مجلة الرسالة/العدد 90/عظة البدر
مجلة الرسالة/العدد 90/عظة البدر
للأستاذ (أبي أحمد)
البدر يرعاني وأرعاه ... قد يمكر الجلاس إلاه
أبثه من زفراتي فما ... لغيره يأمن أواه
يسري علي الليل رفيقَ الخُطا ... يضيء أقصاه وأدناه
تلوح فيه الأرض موشية ... من أقصر النبت وأسماه
لمثل ما أبصر من منظر تغفر للدهر خطاياه
وساحر الأجفان حلو اللمى ... ضعيف كر الطرف تياه
حديثه مثل دبيب المنى ... يبسم والدر ثناياه
حسبي من اللذة أنفاسه ... ومن رضِىَّ العيش لقياه
قد تمت الغبطة في ليلة ... قل لها في الدهر أشباه
ما العيش إلا ما يلد الفتى ... قل لها في الدهر أشباه
سألت هذا البدر كم منظرا ... رأى على الدهر بمسراه
قال ولم تَطْرِف له مقلة ... ولم تحرك منه ذكراه:
(هاتيك مَنْفيس بها ما بها ... من أرحب القصر وأعلاه
يلوح عن بعد بها موكب ... أخراه لا تبدو لأولاه
حتى إذا أبصرت أعلامه ... وخَرَّت الناس لمرآه
عرفت رب الملك في عرشه ... حسبك منه خُبْر سيماه
وذاك في بغداد قصر سما ... يضيء فيه العز والجاه
وربه في مجلس باهر ... مؤتلق تبهر رؤياه
وحوله من كل حورية ... هاروت في الأجفان مثواه
يأخذ عنها الطير ألحانه ... ويأخذ النرجس رياه
واليوم لا ملك ولا موكب ... إلا طلولاً من بقاياه
وهاهو العالم في سيره ... كأنما لم يعف مغناه!)