مجلة الرسالة/العدد 888/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 888/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 888
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 07 - 1950



للأستاذ عباس خضر

قطية لا لإنسانية

أذاعت إحدى شركات الأنباء العالمية ما يلي:

فقد قطة أحد المزارعين الدانمركيين أطفالها غرقاً في أحد المجاري المائية. وقد اختفت القطة بعد هذا الحادث. وفي أحد الأيام عثر عليها المزارع وهي تطعم وترعى خمسة فيران وليدة. وظل المزارع يراقبها إلى أن عثر عليها ذات يوم وحيدة مكتئبة، وتبين فيما بعد أن الفئران الصغيرة غرقت في المجرى المائي. . .

قرأت هذا النبأ، فوقفت عنده طويلاً، بعد أن عبرت أنباء القتال الناشب في كوريا والذي يوشك أن ينقلب إلى حرب عالمية ماحقة. تلك جيوش تتأهب، وأساطيل تتحرك، وطائرات تغير وتنقض، وقنابل ذرية وهيدروجينية ترتعد الفرائض من هولها المرتقب - كل ذلك يعده الناس بعضهم لبعض، لتمزيق أواصر (الإنسانية) بينهم. وهذه قطة ترفعها عاطفتها فوق العداوة المأثورة بين جنسها وبين الفئران، فتحنو على صغار أعدائها وترعاها، ثم تكتئب لفقدها كما اكتأبت على صغارها. والناس - وهم لأب واحد وأم واحدة - لا يستطيعون أن يزيلوا ما بينهم من خلاف فيلجئون إلى وسائل التقتيل والتدمير.

ولقد اعتدنا أن نطل كلمة (الإنسانية) على الأعمال والتصرفات التي توجهها العواطف والدوافع الرحيمة في نفس الإنسان، واعتدنا أن نمجد هذه الكلمة ونعجب بآثارها في الآداب والفنون؛ فما أحرانا اليوم أن نقف عند هذه (القطية) الرفيعة. ونمجد تلك القطة الدانمركية العظيمة الجديرة بأن تأخذ مكانها بين دعاة السلام، بل تأخذ بينهم مكاناً ممتازاً، لأنها لم تخطب ولم تدبج مقالاً، بل ضربت المثل بالعمل إذ قلمت أظفار العداوة بين القطط والفئران، ورفعت في الميدان راية السلام.

هل بين القطط - كما بين الناس - أدباء وفنانون - يشيدون في إنتاجهم بدوافع الإنسانية ومظاهرها ويضمخون بعبيرها ما يكتبون وينشئون؟ وما أجزم، قد يكون في موائها شيء من ذلك، ولعله شيء نادر إلى جانب صرخاتها في الدعوة إلى افتراس الفئران، كما يدعو الإنسان إلى افتراس الإنسان. . . ولعل تلك القطة استجابت لذلك المواء النبيل فتجنبت الحرب وأرادت أن تعيش مع أعدائها في وئام.

وهل بين القطط - كما بين الناس - هيئة كهيئة اليونسكو تعمل للسلام وتهدف إلى القضاء على دوافع الحرب في العقول؟ إن كان ذلك فلا بد أن (يونسكو القطط) أنجح من يونسكو الإنسان، والدليل على هذا وقوع تلك الحادثة في الدانمرك، وهي حادثة قد يكون لها ما بعدها فيسود السلام عالم القطط والفئران. . . أما يونسكو الإنسان فقد اجتمعت قريباً وارتفعت فيها أصوات الدعوة إلى السلام، وقدمت لهذه الغاية اقتراحات، وأحسب أن قد وضعت لها خطط وبرامج، وما كاد مؤتمرها ينقض حتى انقضت كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية وتحفزت وراءهما القوى العالمية.

أو ترى ليس بين القطط أدباء ولا فنانون ولا يونسكو. . . لأن هؤلاء من مظاهر مركب النقص في الإنسان، إذ يشعر بالوحشية المكبوتة فيحاول أن يغطيها بادعاء ما يسميه (الإنسانية) وما القطط في حاجة إلى ذلك، إذا بغت الافتراس فعلت دون تمويه بهيئة أمم متحدة. . . وإذا جنحت إلى السلم وأرادت الأمن لم تضيع الوقت في جمع مجلس أمن يصدر قرارات تذروها الريح. . .

لقد شعرت بأن نبأ رعاية القطة للفيران الولائد، نسمة رقيقة تهب على النفس في هذا الجو الذي تختنق فيه الأنفاس بغبار السياسة ودخان الحرب.

دفاع كريم ولكن

عرض على مجلس النواب في الأسبوع الماضي مشروع القانون الذي يقضي بربط هيئات التدريس الجامعية بدرجات القضاة، فقال أحد النواب إن مدرسي الجامعة يعطون دروساً خصوصية وإنهم يطبعون المذكرات ويبيعونها للطلبة. فأحتج معالي الدكتور طه حسين بك على ذلك وقال: إن لوائح الجامعات لا تجيز للمدرسين الأساتذة إعطاء دروس خصوصية، ولو حدث هذا من مدرس لقدم إلى مجلس التأديب. وقد أحتد معاليه في هذا الدفاع حتى قال: أنه إذا استمر النائب في توجيه الاتهامات إلى رجال الجامعات فإنه ينسحب.

ولا شك أن هذا موقف كريم، وطبيعي أن يقفه الأستاذ الأول، زائداً عن حرم الجامعة وكرامة الجامعيين؛ وقد بذل جهده في تعزيز ذلك المشروع وبيان حقيته حتى ظفر بإقراره من المجلس.

ولكني أريد أن أقول في الموضوع كلاماً كالذي يقوله أفراد الأسرة بعضهم لبعض، إن ما قاله النائب المحترم في مجلس النواب ليس إلا ترديداً لما يقال وقد كتب في الصحف مراراً، وكتبه مرة أحد الأساتذة في نقد زملائه. . . وفي الأمثال الدارجة. ليس هناك دخان من غير نار. وأنا أعزو بعض ما يقوله الطلبة إلى محاولة تبرير موقفهم في الامتحان، فهم يتقولون كثيراً على الأساتذة والمدرسين، ولكن هل ما يقولونه خيال واختلاق كله؟ وأريد أن أعتبر من الاختلاق ما قاله لي أحدهم وهو طالب في إحدى الكليات العلمية: إن درساً خاصاً وأحداً لقاء خمسة جنيهات كفيل بالنجاح في الامتحان العملي.

ما أحسب - أو لا أود أن أحسب - أن استفحال الغلاء في السنوات الأخيرة له دخل فيما نحن بصدده. وعلى أي حال فإن الجهود العظيمة التي يبذلها معالي الدكتور طه حسين بك في تحسين الأحوال لابد أنها ستثمر ما يوفر العيش الكريم لأهل العلم وبناة الجياة، ويبعث في نفوسهم الطمأنينة إلى العدالة وحسن التقدير.

يبقى بعد ذلك رجاء العمل على نفض الغبار عن (الأرواب) ونقاء الجو من تلك السحب المؤسفة. وما أخال ذوي الغيرة على كرامة الجامعة والجامعيين - وفي مقدمتهم معالي الدكتور طه حسين بك - إلا عاملين على ذلك.

فرقة التمثيل النموذجية

يشتغل الآن الأستاذ زكي طليمات عميد المعهد العالي لفن التمثيل العربي، بمشروع تأليف فرقة نموذجية من الشباب الذين تخرجوا في المعهد وبعض الممثلين والممثلات القدماء، متوخياً في اختيار هؤلاء أن يكونوا من ذوي الثقافة الممتازة والشخصيات المتماسكة، بحيث تتكون الفرقة من أفراد مختلفي الأعمار، يصلح كل منهم للدور الذي يناسبه.

والفرقة (نموذجية) لأن هدفها تقديم الأدب القصصي الرفيع على المسرح بصرف النظر عن إيراد تغله، أي أنها يرجى أن تكون أداة لازدهار الأدب المسرحي باعتباره شعبة من الأدب العربي الحديث. وهو غرض جليل، إذ يتيح هذا العمل للجمهور أن يتلقى المتعة الأدبية الفنية وهو يتفرج. وتتجه النية إلى تيسير مشاهدة مسرحيات الفرقة، ليستفيد منها أكبر عدد من الجمهور وخاصة الطلبة، وستمثل بعض الروايات المقرر عليهم دراستها، ولذلك ستكون أسعار الدخول مساوية تقريباً لأسعار السينما.

ويتضمن مشروع الفرقة برنامج عملها موزعاً على أشهر السنة، بحيث تقوم برحلة سنوية كل عام إلى بلد من البلاد العربية لتكون سفيرة أدب وفن بين أقطار العروبة.

ويتضمن المشروع أيضاً ضرورة الاهتمام بالتأليف المسرحي، ليكون أكثر ما تقدمه الفرقة مسرحيات مؤلفة، إلى جانب بعض المسرحيات العالمية المترجمة أو المقتبسة. ويتجه الأمل في ذلك أكثر ما يتجه إلى كبار المؤلفين الذين عرفوا بالإنتاج المسرحي كالأستاذ توفيق الحكيم والأستاذ محمود تيمور بك.

أما الناحية المالية. وهي مهمة جداً بطبيعة الحال، فهي موضع بحث وتدبير، ويلاقي المديرون فيها عنتاً ومشقة، لأن الدولة لا تزال ضنينة على التمثيل، فكل عام يصطدم ما يقترح من المال لذلك الغرض باللجان المالية وخاصة في مجلس الشيوخ والنواب، وكثيراً ما يعارض أعضاء البرلمان في زيادة المخصص للنهوض بالمسرح، وقد يكون لحضراتهم العذر في ذلك، نظراً إلى ما يرونه من تفاهة الإنتاج المسرحي وما لابس المسرح على العموم من ركود وهزال في السنوات الأخيرة. ولكن ينبغي أن يكون مفهوماً أن هذه الحال أهم أسبابها الضن بالمال، كما أن أهم أسباب هذا الضن هي تلك الحال. . . فهو (دور) لابد من وسيلة للخروج منه، ولا يكون ذلك إلا بأن تكون الخطط واضحة والغايات مفهومة. ومما يدعو إلى الأمل والارتياح أن بعض الوزراء يعنون بهذا الأمر ويعاونون في سبيله معاونة جدية نافعة، وخاصة معالي الدكتور محمد صلاح الدين بك وزير الخارجية ورئيس لجنة ترقية التمثيل العربي، وهو دائب النشاط في خدمة الفن من قبل أن يتولى الوزارة.

وقد وصل المخصص لإعانة التمثيل حتى الآن إلى خمسة وعشرين ألف جنيه في ميزانية وزارة الشئون الاجتماعية، ويقدر الأستاذ زكي طليمات أن يخص الفرقة النموذجية من هذا المبلغ عشرة آلاف جنيه والباقي يوزع على الفرق الأخرى وخاصة الفرقة التي يؤلفها الأستاذ يوسف وهبي بك لتقدم اللون الذي عرف به الأستاذ يوسف لجمهوره على أن تمثل روايات جديدة. ويأمل الأستاذ زكي طليمات أن تعتمد وزارة المعارف عشرة آلاف تضم إلى عشرة الآلاف الأولى وهو أقل ما يمكن أن يدبر به شأن الفرقة الجديدة.

وعلى ذلك ينتظر أن يشهد الموسم القادم فرقاً مسرحية مختلفة، يرجى الخير للفن المسرحي من تنافسها ومن اختصاص كل منها بنوع من أنواع التمثيل، ولاشك أنها ستكون تجربة يتوقف على نجاحها حياة المسرح في مصر، والمرجو أن تبذل الدولة مساعدتها، لكي تتهيأ لفن التمثيل العربي فرصة يظهر فيها جدواه، ويثبت استحقاقه للرعاية والتقدير.

عباس خضر