مجلة الرسالة/العدد 896/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 896/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 896
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 09 - 1950



للأستاذ عباس خضر

عاصفة في المؤتمر الثقافي:

أشرت في الأسبوع الماضي إلى ما حدث في جلسة افتتاح المؤتمر العربي الثاني عندما وصل برنامج الجلسة إلى مناقشة جدول أعمال المؤتمر، إذ قامت حملة عنيفة على الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية التي نظمت هذا الجدول، ولم يسمح المقام وضيق الوقت بتفصيل ذلك في العدد الماضي.

بدأ نذير هذه، الحملة عند ما كان الدكتور أحمد أمين بك يلقي كلمته طالباً الشروع في تأليف لجان المؤتمر، إذ قاطعه الأستاذ محمد جبر قائلاً أنه يجب أن يناقش جدول الأعمال قبل كل شيء، وكان الواقف على ملابسات الحال يلمح في جو المؤتمر سحباً توشك أن تنهمر. . . وقد بدأ هذا الانهمار بكلمة ألقاها الأستاذ محمد سعيد العريان قال فيها إن جدول الأعمال المعروض ليس هو الذي كان معداً من قبل، وإن المؤتمر بناء على ذلك سينظر في غير ما حضر له، وأسند هذا إلى أن الإدارة الثقافية تستبد بالعمل دون الرجوع إلى الحكومات العربية ووزارات معارفها، وذهب إلى أن هذه الإدارة لا تمثل الدول التي ينعقد المؤتمر باسمها فليس لها أن تفرض عليها موضوعات معينة! واقترح تأليف مكتب دائم للمؤتمر تمثل فيه الحكومات العربية لينظم شئونه وأعماله.

وتكلم بعد الأستاذ العريان الأستاذ جبر، فأنتقد موضوع (التوسع في التعليم الثانوي والعالي) واقترح موضوعاً آخر هو (فلسفة التربية) يقصد منه تحديد الاتجاه الثقافي الذي ينبغي أن يوجه إليه الناشئون. ووصف الأستاذ سامي عاشور تصرف الإدارة الثقافية بالتفرد والاستبداد وأنها حلت بذلك محل المستعمرين الذين كانوا يستبدون بالأمر في توجيه التعليم بالبلاد العربية على وفق هواهم الاستعماري، واقترح موضوعاً آخر هو مكافحة الأمية في البلاد العربية. ورأى الأستاذ شفيق غربال بك أن يعدل الموضوع الأول من موضوعي المؤتمر بحيث يكون (ما العقبات التي تعترض التوسع في التعليم وما وسائل تذليلها) وأن يبقى الموضوع الآخر كما هو، وهو (الإعداد للحياة العملية)

وأوضح الأستاذ إبراهيم اللبان الفرق بين طرق التربية وروح التربية وبين أهمية الثاني، ولاحظ أن الموضوعين المعروضين لا يتجهان إلى روح التربية، ودعا إلى أن يبحث المؤتمر كيفية خلق المواطن العربي الصالح.

وقال الأستاذ سعد اللبان أنه يلاحظ أن موضوعات هذا المؤتمر، وكذلك المؤتمر الأول، كلها موضوعات مدرسية، وأن هناك ما أهم من هذه المدرسيات، وهو الشؤون الأدبية والثقافية العامة، لأن الثقافة الأدبية هي الرباط المتين الذي يربط بين شعوب العرب في بلادها المختلفة، وقد كان قائماً قبل قيام جامعة الدول العربية.

وبعد ذلك قال معالي رئيس المؤتمر الدكتور طه حسين بك أظن أنه من حق الإدارة الثقافية بعد كل هذا الذي وجه إليها أن تدافع عن نفسها. وهنا تقدم الأستاذ سعيد فهيم وكيل الإدارة الثقافية فأوجز الرد في أن الإدارة لم تنفرد بالعمل وإنما أشركت معها كبار رجال التعليم في وزارات المعارف بالبلدان العربية، وأن موضوعي المؤتمر وضعتها اللجنة الثقافية التي تمثل الحكومات العربية، وأن مجلس الجامعة العربية أقر جدول أعمال المؤتمر.

ولما كان الوقت قد تأخر فقد أعلن معالي الرئيس اختتام الجلسة على أن نجتمع في الصباح التالي الهيئة المشرفة على المؤتمر، وهي تتكون من معاليه ومن رؤساء الوفود الرسمية، على أن يتلو اجتماعها انعقاد الهيئة العامة للمؤتمر. وقررت الهيئة المشرفة أن يعدل الموضوع الأول بحيث يكون (ما العقبات التي تعترض التوسيع في التعليم الثانوي والعالي وما وسائل تذليلها) وأن يبقى الموضوع الثاني كما هو، ووافقت الهيئة العامة للمؤتمر على ذلك ثم أخذ في تأليف اللجان - فألفت كما ترى في (كشكول الأسبوع)

أريد بعد ذلك أن ننظر في تلك العاصفة التي هبت على الإدارة الثقافية وجدول أعمالها، وما نشرته الصحف حول هذا الموضوع والذي أراه أن الإدارة أو اللجنة الثقافية؛ لم تكن موقفه في الموضوع الأول - على نحو ما بينت في الأسبوع الماضي - بل أقول أنه موضوع غير ذي موضوع. . .

فنحن الآن لسنا بصدد البحث في التوسع والتحديد وبأيهما تأخذ؛ وما هي خطة ذاك؛ وما الغرض من هذا؛ فقد انتهينا إلى أنه لابد من تعليم الناس جميعاً.

وأرى أيضاً أن الموضوعين تافهان وأوافق المعترضين على أن الموضوعات التي اقترحوها أهم من هذين الموضوعين؛ ولست أدري - كما قال الأستاذ سعد اللبان - لماذا يقصر المؤتمر أعماله على الموضوعات المدرسية ولا يهتم بالثقافة العامة. ويظهر أن اللجنة الثقافية عندما وضعت موضوع (التوسع في التعليم) أو وافقت عليه؛ لم يكن في حسبانها أن الإدارة الثقافية ستفرغ من التحديد ونسأل عن خطط التوسع. ولو أن الإدارة تفادت هذا الوضع الشائك الذي أثار الاعتراض لما ترتب على ذلك أن تغير الموضوع وصار موضوعا آخر لم يسبق له تحضير.

ولكن هل الإدارة الثقافية حقاً انفردت وارتجلت واستبدت. . . وهل حقاً أيضاً أنها لا تمثل الحكومات العربية؟

هناك هيئات ثلاث: اللجنة الثقافية والمكتب الدائم يتألف من الملحقين الثقافيين بالمفوضيات العربية بالقاهرة. أما الإدارة الثقافية فهي هيئة منظمة وهي قسم من أقسام الأمانة العامة للجامعة. نرى ذلك أن هذه الهيئات ممثلة للبلاد العربية تمام التمثيل، وهو لهذا لم تتعد اختصاصها، ولم تعمل عملاً كان يجب أن يقوم به غيرها، وليس معنى توجيه المؤاخذة إلى عمل من أعمالها أنها دخيلة عليه منصوبة له بغير حق.

وثمة ثلاث ظواهر تلاحظ في هذا الموضوع، الأولى أن الحملة جاوزت حد القياس المعقول فقد بدت الرغبة في الهدم والمعارضة بالحق وبالباطل، وتتابع في الكلام المتحمس الثائر جماعة ممن إذا دعوا لم يسألوا لأية حرب أو بأي مكان. والظاهرة الثانية هي انحصار هذه الحملة بين الأعضاء المصريين، فلم يشترك فيها أحد من سائر الوفود العربية، بل وقفوا منها موقف المشاهد المتفرج، يستغربون أحياناً، وأحياناً ينطبق عليهم القول المأثور (من يسمع بخل) فيوجهون اللوم إلى الإدارة الثقافية حتى فيها لا تملكه، أولئك الذين تتملكهم شهوة الكلام فيهرعون إلى المنصة ليخطبوا. ولا يدري أحد ماذا يريدون.

أما الظاهرة الثالثة - وهي ثالثة الأثافي - فهي ما نشرته بعض الصحف أخباراً وتعليقات. نشرت هذه الصحف أولا أن وفد مصر هدد بالانسحاب من المؤتمر، مع أن المسألة لم تعد ملاحظات من جانب الوفد وقبول لهذه الملاحظات من جانب الإدارة الثقافية، فلم يصل الأمر إلى أزمة ولا إلى تهديد بانسحاب. والعجيب أن جريدة كبيرة متزنة كالأهرام تخرج على ما عرفت به فتنشر أخلاطاً من الكلام تصور الموقف على غير حقيقته، إلى ما فيها من الخبط الأعشى، فمما قالته أن الجانب المصري غير راض عن طريقة تأليف اللجنة الثقافية وأعمال الإدارة الثقافية، وأن وزارة المعارف تبحث الآن أمر الموظفين الذين يمثلون مصر في اللجنة الثقافية والإدارة الثقافية على أساس أن وجودهم في هذه المناصب لم يعد متفقاً وسياسة الوزارة في الوقت الحاضر!

ليس هناك موظفون في اللجنة الثقافية يمثلون مصر، حتى تفكر وزارة المعارف في أمرهم، فموظفو الإدارة الثقافية تابعون للأمانة العامة وهم كسائر موظفيها لا يخضعون للحكومات، أما اللجنة فتتكون من أعضاء لا من موظفين. ومن ذلك الخلط أن يقول المراسل إن تأليف لجنة للثقافة العربية يعد تجاهلاً سافراً للجنة الثقافية بالجامعة العربية! واللجنة الأولى من لجان المؤتمر ألفت لبحث موضوع معين، فأين هي من اللجنة الثقافية العامة الدائمة؟

والخطير في الأمر أن تصور وزارة المعارف على أنها خصم للإدارة الثقافة. وليس هذا معقولاً ولا لائقاً. فوكيل وزارة المعارف الأستاذ شفيق غربال بك هو الذي يرأس اجتماعات اللجنة الثقافية. ومما يذكر أن معالي وزير المعارف يبدو على كرسي رياسة المؤتمر فوق كل هذه المنازعات، وهو يدير الجلسات بروح ودي للجميع.

وقد عرض على المؤتمر قرار الهيئة المشرفة بصيغة الإقرار لجدول الأعمال كما أعدته الإدارة الثقافية، ولكن بعض الأعضاء ثاروا وأبوا إلا أن ينص على أن الجدول عدل، فكان عند رغبتهم، هذا يدل على حيدته بل على مجاملته للإدارة الثقافية.

بقي أن أسأل: من الذي يوحي إلى مراسل الصحف وإلى فرسان المعارضة في المؤتمر بأن وزارة المعارف جبهة ضد الإدارة الثقافية؟ هل هناك تدبير لهذه الحركة أو هي حركة (شيطانية) وأن كل تلك الظواهر محض اتفاق؟!

محاضرات المؤتمر:

كانت أول المحاضرات العامة التي نظمها المؤتمر الثقافي، محاضرة الدكتور عبد الوهاب عزام بك في (تحقيق موضع سوق عكاظ) وقد ألقاها يوم الأربعاء الماضي. قال فيها أنه بحث أثناء إقامته بالحجاز عن موقع سوق عكاظ، وقد هداه البحث إلى موضع يقع جهة الشرق من الطائف على مسيرة يوم منها وثلاثة أيام من مكة، وقد طبق على هذا الموضع ما ورد في الكتب من أوصاف سوق عكاظ، فوجدها مطابقة له.

وألقى بعده الدكتور محمد البهي محاضرة موضوعها (الطابع القومي في الثقافة الأزهرية) شرح فيها مذهبي القومية والعالمية اللذين يختلف فيهما علماء التربية، وأورد حجج كل من الفريقين ثم رجح مذهب القومية، وخلص من ذلك إلى تأييد جانب الدراسات الإسلامية والعربية التي يقوم بها الأزهر باعتبارها الثقافة القومية التي يجب أن تسود. ويخيل إلى أنه اضطر إلى ترجيح القومية ليخلص إلى هذه النتيجة، وما أراه كان بحاجة إلى ذلك، فالإسلام دين عالمي، ودعوته دائمة عامة، وإذا كانت المذاهب الاجتماعية والسياسة السائدة في العصر الحديث تدعي لنفسها صفة العالمية وتدعو العالم إلى اعتناقها، فكذلك الإسلام من حيث هذه الناحية.

وألقى أستاذنا الكبير أحمد حسن الزيات محاضرة يوم السبت عن (حاضر الأدب العربي) وقد حلي بها صدر هذا العدد من (الرسالة).

وألقى بعده الأستاذ واصف البارودي محاضرة عنوانها (الشباب وأزمة الثقافة) وقد عرف فيها الثقافة بأنها التوازن بين الناحية العملية والناحية النظرية، وعندما سار في المحاضرة لم يأبه لهذا التوازن، بل رجح الجانب العملي، فقلل من قيمة العلم والذكاء بالنسبة إلى العمل والمهارة فيه، وذهب إلى أن الذي لا يوافق قوله عمله لا يعد مثقفاً مهما كانت معلوماته وذكاؤه. وقد غالى الأستاذ في ذلك، حتى خلناه يعد الثقافة من الحرف والصناعات وحتى أنه عندما بين مظاهر أزمة الثقافة عد منها (البطالة) وكان الأستاذ يرتجل في أسلوب لا بأس به، ولكن لو أنه كتب المحاضرة لكانت أجزاؤها وأفكارها أوثق ارتباط وأكثر تنسيقاً.

عباس خضر