مجلة الرسالة/العدد 887/القصص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 887/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 07 - 1950



اشترك في الجريمة

لكاتب الفرنسي بول بورجيه

بقلم الأستاذ كمال رستم

. . . قابلت. . إدم ريمون - على إفريز محطة ميلان بينا كنت أصعد في أحد هذه القطارات التي يصفها الإيطاليون في زهو (بالبرق) مع إنك تجد نفسك متأخراً ساعتين في مسافة قدر زمانها خمس ساعات. . . وكيف تحرن؟ إنك إن شكوت أجابوك وقد جرت على شفاهم ابتسامة آسرة قائلين. (إنه القدر الإيطالي) أيسخرون من أنفسهم أم يسخرون منك. . وإنك لتغفر (للبرق) هذا الوقوف الذي لا يكاد ينتهي عند كل محطة انتظارا للبريد الذي لا يصل أبداً. . . ومرة أخرى فيم الحزن إذا كان كل الناس يحضرون ليشاهدوا (لويعي دي لا بريرا) الإلهية. . . وإذا كانوا يتهيئون من غدهم لزيارة. . . (القصر الأحمر) و (القصر الأبيض) في جنوا. . .

وكانت جنوا وجهتي حينما التقيت بادم ريمون وكان ماضياً إليها أيضاً!. . . وسألني قائلا:

- أتريد أن نقطع رحلة سوياً؟

أجبته وأنا ادفعه في رفق أمامي إلى الصالون:

- بكل سرور. . .

ولم أكن مخلصاً في قولتي هذه. . . وما ذاك لأن طبع ريمون يباين طبعي. . . فهو شاب لطيف للغاية وإن كان متكلماً هوناً ما وهو رفيق صادق الود فما كان يربطنا في صداقتنا التي أوفت على العشرين عاماً سوى أنبل الصلات وأطيبها. . وهو بعيد الأفق غزير العلم. . جم الثقافة. . . سمحت له ثروته بالتنقل والسفر. . . ولكنه إلى ذلك. . . كان ثرثارا. . . وإننا لندرك بدهياً آراء هذا النمط من الناس. . . في الأشياء التي هي مدار الحديث في الصالونات المنتشرة حول قوس النصر. .

وبالأمس أطروا قصصي تولستوي وأينزيو. . . واليوم يشهرون نحت (دودان) وتصاوير ببزنار. . وغداً من يدري؟. ولكنني عرفت منذ عهد بعيد كيف أميز في ثرثرات هذ الطراز من الناس الآراء التي ليست سوى الصدى الحاكي لآراء الغير. . . والقصص التي يمكن أن تكون أصيلة. وقد مضى على قصة من هذا القبل الأخير. . . أريد أن أقصها بدوري. . وهي تنتمي إلى مجموعة (حالات الضمير). . وطبقا لما قرر باسكال (إن لذة الحياة في هذه الوخزات وفي التماس الحلول لها. . .

قص على رفيقي هذه القصة. . . وقطارنا يقطع الطريق من (نوفي) إلى (سامبرد أرينا) وكنا قد تناقلنا طائفة من الآراء عندما بدهني بهذا السؤال:

- أين تقيم في جنوا؟

فعينت له فندقاً في ظاهر المدينة كنت أوثره على غيره لحديقته الرجيبة. . . أجابني بقوله:

- لسوف نفترق إذن. . . فإن هذا الفندق يرتبط في ذهني بذكرى مؤلمة جداً. . . وإني ليتلبسني اعتقاد باطل عسى بأن يجعلني أعزف عن الأماكن التي وقع فيها حادث مؤلم. . . حادث؟. . . إن الكلمة ضخمة. . . ومع هذا؟. . .

وانقضت فترة ثم استتلى:

أود أن أعرف ماذا كنت خليقا أن تصنع لو أنك كنت في مكاني؟. . . وسأتبدل بالأسماء الأصلية أسماء من عندي. . . هذا فضلا عن أنك لا تعرف أصلا أصحابها.!

. . . وأنشأ يسرد عليّ قصته فقال:

- كان ذلك منذ خمس سنوات. . . في زورتي الأولى لجنوا. . . وكنت حللت بهذا الفندق لنفس السبب الذي يدعوك إلى النزول فيه. وكنت قد زرت في نهاري القصور والكنائس وكل ما هو جدير بالزيارة في جنوا. . . وفي المساء بينما كنت جالساً في إحدى خمائل الفندق المذكور أقيد ملاحظاتي على انفعالاتي في يومي. . . إذ أرعدتني جلجلة صوت على قيد خطوات مني صادرة من الممشى الذي كانت تفصلني عنه شجرة فرعاء. . .

كانت ثمة امرأة تتكلم. . . حادسة أنه ليس من ينصت إليها. . . وكان ثمة رجل يمشي إلى جوارها.

وكانت العبارة التي انفرجت عنها شفتاها جداً مبتذلة توحي بأنها في ميعه الصبا وغضارة الشباب قالت:

- آه يا حبيبي العزيز. . . لم أكن أحلم بهذا. . . أن أكون هنا معك. . . أمام هذا البحر. .

وتحت هذه السماء. . . وهذه الساعات اللطيفة في انتظارنا. . ثماني عشرة ساعة إذا استقل القطار عند الظهيرة!

أجابها قائلا:

- وكذلك أنا. . . لم أكن آما أن تعدي حرة طليقة. . . ولكن فلنتنقل. . . ولنعد إلى الفندق. . . فالجناح أمين. . . ولست آمل أن يقابلنا هنا أحد!. . .

تساءلت قائلة:

- ومن إذن؟. . . أنه لأمر جميل للغاية أن أستأنف هذا الهواء. . . وأني أشهد غروب الشمس معك

قال:

- إنني أوثر مع ذلك أن أنفذ للفور فكرتي. . . وأن أتحقق من ثبت النزلاء حالما أصل إلى الفندق.

قالت في نبرة يكسوها العتاب الرقيق:

- أتأسف أن أنتهب هذه الدقائق الخمس. . . أوه. . . لو أنك خليص في حبك لي. . . لما تعلقت هكذا

قال ولكن يا حبيبي أنه من جراك أن أتحامى المضايقات بأي ثمن!.

تأوهت قائلة: ليكن ما يكون. . . سأكون جداً سعيدة حتى ليتساوى عندي كل شيء. . . أتسمع. . . كل شيء. . .

. . . وجازا بي دون أن يثبتاني. . . والآن لتحكم على طبيعة انفعالي ومداه. إذ عرفت في هذه العاشقة الهلوك - التي لم تقو على أن تتمالك نفسها من أن تصيت هكذا بسعادتها - زوج صديق من أعز أصدقائي على نفسي. . . وأقربهم إلى قلبي. . . وسأدعوه لسياق قصتي (شارل روتيه) وسأدعو زوجه (مرجريت) أما الشريك في هذه المقابلة التي نمت في هذا الفندق السادر في جنوا فكان مجهولا لي!.

ولتعلم كذلك أنني كنت ذهبت في صبيحة هذا اليوم إلى دار البريد طلباً لبريدي. . . فألفيت هناك رسالة من روتيه نفسها عليها خاتم بريد باريس - وذكر لي روتيه في رسالته أن ابنة عم لزوجه دعتها إلى رحلة قصير غايتها خمسة عشر يوماً تقضيها ترويحاً عن النفس في فلورنسا وروما. . . وسمى لي إبنة العم هذه عرفاناً بالصنيع الجميل والسرور الذي أدخلته إلى قلب عزيزته مرجريت

. . . ولم يكن آل روتيه من السراة. . . بل كان شارل في مستهل حياته العملية كمحام. . . وقد أحرز نجاحاً. . . وأصاب صيتاً منذ عهد غير بعيد. . . وكانت إبنة العم على النقيض من ذلك. . . كانت تحصل على ربح يقدر بمائة ألف فرنك عرفت ذلك لأنني شهدت زواج شارك بوصفي شاهداً ثانيا. . . وكانت ابنة العم هذه هي نفسها التي منحتها في موكب الزفاف زراعي. . . مضى على ذلك الآن خمس سنوات. . . خمس سنوات صغيرة!. . .

. . . وكان العشيقان قد آبا منذ حين إلى فندق. . . ولا جرم أنها تناولا سوياً طعام العشاء في هذه المؤانسة الخطرة المسكرة. . .

ولو لم يكن روتيه صديقي الحميم لاستشعرت له الصخرية بديلا من الحزن. . . إذ أذكر الانهيار المريع لهذا الزوج البكر. . . على أن مجرد المفارقة بين مراسيم الزواج التي طافت ذكراها بذهني. وبين هذه المقابلة أفعمت نفسي بمرارة فذة! ولكن روتيه كان صديقي. . . وكان مسهبا بهذه السيدة التي بنت به على معارضة هينة من ذويها. . . وكنت أعرف أنه يكد ويكدح من أجلها. . . ومن أجل إسعادها. . . وأنه بعد إذ لم تنجب له طفلا بات ينتظره مقدمه في شغف وتطلع. . . تدبر هذا كله. . . تلم بالحصر والضيق اللذين دفع بي إليهما هذا الاكتشاف الفجائي!. . .

كانت هذه المرأة الزنبة تخون صديقي. . . فكم من الوقت استغرقته هذه الخيانة؟. . . وفي أي مكان التقت بهذا الفتى الذي لم أذكر أبداً أنني أثبته لديهم؟. وما الدور الذي لعبته ابنة العم؟. أكانت على اتفاق مع مرجريت أم أن هذه الأخيرة عرفت كيف تجد الوسيلة إلى مغافلتها كما غافلت شارل؟. وهل كان هذا هو اللقاء الأول للعاشقين أم قد سبقته لقاءات؟. ومن يدرينا أن هذا الطفل الذي كان صديقي يرقب بانفعال الأبوة الملهوفة مقدمه لم تتكون جرثومته هنا. في هذا الفندق أراه من خلل الأشجار الباسقة؟

فرضت هذه الأسئلة نفسها جملة على نفسي وتركزت في السؤال التالي؟.

- ما هو واجبي؟.

هناك حكمة هندية تعرفها أنت كما أعرفها أنا. . . تقول (لا ينبغي ألا تضرب المرأة ولا بزهرة). وفكرة البطولة التي تحويها الحكمة مطبوعة في أعمق كياننا بفضل وراثة عريقة. . . ومتأثراً بهذه الحكمة الغالية تساءلت قائلا:

- أواجبي أن أصمت. . . أن أصمت؟. . .

. . . وفي تأملاتي المطرقة رأيت شارل روتيه كما رأيته دواماً مذنبي بمرجريت. . . منحنياً فوق أكداس القضايا. . . فيتلقاني في مكتبه بهذه الكلمات. . .

- لقد تضاعف عملي فما أستطيع أن أنهض لمصافحتك. . . وتضاعفت كذلك ثروتنا الضيئلة. . . فقط لو كان ثمة في تبذل من أجله هذه الجهود. . .

ثم يبدي لي صفحة. . . غضتها التعب والأين وقد شاعت فيها ابتسامة سعيدة!. . .

هكذا بينا كان يجهد نفسه ويبهظ أعصابه في العمل ليحقق الترف لزوجه كانت هذه تعبث مع سواه!.

وتبدد النقود في الأصباغ لتتراءى جميلة في عين آخر!. هذه النقود التي اكتسبها بالعرق زوجها الكادح!. وأنا بعد الذي سمعته هل أسمح أن يستمر استغلال امرأة عابثة لهذا الزوج الشريف النبيل.؟. . . أأصمت. لئن فعلت ذلك لعد أشتراكاً في الجريمة!. وانثالت دفعة واحدة على ذهني ذكريات صداقتي الطويلة لشارل منذ إن كان صبياً في العاشرة إلى أن تخرجنا سوياً في كلية الحقوق!. هذه الزمالة والأخوة اللتان تربوان على ربع قرن ثارتا في كياني ضد هذا التواطؤ في الصمت لأنالصمت. . . معناه مساهمة في الجريمة. . . إذا ماذا لو علم شارل بخيانة مرجريت ثم أنبأني بهذه الخيانة؟ هل أجيبه إذ ذاك بقولي:

- إني أعرف كل شيء. . .! وإذا كان هو جوابي. . . أما يغضب مني لأني لم أنبهه. . . أنبهه؟. . . أأشي بامرأة. . . أهذا ممكن؟. . .

وبدا لي أن أكتب لصديقي. . . ولكن يتحطم القلم خير من أن يخط قصة خيانة الزوجة. . .؟ ولكن شعوري بأن الخيانة وقد كانت على قيد خطوات مني!. . . وفي اللحظة ذاتها التي كانت فيها مرجريت بين ذراعي عشيقها. . . ربما في حجرة مجاورة لحجرتي أضاف هذا إلى العراك الخلفي المحتدم في نفسي رعباً جثمانياً أوفى في على العذاب!. . .

وفي الصباح كان قد استقر رأيي على الصمت. . .! ولن أشي بمرجريت ولم يعلم شارك شيئاً وسوف لا يكون في ذلك أول الأزواج المخدعون ولا آخرهم. . . إنه يتعبدها حباً ومعنى اطلاعي إياه على فاحشتها أنني أضع في قبضته سلاح الانتحار فالخير إذن في أن يظل جاهلا كل شيء. . . أما عن نفسي فقد أملت أن أنسى هذا الاكتشاف الذي ساقه إلى الاتفاق العجيب!. . . إن مرجريت روتيه لم ترني وهي تجهل أنني أعلم سرها وسوف تظل على جهلها أبداً.! وطبقاً لما قالته في ممشى الحديقة فإنها ستستقل قطار الظهر وإذ كان مفروضاً أن أستقل بدوري قطاراً في اتجاه مضاد فيما يقرب من موعد سفرها فقد أجمعت أمري على أن أرجئ رحيلي حتى لا أخاطر بمقابلتها. . .؟

غادرت الفندق في وقت مبكر جداً بعد هذه الليلة التي قضيتها وأنا مسهد أرق وقد حزمت رأيي على ألا أعود إلا في ساعة متأخرة عندما تكون مرجريت قد زايلت الفندق إلى المحطة ذلك أني آثرت ألا أراها!. وبعد أن مضيت على وجهي في طرقات المدينة دون قصد أو غاية أفضي بي المسير إلى (القصر الأحمر) فرأيت أن ألجه لأرى من جديد صور (فان ديك). . . ولك أن تحكم على انفعالي إذ تهادى إلى أذني من جديد في إحدى القاعات الهائلة لهذا المتحف المهجور الصوت الذي أقلقني أمس تحت أشجار الحديقة. . . كانت مرجريت هناك. . . وكانت تسأل فيجيبها صوت عرفت فيه صوت رفيق الليلة الماضية. . . وكنت لحظتئذ أتأمل صورة المركيزة باولا الشهيرة. وأحسست بهما يتهامسان. . . وفجأة سمعت وشوشة أعقبها تغيير في لهجة الخطاب ومجرى الحديث!. ذلك أن مرجريت رأتني وعرفتني. . . وليس شك في أنها أسرت لعاشقها هذه الكلمات:

- صديق لزوجي!

أكان ينبغي أن أعود أم كان ينبغي أن أحييها فأهبها بذلك فرصة تلمس المعاذير؟ وهنا أيضاً نزلت عند حكم السداد والحجا فتظاهرت بأني لم أحس وجودهما. وتلومت أتأمل الصورة وظهري إليهما. . . وبعد فقد انساب إلى صوت السيدة التعسة وهي تعلق على الصورة بكلام قصد إيهامي بأنها التقت بصاحبها في المتحف عرضاً. . . ثم كان أن زايد المكان سريعاً ورفيقها في إثرها!

وحاصل القول فإنني حينما تناءت عني خطوات مدام روتيه وخطوات صاحبها وشرعت أدرج في الطريق، رأيتني أقع فريسة لحالة وخز ضمير أتجاوز عن وصفها!. ذلك أنني بتظاهري أني لم أر مرجريت أتحت لها أن تعلم كما لو كنت قد وجهت إليها القول صريحاً أنني أعتبرها مذنبة. وليس شك في أن أول عمل قام به الفتى عند عودته إلى الفندق أن راجع ثبت النزلاء واستجلى فيه اسمي عندئذ أدركا الحقيقة أدركا أنني لا مشاحة رأيتهما وهما يطرقن ممشى حديقة الفندق، ولهذا السبب فإنني لم أبد دهشة ما عندما رأيتها في دهليز (القصر الأحمر). . . أدركت زوجة شارل أنني عرفت لها خليلا. . . ولذلك فقد عراني رعب المشاركة في الجرم! على أنني لو كنت تقدمت منها وقلت:

أهذا أنت يا سيدتي؟. . . لقدمت إلى رفيقها زاعمة أنها ألقت إتقافاً به في جنوا ولكتبت إلى زوجها كما قد تظنني فاعلا!: ولكن الموقف يختلف الآن. . . إذ يبقى عليها أن تصمت تجاه شارل حتى لا يتعارض موقفها مع موقفي!.

وكان من أثر هذا الموقف أني بقيت أسبوعين دون أن أطلب من شارل أخباره أو أكتب له بأخباري وتلبثت كذلك أسبوعين عند عودتي إلى باريس فلم أقم بزيارته. . . وقد أدركت أن جفوتي هذه كانت عملا غير صواب كسلوكي في دهليز. القصر الأحمر)!

وفي يوم. بينما كنت في المنزل وحدي إذ أنباني خادم بأن سيدة تطلب مقابلتي فأذنت له باستقبالها. إذ ذاك اجتليت مرجريت روتيه بعينها تدلف إلى غرفة الاستقبال وبادرتني بقولها. لقد ضعت!

وأردفت فجأة كمعتوهة!

- إن الصدفة وضعت سري بين يديك فلم توش بي لدى شارل. . . وأعرف أنك صدفت عن زيارتنا لهذا السبب أيضا. . . ولكنك تحمل بين جنبك قلبا كبيرا وستشفق على إنسانة تعسة أكرر لك أنني ضعت.

وهكذا لم تعد بعد المشاركة السالبة في الجرم ما تطلبه الشقية مني. . . بل هي المشاركة الموجبة وكانت قد عادت من إيطاليا منذ أيام ثلاثة فحسب. . . وبآيات بينات أدركت أنها حامل لشهرها وينبغي أن أضيف إلى ما سلف أنها اعترفت لي أيضاً وهي تنشج بأنها منذ ظفرت بخليل وهي تتعلل باعتلال الصحة لتعيش بمنأى عن بعلها. وإذ أنذرتها هذه الأمومة بالخطر الداهم وكنت ثمة أنا الصديق الحميم الذي أكاد أن أكون لزوجها أخا لأقص ما شهدته عيناي وما سمعته أذناي فقد فكرت في الفرار مع حبيبها ثم عدلت به إلى الانتحار.

ولكن غريزة حب البقاء أطاحت بهذه الحافزة. وأخيرا لاذت بي في ارتباكها لأنني كنت محيطاً بسرها. وكما قالت لي لتتوسل بشفقتي إلى. إلى ماذا؟. آه. . . لقد رأيت إذ ذاك كم هو هش ورقيق وهو هش ورقيق هذا الحاجز الذي يفصلنا عن الجريمة! لقد فزعت إلى لأصحبها إلى طبيب لتسأله ماذا أيضا؟ مساعدة أثيمة ليوقف هذا الحم المفضوح.

أفي حاجة آنت لأن أقول كل بماذا أجبتها؟ لقد ضرعت إليها أن تعيش وألا تتعدى لا على أيامها. ولا على أيام الجنين الذي تحمله في أحشائها. . . وقلت لها في إصرار وعزم:

- أولى لك أن تعترفي لشارل بكل شيء. . . إنك لا محالة مثرية عنه وسيكون لديك ثروتك. . . وابنك ولن تعدمي سبيلا للطلاق وسوف تتخلى عنك هذه الوساوس الأبدية التي تلازمك كقاتلة. وأية قاتلة! وخرجت بعد أن أقسمت لي أنها لن تقدم لا على الانتحار ولا على الإجهاض.

وفي اليوم التالي كان قد تبدد من نفس كل تردد أقعدني عن العودة إلى زيارة شارل. وألفيتني لديه في الساعة العاشرة. وقد برهن لي احتفاؤه السعيد بي على أنه يرتاب في شيء من المأساة التي كان بيته مسرحها. وفي المساء تناولت لديه طعام العشاء إلى جانب الزوجة التي أعادت إلى ذكريات ذلك اليوم المشئوم.

ودرج شهر آخر. . . وقال لي شارل بينما كنت أتناول العشاء لديه.

- إنني جد سعيد يا صديقي. . . إن حلمي القديم بسبيل أن يتحقق. . . وأملي كبير في أن أغدو أبا. . . وستكون أنت الإشبين.

وفي أقل من ثمانية أشهر كانت مرجريت قد وضعت له طفلا وقد أعلن له الوالد المزعوم الكارثة بزهو قائلا:

- أجل يا صديقي. لقد قبل الموعد المألوف. . . في سبعة اشهر ونصف، أنه لأمر عجيب. . . وقد ساورني الخوف والقلق. . . ولكن الطبيب طمأنني وقد ظفرت مرجريت بعنوانه من قبيل الصدفة من إحدى صاحباتها عند عودتها من إيطاليا! بيني وبينك. . . لقد قاست طويلا وفقدت الأمل في أن أغدو أبا. . . مرة أخرى. . . أنا جد سعيد!!

وإذ كان يتحدث إلى. . . كنت أشعر بالخور والخزي فقد أيقنت أن مرجريت روتيه حالما خرجت من عندي مضت إلى أحد الأطباء وحدثته برغبتها في الإجهاض، فنصحها بأن تعود إلى زوجها. . . وتغريه! حتى إذا اقترب موعد الوضع أقنعته بقبول هذا التبكير فيه. . . وبعد فإن هذا أمر محتمل!

أكنت مصيباً أم مخطئاً أنني عدوت وجه الصواب في تراخي عن الحديث؟ أكنت مصيباً أم مخطئاً في صمتي الآن؟ أكنت مصيباً أم مخطئاً عندما أمسكت الطفل على جرن المعمودية. . . هذا الطفل الذي كنت أعلم حقيقة أبوته؟

. . . ومهما يكن من شيء فقد وجدت أمه في اقل من ستة أشهر من مولده الوسيلة للإيقاع بيني وبين شارل. . . ولم أحاول من جانبي أن أحول دون هذه الوقيعة لأن اختلافي إلى هذا المنزل كان قد غدا أمراً شاقاً على نفسي!

وأظنك عرفت الآن لم لن أرافقك إلى فندق (. .) في جنوا. . .

أينبغي أن أعترف بدوري بأنني مشاركة مني في عواطفي لأدم ريمون لم أنزل هذه المرأة في فندق (. .). . وطالما سألت نفسي ماذا كان ينبغي أن يكون سلوكي فيما لو كنت في مكانه كما طلب مني.؟ إن هذا الصمت بالقياس إلى صديق حميم لهو جريمة. . . والكلام أمر بالغ القساوة. . . هو هذا البرهان على أنه ينبغي دائماً أن نتجاهل بعض الأسرار! فإن ارشد جانب في الحياة أن يغمض الإنسان عينيه. . ويصم أذنيه حتى لا يدرك أخطاء الغير. . . هذه هي الطريقة الوحيدة كيما نعيش في الحياة نقيين وهي ليست بالطريقة السهلة دائما. . .

كمال رستم