مجلة الرسالة/العدد 88/الله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 88/الله

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 03 - 1935



لشاعر الشباب السوري أنور العطار

أنا في كوني الصغير صلاة ... وسعت كونك العظيم المجود

يا إلهي قلبي الرفيقُ تنهدْ ... مُذْ صَداكَ الحبيبُ فيه ترددْ

يا إلهي طيفُ العفاءِ يُناجي ... كَ، ونجواه أنةٌ تتصعدْ

غاب لما دعاك عن وَهْدةِ الإث ... م وعن طينةٍ مِنَ الإثم أوْهَدْ

يا إلهي أنا الفَنَاء أنادي ... ك، وأنت البقاء تُرجي وتُقصد

ضِعتُ عني لما دعوتكَ في الس ... ر وظلتْ رُوحي المشوقة تُرعد

أي ألطافِكَ العِذَابِ تجلى ... أي آلائكَ العظام تعددْ

حفل القلب بالتُقي فتصفى ... وجلاه الهدَى فصلى وَوَحدْ

وَلهِي بهجةٌ وحبي لحنٌ ... وابتهالي الغالي نشيدٌ مُقصَّدْ

فنيتْ مُهجتي بحبك يارب (م) ... وغلغلت في الفناء لأشهدْ

أجد الفرحة العظيمة في الذ ... ل لربي، وفي انكساري سؤددْ

شفني الحبُ فاستحلت نداءً ... ومن الحب أن تذوب وتسْهدْ

وأنا العبدُ هام وجداً بموْلا ... هُ، وإن أفْنَ في المحبة أوجَدْ

يا إلهي روحي تولَّهُ حيري ... لا تعي أمهرها وثَغريَ يحَمد

طَيْ جفني عالمٌ لك حُلوٌ ... وبنفسي قصيدةٌ لكَ تُنشدْ

أترعَتْها ملائكُ الحبِّ بالسح ... ر فغنَّى بها الوجودُ وغرَّد

ما جفت مُقلتاي هذا الكرى الها ... نيء كفراً إلا ووجُهك أسْعد

أنا في هيكلي اللَّهيف دعاءُ - فاض من سرِّك اللطيف المُمجَّد

ساهد الجفن خاشع القلب باكٍ ... ذاهل الروح مستهامُ مشرد

أرقبُ الفجرَ في غلائله البِيت ... ضِ وقد شف عن غُبار مُبدد

جدولٌ رائعٌ يرفُ من النُّو ... ر وأمواهُةٌ تكاد توَرَّد

غرقٌ يغمر القلوبَ ابتهالاً ... وسناً يملأ النواظرَ عَسْجَد

وأطلتْ ذُكاءُ في الموكب السَّا ... حر دُنيا من الرُّؤى تتوقَّدْ أنا آمنت يا إلهي بنُعما ... ك يقيناً وما خُلقتُ لأجْحَدْ

رُبَّ طاوٍ على الضَّغينةِ صدراً ... عاش في زحمةِ البِلى يَتَمرَّد

نسى الخالقَ اللطيف وجدْوا ... هُ وعافَ التُقى وتاهَ وعرْبَد

لا يُبالي أنامَ في حُفر الدي ... دان أم بالدُّجى الرهيب توسَّد

يَوْمُهُ آثمٌ وأمسِ مُجونٌ ... والغدُ المُحتملُ حلمٌ منضَّد

لا يحسُ الحياةَ إلا ضلالاً ... من يجدها هدىً يُذمُّ ويُنقَد

والإلهُ الرحيمُ يُوسعهُ الخي ... رَ فلا يَرعِوى ولا هو يَرْشد

يا إلهي جَداك غمرٌ وإحسا ... نُكَ فيضٌ على المدى ليس يَنَفذ

تنطوي الأرض في غياهِبها السُّح ... م وينهار كلُّ برجٍ مشّيد

ويُدوِّي الوجودُ بالعاب والُهو ... نِ وينسى أخُو الهَوى من تودَّدْ

يمَّحي الرِّفقُ من قلوب المحبيِّ ... ن ولا يرحُم السعيد المُنكَّد

وتموجُ الأكوان بالبُغضِ والشَّ ... رِّ وتغلى فيها نفوسُ توَعَّد

وًندَاكَ العميمُ ينهلْ سكَّا ... باً وآلاؤهُ تظلُّ تجدَّدْ

عزَّت البيدُ، إنَّها موطنُ البأْ ... س ومجْلى عيشِ النَّعيمِ المُمَّهدْ

تتثنَّى بكلِّ أروعَ سباَّ - قٍ وتُزهى بكلِّ أبلجَ أصْيَدْ

وُلدَ الحُبُّ في رُباها نقياً ... وعلى ساحِها العلاءُ توَطَّدْ

يا إلهي حلَّيتَ بالنُّور مَغْنا ... ها وأطلعْت من حِماها مُحمد

أعشَب القفرُ حينَ لاحَ مُحيّا - هُ وسالَ النُّضارُ منْ كل فدْفدْ

واستنارَتْ بهِ القوافلُ في اللَّيل وغنَّى الدليلُ أنساً وزغردْ

وسرَت نفحةُ النبيِّ من الصَّح ... راءِ أندى من الرَّبيع وأجوَدْ

طفح القَفْرُ بالشَّذا وانتشى الكوْنُ ... فلم يبقَ خافقٌ لم يُهدهدْ

يا نبيِّ الهدَى سبيلُك رشدٌ ... بيِّنٌ نهجهُ وشَرْعُكَ سَرْمدْ

عمَّتِ الأرضَ والسمواتِ نُعما ... كَ فيافوْزَ من جني وتزَوَّدْ

لستُ أنسى صحابةً لك غرَّا (م) ... نا زهاَ الحقُّ بإسْمهمْ وتأيَّدْ

علّموا الناسَ كيف تُفْتَتَحُ الأر ... ضُ وينقادُ للكريمِ المُسوَّدْ ملأُوا الكوْنَ رحمةً وسلاماً ... وسماحاً صفا وحُبًّا تجرَّد

فإذا العيشُ من شذا الزَّهر أزْكي ... نفساً عابقاً وأحلى وأرْغدْ

ومشى ديِنُكَ الحنيفُ على الغب ... راءِ حتى أغارَ فيها وأنجَدْ

فرَمى بالكتائبِ الغُرِّ كِسرى ... وهرقلاً وكلَّ ملكِ مُقلّد

وجرى الفتحُ زاهرَ اليُمنِ وَضَّا ... ءً كما رفَّ في السمواتِ فرْقدْ

قبسٌ من هدايةِ الحقِّ ضافٍ ... ويدُ من رعايةِ اللهِ تمتدْ

وازدهي الكونُ فرحةً وحبُوراً ... حين طافتْ به رسالةُ أحمدْ

يا إلهي عَنا لوَجهِكَ وَجهي ... وفؤادي منْ طول حمدِكَ معبَدْ

أنا في كوْني الصغيِرِ صلاةُ ... وسِعتْ كونكَ العظيم المُجوَّدْ

دمشق

أنور العطار