مجلة الرسالة/العدد 904/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 904/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
ذكرى شوقي:
كانت ذكرى وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي بك في الأسبوع الماضي، فقد توفى في 14 أكتوبر سنة 1933. وقد كان مظهر الذكرى في هذا العام أبرز مما كان في السنوات الماضية، فقد كتبت فيها أكثر الصحف والمجلات كل على طريقتها، وإن كان ذلك لا يعد شيئا بالنظر إلى مكان الشاعر العظيم ومنزلته في النفوس.
ومما استرعى الأسماع في هذه المناسبة ذلك البرنامج الضخم الذي قامت به محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية، فقد بدأت الاحتفال بهذه الذكرى من أول أكتوبر، فخصصت الأوقات المعينة لمسرحيات شهر أكتوبر جميعها لإذاعة طائفة من مسرحيات شوقي يقوم بأدائها وتمثيلها نخبة من الممثلين الذين مرنوا على تمثيلها كأحمد علام وجورج أبيض وفاطمة رشدي، وتخلل البرنامج في هذه الفترة غناء قصائد كثيرة من شعره واهتمت بيوم الذكرى (14 أكتوبر) اهتماما خاصا، ومما قدمت فيه برنامج خاص بالشاعر الكبير عنوانه (في وادي الخلود) من تأليف أحمد رامي وإخراج السيد بدير.
أما محطة الإذاعة المصرية التي اعتادت أن تحيي ذكرى شاعر مصر الخالد بحديث واسطوانات عبد الوهاب - فقد ضاعفت جهدها هذا العام، فأضافت إلى الحديث آخر، وإلى اسطوانات عبد الوهاب أغنية (النيل) لأم كلثوم. .
ولا شك أن شاعرنا الكبير حرية ذكراه باحتفاء لم نقم به. وفي الأمم الأخرى تحيا ذكريات أمثال شوقي عندهم على نحو يستفيد منه الناس ويشعرون فيه بجلال أصحابها، فتقام الحفلات والمهرجانات أسابيع تلقى فيها الدراسات وتمثل المسرحيات، ويحج الناس إلى مقبرة الشاعر أو إلى مسقط رأسه، فيشعر الناس بدنيا الأدب والشعر وقيمة الأدباء والشعراء، فيقرءون لهم وتحلق أراحهم في أجوائهم العالية ويحسون بالآدمية المرتفعة فوق مطالب الحيوانية.
فأين نحن من كل ذلك؟ الجواب: لا شيء، ونحن مع ذلك نعيش في الشرق الروحاني. . كما يقولون.
لما لا تقوم الحكومة (وزارة المعارف أو وزارة الشؤون) بإحياء هذه الذكريات! وماذا تفعل الجمعيات الأدبية الثقافية إن لم تقم بذلك؟ وأين وفاء المسرح لشوقي لقاء ما قدم له من روائع المسرحيات؟ أولم يكن يجدر أن يفتتح موسم التمثيل بالأوبرا في 14 أكتوبر بتقديم مسرحية شوقية، وقد اصبح عندنا الآن فرقتان: الفرقة المصرية وفرقة المسرح الحديث فكان يجب أن تقدم كل منهما رواية لشوقي في ذكراه مما تمرنوا عليه ومثلوه من قبل، ثم يأخذون بعد ذلك في برنامج العام الجديد. ولندع ما فات فهل يفعلون بما هو آت؟
طي السجل:
جرت وزارة المعارف على أن تهدي السجل الثقافي إلى الهيئات والشخصيات الثقافية الكبيرة بمصر والخارج، وتخصص لهذا الإهداء أكثر الكمية المطبوعة، أما الباقي فيودع إدارة التوريدات بالوزارة كي يباع لمن يطلبه. وقد بيع من السجل الماضي (سجل سنة 1948) سبع نسخ! والسبعة الذين اشتروه أبطال. . . يستحقون التنويه بما بذلوا من جهد في الحصول عليه! يذهب أحدهم إلى إدارة التوريدات فيصعد إلى الدور الخامس، وكثيرا ما يكون المصعد معطلا فيضطر إلى الصعود على قدميه، وعندما يبلغ مكتب المدير لاهثا يطلب منه أن يكتب طلب الشراء وقد يلصق به (ورقة تمغة) وقد يضطر للهبوط إلى الشارع ليشتري الورق والتمغة ويصعد ثانيا. . ثم (يؤشر) المدير على الطلب، فينزل الطالب إلى الدور الثالث حيث الموظف المختص بالبيع، فيظفر بنسخة من السجل لقاء أربعين قرشا. .
ولم يستطع أحد غير أولئك السبعة الشجعان أن يفعل ما فعلوا وأنا أشك في أنهم سيستعيدون شجاعتهم في هذا العام ليسعوا إلى السجل الجديد (سجل سنة 1949) وما أشك في أن وزارة المعارف تريد نشر السجل لا طينه واختزانه، فليس هناك إذن إلا أحد أمرين: إما أن تهديه كله أو تتبع طريقة أخرى في نشره، والأمر الأول لا ينفع لأن الإهداء لن يستوعب كل من يريد الحصول عليه. فليس هناك في الواقع إلا أمر واحد وهو الأمر الثاني، وهو اتخاذ طريقة تيسره للناس كما تيسر التعليم لكل الراغبين فيه؛ وأنا أقترح عليها أن تعهد به إلى دور النشر كما صنعت بكتاب (تاريخ العالم) الذي تترجمه إدارة الترجمة بالوزارة وتنشره مكتبة النهضة، ودار النشر تستطيع بوسائلها أن تيسر نشره وتدني نفعه وفي هذا تدليل لصعوبة أخرى هي أجراء مناقصة بين المطابع في كل عام لطبع السجل، وتستنفد إجراءاتها وقتا طويلا يؤخر صدوره عن أوائل العام وذلك لأن دار النشر التي تنشره هي التي تطبعه دون حاجة إلى مناقصة، ولا بد أن تسرع في طبعه وتحسن إخراجه لتضمن رواجه. وفي كل ذلك ما يحقق الأهداف التي ترمي إليها وزارة المعارف بإخراج السجل الثقافي.
اتجاه الأدب وواقع الحياة المصرية:
أذاعت محطة لندن العربية يوم الأحد الماضي، حديثا لمعالي الدكتور طه حسين بك، عن اتجاه الأدب وواقع الحياة المصرية الحاضرة، قال معاليه: كانت مصر قبل العشرين سنة الأخيرة تفكر تفكيرا مصريا بحتا، وقد كان ما يكتبه الأدباء المصريون ينتشر ويتداول في الأقطار العربية الأخرى، ولكن الموضوعات التي يتناولونها ومجال آراءهم ومدار أفكارهم - كل ذلك لم يكد يتجاوز الحدود المصرية. ولكن تطور الحوادث والاتجاهات بعد ذلك أخذ يحول التفكير إلى مجرى الحياة العربية العامة وأخذنا نفكر ونكتب باعتبارنا عربا لا باعتبارنا مصريين فقط ولم يقف الاهتمام بالحياة العربية عند المشرق وحده، بل انتقلنا بعد ذلك إلى طور آخر اتجهت فيه أنظارنا إلى المغرب، فأولينا البلاد العربية الغربية عنايتنا وعنينا بشؤونها ومسائلها.
وقال معاليه وكنا ننظر إلى الأمم الغربية في أوربا وفي أمريكا على أنها أمم متفوقة في الحضارة والقوة وأننا قوم متخلفون، ننظر إلى ما يرد إلينا منها على أنه شيء فائق معجز ولكن هذه النظرة دخلت بعد ذلك في طور آخر، هو أننا نعتبرها حقا أمما متقدمة في الحضارة وفي القوة، ولكننا أخذنا نشاركها، تأخذ عنها حينا وننقدها في أكثر الأحيان ونحن الآن ننتج في الأدب ألوانا كالألوان السائدة في الغرب فتكتب في الأنواع التي يكتبون فيها من دراسات وبحوث وقصص ومقالات، حتى الشعر، يجري فيه شعراؤنا على مناهجهم في التفكير والنظر إلى الأشياء، وأن كانوا يحافظون على نسقه الشكلي القديم. ولا شك أن الفضل في اتصالنا بتلك البلاد الغربية يرجع إلى الجامعات والأساتذة الذين نستقدمهم من الخارج والبعوث التي نرسلها سواء التي توفد للدراسات بالمعاهد والذين يشتركون في المؤتمرات والهيئات الدولية وشيء واحد هو الذي نفترق فيه عن تلك الأمم الغربية، وهو أنها تخلصت من قيود الحرب الماضية، ولكننا لا نزال نشعر بآثارها، فأتيحت لهم بذلك حركة وطلاقه، ويوم يتاح لنا أن نتخلص من ضباب الحرب الباقي عندنا لا بد أن نلحق بهم، فأنا متفائل جدا بمستقبلنا القريب، يوم نفكر في أشياء لم نفكر فيها بعد. أو يفكر فيها بعضنا ولكنها لم تخرج إلى حيز الوجود.
مكافحة اللغات الإسلامية في الهند:
تنشر الصحف بين آونة وأخرى تصريحات لبعض ساسة الهند تتضمن أن الدولة الهندية ترعي حقوق الأقلية المسلمة التي بقيت في بلادها بعد أن تكونت دولة الباكستان من أكثرية مسلمي الهند، وقد قرأت أخيرا تصريحا لأحدهم يطلب فيه أن تتعاون مصر مع الأربعين مليون مسلم الموجودين في الهند وأن تهتم بشعورهم (وخاصة أن لهم مدارس تعلمهم اللغة العربية) وقد جاءت هذه العبارة المحصورة بين الأقواس في خلال التصريح دون مناسبة. فأن اهتمام مصر بمسلمي وشعورهم لا يتوقف على أن يكون لهم مدارس تعلمهم اللغة العربية. إنما المقصود - على ما يبدو لي - أن يقال ذلك لتغطية شيء، هو ما أردت الكشف عنه بهذا الموضوع.
لقد وقف العالم على ما كان من نزاع وتطاحن بين الهندوس والمسلمين قبل أن تنقسم البلاد الهندية إلى الدولتين الجديدتين، وعلم الناس أمر المشكلة الهندية المشهورة التي محورها (البقرة) التي يقدسها الهندوس ويذبحها المسلمون، ولم تفلح إنسانية غندي في التوفيق بين التقديس والذبح، فلم يكن بد من الانقسام، وكان المسلمون في الهند قبل هذا الانقسام نحو مائة وعشرين مليونا، وكانوا أقدر على مقاومة الاضطهاد من المسلمين الباقين في الهند الذين أصبحوا أقلية منتشرة في البلاد لا حول لها ولا طول؛ وكم نود أن نفهم أن دولة الهند الحديثة المستقلة التي قامت على مبادئ الحرية والعدالة أمكنها أن تحول التيار وتبدل الناس غير الناس أو تتصرف هي على الأقل تصرفا يدل على الاهتمام بشعور المسلمين في الهند. فهل تحقق ذلك أو أننا هنا نسمع لباقة من الساسة وتظاهرا ليس وراءه ما يسنده؟
في العام الماضي قرر المجلس التشريعي الهندي استبعاد الألفاظ العربية والفارسية والتركية من لغاتها وإحلال السنسكريتية محلها، وهذه الألفاظ التي تقرر استبعادها تكون الجزء الأغلب في اللغة الأردية، وكان دخولها فيها نتيجة للفتح الإسلامي وتتابع الدول الإسلامية في الهند، وهذه اللغة الأردية التي تكونت من الهندية القديمة ومن العربية والفارسية والتركية استعملت في قرون متتابعة كانت فيها لغة الحضارة والثقافة الإسلامية هناك وتغلغلت بوساطتها الآداب الإسلامية ونظمت العلاقات بين الأفراد وبين الفرد والجماعة، وسادت في البلاد الهندية جميعها بين المسلمين وغيرهم ونقل إليها الكثير من المعارف الغربية.
فما هو الدافع إلى ذلك القرار؟ هل هو توحيد اللغة بين أهل البلاد وتسهيل التخاطب بينهم؟ أن كان هو الغرض فأن الأردية أصلح له، لأنها لغة الجميع السائدة في شتى أنحاء الهند. ليس هناك إذن إلا محو الآثار الإسلامية التي استقرت هناك بفعل التاريخ وصبغت القوم بصبغتها، وليس هناك أيضا إلا أن تخنق اللغة التي تصل المسلمين بثقافتهم وما يمت إليها. فيجب لذلك أن تصبح الهندستانية (المبرأة) من الكلمات الإسلامية لغت الهنود!
ولا شك أن الأقلية المسلمة الموجودة الآن في الهند لا تستطيع ذبح بقرة، فهل حرمت عليهم أيضا ألفاظ القرآن الكريم وهل جاء (العذاب الروحي) من قسمهم مقابل (العذاب البدني) عند الهندوس. .؟
عباس خضر