مجلة الرسالة/العدد 894/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 894/الأدب والفنّ في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
ذكرى المازني
كانت الذكرى الأولى لوفاة المغفور له الأديب الكبير الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني، يوم الخميس الماضي الموافق 10 أغسطس الحالي، وقد احتفلت أسرته بهذه الذكرى كما تحتفل أية أسرة بفقيد لها أما الهيئات الأدبية والثقافية رسمية وغير رسمية فلم تهتم إحداها بذكرى الأديب العظيم، ومتى اهتم أحد بذكرى أديب من أدبائنا الراحلين؟ وهكذا صارت ذكرى المازني في عداد الذكريات المنسية في مصر!
كأن لم يكن المازني أحد أركان النهضة الأدبية في العالم العربي الحديث، فإذا مات انحسر ذكره وأصبح كل ما هو جدير به في ذكراه الأولى أن تنشر بعض الصحف أن الأسرة الكريمة ستحتفل بهذه الذكرى في منزلها رقم كذا بشارع كذا، وانتهى الأمر. . .
ولكن كأني بالمازني يطيب نفساً - في عالمه الآخر - بهذا الإهمال، فهو يؤكد رأيه في الناس ونظرته إليهم وسخريته بما يصطنعون من مظاهر في حياتهم، وكأني به أيضاً غير لائم ولا عاتب لما يشيع في أدبه من روح التسامح والميل إلى تحليل الأعمال وكشف البواعث دون التشبث بالحكم عليها فقد كان ساخراً وكان الوقت نفسه رحيماً عطوفاً. وكان لا يبرئ نفسه مما يقع في الناس ولا يعفيها مما يوجه إليهم من سخرية واستخفاف.
كان المازني من أكثر أدبائنا خصباً وأصالة، ويبدو لنا من دلائل أصالته الأدبية أمران:
الأول ظهور شخصيته وحياته في أدبه، فلم يفن مشاعره في محصول عقله من الاطلاع والدراسات، بل نراه على عكس ذلك استخدم هذا المحصول وبثه في الحديث عن حياته ومضطربه فيها. وقد كان يتواضع أو يتفكه فيشبه نفسه بعربة الرس التي كانت تملأ لتفرغ، ولم يكن كذلك، إلا أن يمتلئ إحساسه ووجدانه بما يفيض به، أو إلا أن يتناول ما يهضمه ويتمثله فيتحد بما يملأ نفسه من خواطر يثيرها حوله من شئون الحياة.
الأمر الثاني هو أسلوبه في الكتابة، ذلك الأسلوب الذي يجمع البيان العربي الحر إلى دقة التعبير عن الحياة العصرية، فكان يرفع التعبير الدارج إلى ذلك البيان، فيأخذ هذا من ذاك نبض الحياة، كما يكتسب الأول من الثاني جمال الأداء. كان المازني يركب التعبير الفاره إلى حيث يريد، وبعض الكتاب يركب التعبير الهزيل، وبعضهم يمتطيه التعبير. . .
رحم الله المازني العظيم، وغفر لنا تقصيرنا ف حقه.
التفاؤل والتشاؤم في الأدب العربي
أذاعت محطة لندن العربية يوم الجمعة الماضي حديثاً مسجلاً لمعالي الدكتور طه حسين بك، موضوعه (التفاؤل والتشاؤم في الأدب العربي) وكان هذا الحديث خاصاً بعصر الترجمة الذي يبدأ في أوائل العصر العباسي وينتهي بأب العلاء المعري.
قال معاليه: تعقدت حياة المسلمين منذ اتصلوا بالحضارات الأجنبية تعقداً شديداً، وكان أول هذا التعقد أن أدباءهم والمثقفين وذوي الفكر منهم فطنوا إليه ونظروا إلى الحياة نظرة متعمقة ليست كنظرة من قبلهم إليها، فليست الحياة شيئاً ينتهي بالموت فحسب بل فيها أشياء تنغص على الناس عيشهم وتجلب لهم ما يسوؤهم من مرض بؤس وغير ذلك من الكروب والأحداث وهذه الفطنة لما في الحياة من تعقد حملت أولئك الأدباء والمفكرين على أن يتساءلوا: ما خطبها وما غايتها؟ وإذا كان عامة الناس يحتالون لمواجهة شئون الحياة بتدبير يذلل صعابها فإن ذوي الذكاء والفطنة والتبصر قد حاولوا أن يصلوا إلى أعماق الأشياء، وقد انقسموا إلى فريقين، فريق يحمله التشاؤم على الأخذ بما في الحياة من متعة ولذة والآخر زهده تشاؤمه في اللذات والمتع ولابد هنا من سؤال: ما خطب شاعر كأبي نواس؟ أكان مبتهجاً بالحياة يقبل على لذاتها هانئاً سعيداً، أم كان مبتئساً يائساً يسري عن يأسه وابتئساسه بما يأتيه من لهو وعبث؟ لن نجد لهذا السؤال جواباً شافياً يكشف لنا عن حقيقة ما كان في نفوس أولئك الشعراء من إضراب أبي نواس على أن شاعراً كأبي العتاهية قصته أيسر من قصة أبي نواس، فقد كان يقبل على اللذة واللهو في حياته ويعلن البؤس والألم في شعره، فهو مستمتع بالعمل يائس بالقول.
وقال معالي الدكتور طه: ثم تتقدم الحياة إلى القرن الثاني، ويظهر التشاؤم المنظم في شعر الشعراء، فابن الرومي يعلن أن الحياة بؤس كلها، وأن بكاء الطفل ساعة يولد إنما هو لما سيلقاه فيها من متاعب وآلام، والمتنبي يبلغ به تشاؤمه حد السخط والثورة، فهو يرى العرب بعيدين عن الحكم والسلطان ويرى غيرهم من العناصر الأخرى يتولون الأمور ويسودون، فيسخط ويثور مع القرامطة، ولكن ثوره تخمد فلا يتمكن من تنفيذ ما أراد بالفعل، فتحول نوازع نفسه إلى حزن يعبر عنه في كلام، ولا يقف المتنبي عند السخط على نواحي الحياة من اجتماعية وسياسية وخلقية وغيرها، بل يتجاوز ذلك إلى السخط على الحياة من حيث هي حياة، على أن المتنبي لم يقصر شعره على التشاؤم، بل هو يعالج فنون الشعر الأخرى، فيمرح ويسر ويرضى، ولكنه يظهر سخطه بين حين وآخر. ويبلغ التشاؤم غايته في أواخر القرن الرابع وفي القرن الخامس، إذ كان يعيش أبو العلاء الذي صبغ التشاؤم حياته كلها، وشاع في قوله كما تحكم في عمله؛ يرى أبو العلاء أن الإنسان مقضي عليه في هذا الحياة بالشقاء، فلا ينبغي له أن يجني على غيره ويكون سبباً في وجوده فيجلب له شقاء العيش. ويختلط تشاؤم أبي العلاء بالقلق، فهو لا يستقر على شيء في أمر ما بعد الموت، هل هناك حياة أخرى فيأمل فيها ويأخذ لها من الأولى، أو أن الأمر كله ينتهي بالموت. ويكون أبو العلاء نهاية السلسلة الذهبية سلسلة الشعراء المفكرين في شئون الحياة. وكأن تشاؤمه كان نذيراً لما حدث للمسلمين بعده من أحداث وما ساد بلادهم من الفوضى والظلام.
المؤتمر الثقافي العربي
ينعقد المؤتمر الثقافي العربي الثاني، الذي دعت له الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، يوم 22 أغسطس الحالي بالإسكندرية في كلية الآداب بجامعة فاروق الأول، وسيفتتحه معالي وزير المعارف الدكتور طه حسين بك ويلقي كلمة الافتتاح، وتلقى كلمات أخرى من سعادة الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا، ومن الدكتور أحمد أمين بك مدير الإدارة الثقافية، ومن رؤساء الوفود الرسمية
وبعد حفلة الافتتاح توالى اللجان التي تؤلف لبحث المسائل المعروضة على المؤتمر، اجتماعاتها، ثم تضع التوصيات التي توافق عليها الهيئة العامة للمؤتمر. وفي خلال مدة انعقاد المؤتمر، وهي أحد عشر يوماً، يلقي عدد من أعضاء المؤتمر محاضرات عامة في أماكن مختلفة بالإسكندرية.
وكانت الإدارة الثقافية قد وجهت أسئلة وزارات المعارف والمعاهد الثقافية والشخصيات البارزة في مضمار التعليم الثانوي والعالي في مختلف الأقطار العربية، تتعلق بسياسة التوسع في التعليم الثانوي والعالي وبإعداد التلاميذ للحياة العملية، وهما الموضوعان اللذان يبحثهما المؤتمر. وقد تلقت الإدارة ثلاثة عشر رداً على تلك الأسئلة أحالتها إلى لجنة مؤلفة من الدكتور عباس عمار والدكتور زكي نجيب محمود والدكتور عبد العزيز السيد والأستاذ محمد فؤاد جلال، فلخصت اللجنة التقارير المقدمة في موضوعي المؤتمر، ونظمت الإجابات على الأسئلة في جداول. وقد وردت هذه الإجابات من جمعية البحوث التربوية بالقاهرة، وكلية الآداب بجامعة فاروق الأول، ومعهد التربية العالي بالإسكندرية وكلية العلوم بجامعة فاروق الأول، والجامع الأزهر، وكلية الزراعة بجامعة فاروق الأول، وكلية الطب بجامعة فاروق الأول، ووزارة المعارف المصرية، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، والبروفيسور آتلي الأستاذ المنتدب بمعهد التربية العالي بالمنيرة، ووزارة المعارف الأردنية الهاشمية، والجامعة الأمريكية ببيروت، ووزارة التربية الوطنية اللبنانية.
ويتكون أعضاء المؤتمر من الوفود الرسمية وممثلي الهيئات الثقافية والأعضاء المشتركين بصفاتهم الشخصية. والوفود الرسمية هي الموفدة من وزارات معارف الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. وكانت الدعوة وجهت أيضاً إلى باقي البلاد العربية غير الأعضاء، فلبث الدعوة الكويت والبحرين وبرقة. وهي البلاد التي قبلت الإدارة الأجنبية بها اشتراك ممثلي معارفها في المؤتمر.
ومن الهيئات التي أوفدت ممثلين لها في المؤتمر، الجامع الأزهر، وقد ذكرت بعض الصحف أن هذه أول مرن يشترك فيها الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي. وليس هذا بصحيح، فقد أشترك الأزهر في المؤتمر الأول الذي عقد ببيروت في صيف سنة 1947 وكان للوفد الأزهري فيه نشاط ملحوظ.
ويبلغ مجموع أعضاء المؤتمر نحو ثلاثمائة عضو، بينهم كثيرات من الآنسات والسيدات، وهن من سوريا ولبنان ومصر، وبين السوريات مندوبتان رسميتان. والمشتركات المصريات معظمهن مرافقات لأزواجهن.
ومما يذكر أن الدعوة لم توجه إلى الهيئات النسائية وعلى رأسها الاتحاد المصري الذي يجب أن يكون له مندوبات في المؤتمر، ولا أدري أهذا نسيان أم إهمال؟
بنادق وخراطيش لإحياء التراث:
كتبت إدارة التوريدات بوزارة المعارف إلى إدارة إحياء التراث القديم، تعرض عليها أشياء لتختار ما يلزمها منها، وهذه الأشياء أسلحة وأدوات صيد. . . منها (بندقية بروح واحد عيار 12، وبندقية بروحين، وحمالة طيور صغيرة، وطبق للرماية، وخرطوش للبندقية. . . الخ)
وإدارة إحياء التراث القديم مهمتها مقصورة على تحقيق المخطوطات الأدبية ونشرها، وهي أحياناً تتلقى رسائل من مكتبات في مصر وفي الخارج خاصة بتلك المخطوطات، فقد تتلقى رسالة من مكتبة الاسكوريال مثلاً في شأن نسخة لديها من ديوان أبن الرومي. ولكنها لم تكن تتوقع قط أن يكتب إليها في شأن البنادق وخراطيش) وما حاجتها إلى ذلك وليست الطيور من أهدافها؟
يحكي أن رجلاً سمع قارئ قرآن يقول. وخر عليهم السقف من تحتهم! فقال له: إن لم تكن تحفظ فهندس. . . وهو يريد أن يقول له أن تحفظ الآية الكريمة فحكم عقلك لأن السقف إنما يخر من فوق.
وإدارة التوريدات كان يجب عليها أن (تهندس)! فإذا لم تعرف ما هو عمل إدارة التراث وهل يحتاج إلى بندقية بروح أو بروحين، أو لا شأن لها بذلك - فإن أسم الإدارة (إحياء التراث القديم) كان جديراً أن يمنعها من هذه الرماية الخطئة. . .
عباس خضر