مجلة الرسالة/العدد 894/من نقد النقد
مجلة الرسالة/العدد 894/من نقد النقد
مسرحية الذباب لسارتر
للأستاذ يوسف الخطاب
لا أدري لماذا تحمست يوما لنقد ترجمة الدكتور القصاص لهذه المسرحية، ثم عدت فأحجمت عن نقدها، حتى قرأت كلمة عنها للدكتور شوقي ضيف، في مجلة الثقافة تحت باب النقد، ليس فيها من ورح النقد سوى عرض للمذهب الوجودي، لخصه عن مقدمة الترجمة، بدأه بسخرية من (اتحاد شركات سارتر وأصحابه) وكنا نظن أنه سيلتزم هذا الاتجاه، ويساهم في نقد الحركة الوجودية، ونقد المسرحية التي يعرض لها. ولكنه لم يخرج عن المقدمة التي كتبها المترجم، والتي لخص الدكتور القصاص في نصفها الأول كتاب سارتر الصغير: الوجودية هي الإنسانية دون أن يذكر اسم الكتاب الذي نقل عنه من باب تأكيد الوجود الذاتي على حساب صاحب المذهب نفسه.
ولقد تكلم الدكتور شوقي عن الخط الأول من خطوط الوجودية، فتناول الوجود وأننا نوجد أولا، ثم نصنع ماهيتنا حسب إرادتنا، لا حسب التأثيرات الطبيعية أو الاجتماعية. ثم تناول الخط الثاني، وهو خط الحرية، وكيف أن كلاً منا حر في تقرير مستقبله ومصيره ما دام كل يحيا كما يريد، مؤكداً إن الحياة ليس فيها جبر من بيئة أو تربية أو أشياء ماضية، ونفى كل التاريخ وقال أن الإنسان يسوي نفسه في الصورة التي تبتغيها مشيئته وإرادته، وأن هذا ليس وجوداً فردياً خالصاً، لأنه في وجوده الفردي يكتشف وجود الآخرين - وبذلك أكد الوجود الفردي الذي يريد الوجوديون نفيه.
وبعد هذا التلخيص الطويل الذي استغرق صفحة كاملة من صفحات المجلة، كنا ننتظر أنه لن يكتفي بالوقوف عنده، وأنه سيتناوله بالرفض أو التأييد، ويورد لنا أسباب هذا الرفض أو التأييد، فلم يفعل شيئاً من ذلك واتجه مباشرة إلى تلخيص المسرحية وإيراد نصوص منها تتضمن آراء وجودية أطلقها عل كل مسرحيات سارتر - وفي هذا تخلص عجيب من فكرة مسرحية (الذباب) نفسها، ولم يقل لنا لماذا أسماها سارتر (الذباب)، وأسماها صديقه الدكتور المترجم (الندم).
وأختم نقده بسطرين حكم فيهما على المسرحية من الوجهة الفنية قائلا (من يقرؤها يشعر أنه ليس لها نهاية محدودة إذ تسعى إلى رسم مواقف وأفكار دون رسم شخصيات) وأعتقد أن هذا التعليل للنهاية غير المحدودة غير سليم، وقد سبق لنا أن تناولنا تعريف النهايات في مقال لا نريد أن نعود فنكرر ما جاء من صورة ربط النهاية بالحياة. ثم عاد فقال (أعترف أني لم اشعر أثناء قراءتها لا بفرح ولا بحزن لأني كنت أقرأ عقلاً صرفاً له آراؤه لا قلباً له عواطفه) وليس هذا تعليلا صحيحاً للحالة النفسية التي يكون عليها من يقرأ أعمال سارتر، وصحته أن الوجودي يؤمن بالحرية، وأن الإنسان بعد أن خرج إلى هذا العالم صار مسئولاً عن كل ما يريد وعن كل ما يفعل، ولا هادي له في حريته سواه وحده، لا عواطفه التي تدخل في باب الجبرية وهي شيء لا يعترف به الوجوديون.
وانتهى إلى شكر الدكتور القصاص على ما بذل من شرح آراء سارتر وترجمة مسرحيته، وطالب بترجمة (الآثار الأخرى لكاتب الوجودية الأكبر) - ونحن مع احترامنا للكاتبين لا نريد أن نقول إن كلمة الدكتور شوقي مجاملة على حساب النقد وكان لابد من مناقشتنا لها، لننتهي منها إلى رأي يوضح لنا حقيقة المسرحية المترجمة، ما دام الناقد والمترجم لم يحققا ذلك، جين قصر الأول نفسه على التلخيص، ولم يساهم بفكرة أو تفسير للمسرحية والمقدمة، واستقى نهجه من عمل الترجمة الذي تصدى لنقده، وبهذا أوضح لنا اتجاه المترجم، وأنه كان مقصورا على التلخيص والترجمة فحسب حين توفر في النصف الأول من المقدمة على تلخيص محاضرة سارتر التي طبعها في الكتاب الذي ذكرنا اسمه وأغفل ملخصه ذكره. ولخص في النصف الثاني مقالة من الجزء الثاني من كتاب سارتر (مواقف - دون أن ينص على ذلك في ترجمته. ولا نريد أن نقول أن هذا يتنافى مع أمانة الترجمة، ولكنا نريد أن نتسائل لماذا قصر نفسه على هذين الكتابين بالذات، وهما لا يعدوان في مادتهما أدب المقالات التي ينشرها (سارتر) في مجلته (العصور الحديثة) وكنا ننتظر منه حين وعدنا في النصف الثاني من المقدمة بالكلام عن (مذهب سارتر الأدبي) ألا يتناول رأي سارتر في الشعر والنثر، وأن يورد لنا رأيه في القصة والمسرحية، فهذا ألصق بطابع الكتاب، باعتبار أنه مسرحية مقروءة تقف بين المسرح بالذات. وكان يسرنا أن يذكر لنا هدفه من ترجمة هذه المسرحية بالذات، ويورد لنا رأي سارتر في الترجمة عامة وهل حقق المترجم ما يدعو إليه سارتر من التزام؟ ونحن مضطرون إلى الإجابة نيابة عن المترجم، وإلى الإجابة بالنفي عن هذه الأسئلة كلها، لأن هذه المسرحية - من بين مسرحيات سارتر - قائمة على أسطورة إغريقية قديمة، تعالج واقعاً خاصاً بعيداً عن واقعنا، وكأن المجتمع قد انتهى من مشاكله، واطمأن إلى حلها، ولم يبق إلا أن يعيش في عالم الأساطير. وهنا يتضح لنا هدف دعاة الوجودية، فهم جماعة من محبي الهرب، يهربون من المجتمع إلى ذواتهم ليحققوا وجودهم - ولو على حساب المجتمع. ويهربون من واقعهم إلى واقع قديم غريب عليهم، دون اعتراف بالزمن والتاريخ. ويهربون من واقع الحياة فيعيشون واقعاً مستمداً من فلسفتهم دون تفرقة بين عالم الفلسفة الفكري وعالم الحياة.
فإذا جاء الدكتور القصاص وترجم لنا مسرحية هذه صفة أصحابها، كان واجبه أن يذكر لنا هدفه من الترجمة، وأي نوع من القراء قصد بها، لا أن يعتذر في نهاية مقدمته ويقول (قد يدهش القارئ من أننا لم نقل شيئاً عن مسرحية (الذباب) نفسها) ونحن نؤكد له أن القراء لم يدهشوا لسكوته عن الكلام عن مسرحية الذباب بل دهشوا لخروجه عن المذهب الذي ألتزمه، فهم يعرفون حرص الوجوديين على إشاعة مذهبهم وتوضيح جوانبه، والتزامهم تحويل الجماهير إلى معسكرهم بتقديم أعمالهم ومعها تفسير يذهب بكل إبهام، حتى يحتضنها كل قارئ، ويعرف كيف يجيد الدفاع عنها. ومما يؤسف له أنه قد سبق ترجمة هذه المسرحية إلى العربية مسرحية وجودية أخرى ترجمها الأستاذ رميسيس يونان وكان أكثر حرصا من مترجم (الذباب) حين قدم لها بمقدمة عن المسرحية التي ترجمها، وأنهاها بكلمة عن المذهب الوجودي. وهكذا نستطيع أن نقول أن حقيقة الالتزام - الذي يتمشدق به الوجوديون - بعيدة عن ترجمة مسرحية الذباب الوجودية.
وما دام الالتزام هو الخرافة التي يتكئ عليها الوجوديون - دون تحقيق لها - فان كل عمل من أعمالهم يخلو من الالتزام، منقوض من أساسه. ومن هنا يصح لنا أن نهمس في أذن الدكتور القصاص أنه لم يعد في تقديمه لمسرحية (الذباب) دور المترجم الناقل، وفشل في لعب دور الرائد الذي سبقه غيره في القيام به، وأصبح هو لا يمثل بترجمته إلا المدرسة القديمة. ولو قرأنا رأيا كتبه الأستاذ علي أدهم عام 1929 في مقدمة ترجمته لمحاورات رينان لأدركنا قد مدرسة القصاص في الترجمة حتى على هذا لتاريخ قال الأستاذ أدهم: (والكاتب الكبير يتشرب عصره. . . تلقاء ذلك رأيت أن أنسب طريقة أمهد بها السبيل إلى فهم رينان، هي أن أكتب مقدمة موجزة، أشير فيها إلى موقفه من الحركة الفكرية التي قامت في القرن التاسع عشر، وأكشف عن تأثيرها؛ وهو بحث عويص مشعب الأطراف كنت أوثر السلامة على التورط في غمراته. ولكني أعلم العلم كله أن المترجم في هذا البلد من واجبه أن يكون شارحاً إلى حد ما. ومن استيفاءات عمله أن يضع القارئ على النهج وينير له الطريق).
فهل حقق الدكتور القصاص أول واجبات المترجم؛ وهل ربط بين أدب الوجودية وروح العصر؟ وهل ربط بينها وبين غيرها من الاتجاهات؟
إننا نورد هذا الرأي - وليس هذا لنا - ويؤلمنا أن نصارح به أي مترجم، ولكنا نقلناه حتى لا نتهم بالقسوة في النقد، وهذه الرغبة نفسها هي التي تسوقنا إلى أن نصارح الدكتور القصاص أننا سنتجاوز عن المقدمة وعما بها من متناقضات حتى نناقش الرواية ونعرف إلى أي حد تتوفر فيها المسرحية. سنتجاوز عن تسمية للوجودية بأنها فلسفة ذات مبادئ، وعودته مرة ثانية ونسخه لهذه التسمية. وسنتجاوز عن دفاعه عن الذاتية في الوجودية ثم نفيه للفردية عنها بإيراده لنظرية (تشابك الذاتية) وهي تعديل لحق المذهب الوجودي يتناقض مع طبيعته.
وسنتجاوز عن تسميته للقلق والهجران واليأس بأنها (كلمات) مع أنها مقولات) فلسفية. وسنتجاوز عن ترجمته للـ بالوضع الإنساني قاصداً بـ (مجموعة الحدود التي توجد بادئ ذي بدء وتخطط لإنسان معالم وضعيته وكلتا الكلمتين (وضع) و (وضعية) لا يعترف بهما رجال الفلسفة. وسنتجاوز عن تعريفه الحرية الوجودية بأنها انتصار المرء الدائم على شهواته وعلى نفسه وعلى طبقته الاجتماعية وعلى وطنه) وهو تعريف خيالي لا يتفق وطبيعة المذهب الوجودي الذي ينادون بأن يحيا الإنسان كما يريد!!. . . ولكن من يدرينا لعل معنى الانتصار على الشهوة عند الوجوديين هو الخضوع المطلق لها، والانتصار على الطبقة والوطن هو الفوضوية والخيانة!. . . وسنتجاوز عن نفيه للتجريد عن الوجودية مع أن في ارتداد الفرد إلى ذاته وتحقيق وجوده الذاتي عدم اعتراف بالواقع المتحقق، وارتداد إلى عالم ذاتي كل ما فيه تجريد خالص، بدليل أن المترجم ذكر أنه حرص على أن (يكون البحث خالياً من المصطلحات الميتافيزيقية) وعالم الميتافيزيقية كله تجريد مبعد عن العالم الفيزيقي.
سنتجاوز عن كل هذا وعن مناقشة الآراء الفلسفية لأننا هنا بصدد مناقشة نقد أدبي ورواية مسرحية يجب أن تتوفر على الكشف عن جوانبها الفنية. وليس تجاوزنا هذا من باب تجاوز الدكتور في مقدمته عن ذكر أسباب عداء الجماهير والأحزاب لسارتر وينسى أن من حق القارئ عليه أن يعرف جانبا منها. فقد قدمت المسرحية للتمثيل - كما يقول المترجم - وفرنسا ترزح تحت كلاكل الاحتلال الألماني وظلت تعرض على الخشبة أكثر من ثمانية عشر شهراً) ومسرحية توافق سلطات الاحتلال على استمرار عرضها هذه المدة يحق للجميع أن يعادي صاحبها، لأنه تعاون مع سلطات الاحتلال ولاقى منهم كل معونة في الوقت الذي كانوا يملئون فيه المعتقلات بالأحرار الذين لا يعمدون إلى إلهاء الناس عن واقعهم الأليم بواقع إغريقي لا يمت إليهم - كما فعل سارتر بهذه المسرحية الخائنة بل كما فعل بكل فلسفته. ولو قيل أن المسرحية لاقت نقد بعض الأدباء الألمان فإني أقول أنه كان نقداً مغرضاً قصده التعمية، أو أنه نقد بعض الأحرار الذين يرفضون كل أعمال الوجوديين أساسا لطغيان جانب الفكر فيها على جانب الفن، بل وقضاؤه على المقومات الفنية، وأن الفكر الذي تستند عليه مستمد من فلسفتهم المتداعية. وأنهم لا يقدمون هذا الفكر تقديماً فنياً فلا يعترفون بأن المسرح غير الكتاب، وأنه ليس مجالًا لعرض الأفكار وتعارضها بل مجال الحياة وصارع الأحياء وأن إيراد الفكر عندهم لا يكون بطريق الإيحاء والتلميح بل بحشو المسرحية بالفكر الفلسفية الجافة التي لا يكتفون بإيرادها صريحة بل يصوغونها في قالب خطابي مثل الخطب الطويلة التي تمتلئ بها هذه المسرحية، وإذا أرادوا إعطاءها الشكل الفني استجلبوا صوراً غريبة غرابة الفن السيريالي الذي ينقلونها عنه - وبهذا يهدمون لاستعانتهم بفنون غيرهم. وهذا واضح في الخطبة التي انتهت بها مسرحية (الذباب).
وإذا تركنا هذا الباب جانبا - ونقول (أنتقلنا) متأثرين بما صنعه مترجم المسرحية، فقد جعلنا نحس فرقاً كبيراً بين لغة المقدمة التي لخص فيها آراء سارتر ولغة المسرحية التي ترجمها. فمع أن وسيلتها واحدة وهي النثر فأنت تلحظ أن أسلوب المترجم فيهما مختلف. فبقدر حرصه في المقدمة على بساطة التركيب، واستخدام الكلمات استخدماً موضوعياً، نجد حرصه الكبير في ترجمة النص على تقيد التركيب واستخدام الكلمات استخداما جمالياً - ورغم أن هذا الأسلوب عدو المسرح، فإنه خروج على طبيعة النثر الوجودية، إذ يدخله في مجال الشعر، لأن الكلمات هنا تستحيل إلى (أشياء) نراد لذاتها. بل أنه أحياناً كان يعمد إلى السجع فيقول مثلاً (هنا نحن تحيط بنا وجوهكم وكل ما كان في هذه الحياة من متاع. وها نحن نلبس عليكم ثياب الحداد دون انقطاع) وهذا يجعلنا نقول في أسف أن ترجمة النص جاءت بعيدة عن روح سارتر أو طمست معالمها.
ويبدو أن الدكتور القصاص شعر بخفة وزن المسرحية التي يترجمها فكان حريصاً على أن يكسبها هذا الشكل البلاغي، أو أنه شعر أنه يقدم مسرحية مقروءة فاعتمد على بلاغة الكلمات لإحساسه بأن الرواية تعوزها مسرحية الأحداث والحركات. ونحن مع اعترافنا بأن مسرحية الذباب - سواء في النص الفرنسي أو الإنجليزي - لا تعد وأن تكون مسرحية مقروءة فإنها ستظل كذلك على الأقل في مصر، لاتكاء المترجم على الكلمات واستخدامها استخداماً بلاغياً لا مسرحياً. وبهذا أكد صفة القراءة في المسرحية ونفى عنها إمكانية التمثيل، لأن المشاهد العادي لن يستطيع متابعة حوارها البلاغي. ويبدو كذلك أن المترجم أدرك عدم قدرة المسرحية على اجتذاب الجمهور فتصرف في ترجمة عنوانها حتى يلفت أنظار الناس وسماها (الندم) وتنبه أخيراً فكتب بخط صغير (أو الذباب) على طريقة مترجمي القرن التاسع عشر. ويظهر أن هذا الشيء الوحيد الذي قدمه المترجم أو لعله أراد أن يلخص المسرحية في كلمة واحدة، كلمة تذهب بكل مقومات المسرحية؛ لأن المسرحية التي يمكن تلخيصها مهدومة من أساسها. أو لعل المترجم أراد أن يحاكي المؤلف حين أتخذ من أشخاصها أفواهاً يرددون كلماته حتى لا يفوت القارئ إدراكها. وكلمة الندم لا تتوفر الطبيعة المسرحية، وهي قريبة من طبيعة الصراع الذي أورده مؤلف المسرحية وجعله يدور بين الإنسان والإله، وهو صراع يتناقض مع طبيعة المسرح الحديث، لأنه موقف فكري معقد مجاله كتب الفلسفة أو المسرح الكلاسيكي القديم، وفيه تطرف، والمسرح قائم على عرض كل ما هو عادي متعارف عليه. وإخضاع مثل هذا الموقف للمسرح فيه قسر وجبر يتنافيان وعدم اعتراف الوجودية بأي لون من ألوان الجبرية.
وهذا هو الأساس الذي تستند عليه المسرحية - المسرحية التي لا جديد فيها رغم الضجة التي أثيرت حولها هنا وهناك. ونحب أن نقول كلمة أخيرة أنه على رغم تجديد سارتر في عالم القصة وهو فيها متأثر بالقصة الأمريكية - فإنه باء بالفشل في المسرح فلم يقدم إلا النزر اليسير. وهذه المسرحية نفسها دليلنا على ذلك؛ فهي في شكلها لا تعود المسرحيات الكلاسيكية من بنائها المسرحي وتقسيمها إلى مشاهد منفصلة ومراعاتها للزمان والمكان وقيامها على بطل تسلط عليه الأضواء من كل جانب بنسبة أكبر مما عداه من شخصيات. والتناقض واضح بين هذا الشكل الكلاسيكي ومضمون المسرحية الوجودي. وهي حين تعتمد على الأسطورة القديمة لا تقدم من جديد سوى (الذباب) وهذا فضل لا يرجع إلى سارتر بقدر ما يرجع إلى الكتاب المسرحي الكبير (جيرودو) الذي عالج الأسطورة نفسها في مسرحية (الكترا) وذكر الذباب صراحة فجاء سارتر وأملت عليه وجوديته أن ينقل عنه، ويضفي على مسرحيته ثوباً ممزقاً من فلسفته المتداعية. ولكن يعزي (جيرودو) أن هذه المسرحية لم يعد لها أهمية تذكر بعد خروج الألمان من فرنسا وتوقف الصحافة الأمريكية عن الطبل لها لاشتغالها بما هو أهم منها.
يوسف الحطاب