكار، وصحبة (الدومينو) و (الشيشة) على صحبة العقاد وتوفيق الحكيم!!

هذا هو حال القارئ في. . فهل يدهش الأستاذ الشاعر إذا قلت له إننا نعتمد في الترويج للكتاب المصري على البلاد العربية؟ أؤكد له أنها حقيقة لا تقبل الجدل، وأنني لا أحس شيئا من الحرج وأنا أعلنها سافرة بغير قناع! إن الكتاب المصري الذي يطبع منه الناشر عددا من الألوف، يخصص منه الجزء الأكبر لأسواق سورية ولبنان والعراق وغيرها من أقطار العروبة، وتخصص البقية الباقية لمصر حيث يوجد الأستاذ الفاضل وغيره من القراء المثاليين!

وأعود إلى الجانب الآخر من جوانب المشكلة لأقول للأستاذ عبد الرحيم، بالله لا تذكر طوائف المعلمين في مثل هذا المجال. . لو كان المعلم المصري يقرأ لأصبح الطالب المصري صورة أمينة لأستاذه. هل تصدق أن معلما له حظ من الشغف بالقراءة والولع بالإطلاع والوفاء للأدب، ثم لا يعكس أصداء نفسه وأضواء حسه على أفكار طلابه؟ لو عثرت على الطالب الذي يقصر زاده على ثمرات الفكر ومتاعه على نفحات العلم وصحبته على صفحات الكتب، فاعلم أن من وراءه الأستاذ الذي قبس له من فكره وأفاض عليه من علمه وفتح لقلبه وعينيه منافذ الضياء! ولكن أين هذا الطالب؟. . ابحث يا صديقي عن النتائج في ضوء المقدمات!

بعد هذا يريد الأستاذ عبد الرحيم أن يثبت أن الأزمة متعلقة بالكتب وليست متعلقة بالقراء، لأن قارئ الكتاب موجود لاشك في وجوده، وبخاصة في دور الكتب العامة حيث يجد هناك ما يكفيه مشقة البذل ومؤونة الشراء. . إن ردي عليه هو أن أسأله: كم عدد المترددين على أماكن القراءة والإطلاع وكم عدد المترددين على أماكن اللهو والمتاع؟ إن شيئا من المقارنة لكفيل بأن يضع أيدينا على هذه الحقيقة الناصعة، وهي أن عدد الوافدين إلى دور الكتب إذا ما قيس بعدد المتسكعين في الطرقات، لأسقطناه في معرض النسبة المئوية من كل حساب.

ثم بماذا نخرج من هذا الدليل الذي يسوقه إلينا ليثبت لنا أن قارئ الكتاب موجود؛ قارئ الكتاب بلا مقابل؟ أفي هذا ما يشجعنا نحن الأدباء على أن ندفع إلى المطبعة بما لدينا من ثمرات العقول؟ سمها إن شئت أزمة كتب، ثم أرجعها على التحقيق إلى أزمة القراء، فما أكثر ما يعج به هذا البلد من أزمات!

ثم هذا الاقتراح الذي يعرضه الأستاذ الشاعر ليحل به الأزمة ويفض المشكلة ويحسم النزاع، وهو ألا تقدم دور الكتب العامة لروادها أي كتاب جديد قبل مضي عام أو أكثر على عرضه في الأسواق. . إن دور الكتب يا صديقي تزخر بها مدينة مثل باريس حيث يقصد إليها الألوف من كل مكان، ومع ذلك فإن تلك الدور لم تقلل من عدد المقبلين على اقتناء الكتب الأدبية، وحسبك أن بعض كتب (سارتر) قد طبع ثلاثا وتسعين مرة!! أريد أن أقول للأستاذ الفاضل إن الذين يريدون أن يقرءوا لا يحول بينهم وبين القراءة حائل. . وإن القارئ الحق هو الذي لا يكتفي بقراءة الكتاب منقولا من أحد الرفوف أو مستعارا من أحد الأصدقاء، ولكنه الذي يبذل من وقته ليستوعبه وينفق من ماله ليقتنيه، حتى يصبح ولديه مكتبة يرجع إليها من حين إلى حين، ليجد في ضيافتها المثلى غذاء العقل والقلب والروح!

وليس من شك في أنني لا ألقي التبعة كلها على القراء، لأن هناك بعض العناصر المسئولة عن هذه الأزمة التي استفحل أمرها وعظم خطرها واستعصت على كثير من الحلول. . ولقد عرضت لهذه العناصر منذ عام مضى على صفحات الرسالة ولا أحب أن أعود إليها من جديد، ولكن الذي يهمني أن أعود إليه هو قول الأستاذ عبد الرحيم بأن الكتاب يحملون شيئا من هذه التبعة، لأنهم يصرفون القراء عن قراءة الكتب بكثرة ما يشغلون من وقتهم بالمقال العابر والرأي الطائر. . يا أخي أن المكتبات عامرة بكتب الشرق والعرب يدفع بها إليها الكتاب من هنا وهناك، ولكن القراء - كما قلت لك من قبل - هم الذين (يربحهم) أن ينفقوا عشر دقائق من وقتهم في قراءة مقال، وقرشين من مالهم ثمنا لمجلة تحمل إليهم هذا المقال. ثم يضيقون كل الضيق بصحبة كتاب نفيس، لأنهم يضنون عليه بالوقت الذي لن يتعدى الساعتين وبالقروش التي لن تزيد على العشرين. . إن أعصاب الأدباء بخير يا صديقي العزيز، ولكن المسئول هو أعصاب القراء!!

أما ذلك الرف الشاغر الذي يومئ إلى من رفوف المكتبة العربية كما تقول، فليس هنالك بد من ملئه في يوم من الأيام. كل ما أرجوه هو أن يكون الغد القريب لا الغد البعيد هو موعدي معك ومع غيرك من الأصدقاء. . وأحبب به من لقاء!

مباراة شعرية وأخرى نقدية:

مباراة شعرية جرت بين الشعراء: شاهين وميشال معلوف وفوزي وشفيق معلوف، في دار شقيق الأولين وخال الآخرين، بمناسبة سقوط فنجان قهوة من يد قرينته إيزابيل معلوف ربة الدار، فجعلت للفائز الأول جائزة ثمينة وهي ساعة ذهبية. . وفيما يلي أبيات الشعراء الأربعة التي تقدموا بها إلى المباراة).

قال شاهين:

ثمل الفنجان لماَ لامست ... شفتاه شفتيها واستعر

وتلظت من لظاه يدها ... وهو لو يدري بما يجني اعتذر

وضعته عند ذا من كفها ... يتلوى قلقا أنى استقر

وارتمى من وجده مستعطفا ... قدميها وهو يبكي فانكسر!

وقال ميشال:

عاش يهواها ولكن ... في هواه يتكتم

كلما أدنته منها ... لاصق الثغر وتمتم

دأبه التقبيل لا ينفك حتى يتحطم!

وقال شفيق:

إن هوى الفنجان لا تعجب وقد ... طفر الحزن على مبسمها

كل جزء طار من فنجانها ... كان ذكرى قبلة من فمها

ونظر فوزي المعلوف إلى الفنجان فإذا هو لم ينكسر فقال:

ما هوى الفنجان مختارا فلو ... خيروه لم يفارق شفتيها

هي ألقته وذا حظ الذي ... يعتدي يوما بتقبيل عليها

لا ولا حطمه اليأس فها ... هو يبكي شاكيا منها إليها

والذي أبقاه حيا سالما ... أمل العودة يوما ليديها!

هذه المباراة الشعرية قدمها إلى صديق أديب، منتظرا رأيي في شعر الشعراء الأربعة، وحكمي لأيهم بالسبق والتفوق، على أن يكون هذا الحكم مستندا إلى ما في (الأداء النفسي) من حيثيات. . أما أنا فقد كونت الرأي وأصدرت الحكم، بعد أن أرسلت الذوق وراء كل كلمة، وحشدت النفس خلال كل بيت، وأطلت المراجعة بعد كل مقطوعة. وقبل أن أسجل هذا الرأي على صفحات الرسالة، أود أن أستمع إلى الرأي العام الفني ممثلا في قراء العربية ما بين كاتب وشاعر، لأنني أريد أن أجعل من هذه المباراة الشعرية مباراة نقدية!

وأحب أن أقول لقراء الرسالة هنا وهناك، إنني في انتظار نقدهم لهذا الشعر، على أن يكون حكمهم للشاعر الأثير لديهم مشفوعا بأسباب التفضيل والإيثار. (وإذا كان الفائز الأول من الشعراء قد ظفر بساعة ذهبية، فإن الفائز الأول من النقاد سيظفر من هذا القلم. . بكلمة ذهبية!!

علي محمود طه في يوم ذكراه:

يوافق الأسبوع القادم ذكرى مرور العام الأول على وفاة شاعر مصر الحديثة، وشاعر العروبة الخالد، الصديق العزيز الأستاذ علي محمود طه رحمه الله. وفي مثل هذه الذكرى الغالية تخفض الأقلام حدادا على العبقري الراحل، وتحنى الرءوس شجنا على الشاعر الفنان. ولكن العزاء الذي يملأ المكان الشاغر في دنيا الشعر، هو أن القيثارة المحطمة ستظل تبعث أنغامها إلى الأبد، فتحيل الموت إلى حياة، والصمت إلى غناء، والذكرى إلى خلود!

وفي الأسبوع المقبل أقدم إلى الروح المطمئنة إلى جوار الله. . همسة القلب وتحية القلم.

أنور المعداوي