مجلة الرسالة/العدد 877/اتين سانت هبلير

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 877/اتين سانت هبلير

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 04 - 1950



من علماء الحملة الفرنسية

للكاتب الفرنسي رنيه سموا

طفولة عالم

في يوم قائظ من سنة 1784 شوهد فتى في الثانية عشرة من عمره، منهمكا في البحث عن النباتات والحشرات. كان يتأبط حقيبة يضع فيها باعتناء ونظام الازهار والاوراق التي يقع اختياره عليها، وكان معه علبه لصون الحشرات التي تستحق العناية.

ولما انتهي عمله من جمع النبات والحشرات من نوع الخنافس جلس في ظل سنديانة، وجعل يدرس مجموعته الجديدة بنظارة خاصة ثم كان يدون ملاحظاتة في دفتر صغير وكان مستغرقا في درسه حتى انه لم ينتبه لوجود الشيخ الذي كان يراقب حركاته باهتمام واعجاب

رفع بصره لسماعه تحطيم غصن يابس، وجعل الشاب يلتفت إلى مصدر الصوت فبادر إلى اخذ لوازمه واستعد للرحيل لانه راى شيخا واقفا بالقرب منه (قال له ذلك الشيخ لا ضير عليك يا بني) لا تقطع عملك لأنه يهمني كثيرا، وأني لسعيد في تزهتي هذه لأنها دفعتني إلى التعرف بك، وادركت تماما بانك مشغوف بالتاريخ الطبيعي، لاني كرست معظم حياتي لتعليم وتدريس هذا العلم. فاجابه الشاب: (نعم يا سيدي - لأنه آنس بكلماته المشجعة - أني أحب النبات والحشرات المختلفه كثيرا باشكالها والوانها. على أنه ليس لدي سوى معلومات اولية من التاريخ الطبيعي. وعليه فاني اغتنم العطلة الكبرى لأكون مجموعة من نباتات هذا البلد ومن حشراته.) قال له الشيخ (هل لك أن تريني نتيجة ابحاثك؟. . فاجابه الفتى: سمعا وطاعة، يا سيدي، ارجوك أن تنفر لي قصوري لأني مستجد في هذا العلم!)

فأخذ الشيخ المجموعة والدفتر، وأخذ يتأمل بأعجاب دراسة هذا الحدث ثم قال. (يا بني أنك متواضع جدا لأنك تطلب مني الصفح عن قصورك، بيد أني ارى هنا طريقة البحث واضحة ومعلومات وملاحظات هي فوق سنك. كل هذا حسن؛ ولكن قل لي أين تعلمت المبادىء الاولية للتاريخ الطبيعي؟ قال له الحدث. اعطاني أبي الدروس الاولى وأكم دروسي في كلية (ايتمب).

فاستغرب الشيخ قائلا: وهل تسكن عائلتك هذه المدينة؟ فاجاب الحدث بقوله. نعم يا سيدي، ان والدي هو نائب عام هذه المدينة -

ما أسمك يا بني؟

اسمي جوفروا سانت هيلير

قال الشيخ، لا عجب بان تكون ذا ميل شديد للعلوم الطبيعية. لأن ثلاثة من هذه الأسرة يدعون بجوفروا سانت هيلير كانوا اعضاء في الجمع العلمي فرع العلوم، وكان الاخير يسمى باسمك: اتين سانت هيلير وكان احد الاساتذة الممتازين لحدائق النبات (حديقة الملك).

قال الفتى: - أراك يا سيدي واقفا على تاريخ اسرتي، مع أني لم أشاهدك قط في بيتنا! فاضاف الشيخ قائلا: صدقت با ولدي ولكن أعلم باني مطلع على تاريخ العلماء النابهين في العلوم لأني استاذ في حديقة النباتات وفي كوليج فرانس.

فاضطرب الفتى من هذه المصادفه حتى انه ما تجرأ ان يسال الشيخ عن أسمه.

ولما عاد إلى البيت قص على ابيه ما توقع له، فتبسم ابوه وقال أن ما صادفت هو العالم (دوبنتون الذي طبق اسمه اوربا كلها. أني مسرور منك لاهتمامك بالعلوم، ولكن لا تنسى أن رغبتي ورغبة أمك هي أن تستعد لتعلم امور الدين كي تصبح يوما من حزب الاكليروس)

مولده

ولد اتين جوفروا سانت هيلير، في (اتيمب) في 15 نيسان سنة 1772 من والدين عريقيين في الشرف، متوسطي الحال مثقفين ثقافة عالية، جدير بأن ينتسب لهذه الأسرة الكريمة التي انجبت علماء في العلوم الطبيعية والفيزيائية في غضون القرن الثامن عشر.

فاعتنى الوالد بثقافة ولده، ولا سيما جدته التي كانت ترى فيه مخائل الذكاء فقد كانت له خير موجه ومدرس اذ شرحت له منذ نعومة اظفاره كتب أعاظم رجال اليونان والرومان وكذلك ما ألف في عصر لويس الرابع عشر. حتى انه تفهم أعاظم الرجال للمؤرخ (بلوتارك) على يديها في سن الحادية عشرة من عمره. نعم لقد ظهرت آثار هذه الثقافة فيه واكسبت نفسه قوة وشجاعة شديدة المراس.

حدث له إذ كان في العاشرة من عمره انه يتيما كان يتنزه مع رفاقه في ضواحي المدينة سمع صوت اعوال وصراخ من أناس كانوا يطلبون الفرار فأسرع (اتيين) إلى المكان، فشاهد ويا لهول ما شاهد! نظر فتاة قد هاجمها كلب والسكينة جامدة مكانها لا حول لها ولا طول والا البكاء فاسرع صاحبنا إلى كرمة واخذ من تحتها شعبا وارتمى على الكلب ضاربا إياه بشدة حتى ولى الحيوان الادبار وتوارى في الاجمة القريبة.

وبعد أن أتم دراسته المنزلية على ابوية وفي مدرسة مدينة أيتمب، نال كرسيا مجانيا في كلية ناقا في باريس، وتابع دراسته الادبية بسهولة وتقوى بالعلوم تحت ارشاد اساتذه علماء وهنا محا من فكره كل انتساب للاكليروس. وأقدم بقواه جميعها على استقاء العلوم المحببه اليه. فتسجل طالبا في حديقة النباتات وفي كوليج ده فرانس، حيث التقي ثانية بصديقة القديم دوبنتون وتتبع دروسه بكل رغبة ونشاط.

أما الدور الذي مثله اتيين اثناء دراسته المنزلية على ابويه وفي مدرستة مدينة ايتمب، نال كرسيا مجانيا في كلية ناقا في باريس، وتابع دراسته الادبية بسهولة وتقوى بالعلوم تحت ارشاد اساتذة علماء وهنا محا من فكره كل انتساب للاكليروس وأقدم بقواه جميعها على استقاء العلوم المحبذه اليه. فتسجل طالبا في حديقة النباتات وفي كوليج ده فرانس، حيث التقى ثانيتا بصديقه القديم روبنتون وتتبع دروسه بكل رغبه ونشاط.

أما الدور الثاني الذي مثله اتين اثناء سنوات الارهاب في الثوره الفرنسية فقد كان في اخر سنه 1792 وعمره أذ ذاك عشرون سنة.

وكان مستغرقا في دروسه حين قطع عليه الارهاب سلسلة دراسته، على انه لم يقطع اطيب الصلات واقواها مع اساتذتة في كلية ناقار، وخاصة مع هاري العالم في المعادن ولا هومون النحوي الشهير وعدد كبير من العلماء.

وكل هولاء الأعلام قد اوقفوا وزجوا في غياهب السجون لانهم كانوا متهمين بعملهم للملكيه.

فسعى غاية جهده ولم يدخر وسيله لانقاذهم من هذا المأزق باذلاً النفس والنفيس حتى تكللت جهوده بالنجاح.

وعهدت إليه حكومة الكونفسيون (بتدريس مادة العلوم الطبيعية بناء على اقتراح صديقه) دوبنتون فصار زميلاً لهؤلاء الاعلام. (أمثال لاسبيد - وبرنارد ده سان بيير - وكوفيه، وكلهم اكبر سناً منه.

وكانت حديقة الحيوانات. قد تلاشت في الثوره المشهوره واخذ العالم الجديد (اتين) يجدد هذه الحديقة فقام بوظيفته خير قيام وعلى أكمل وجه.

اتيين والشرق

ولما تسلمت حكومة الادارة الامور عهدت الى الجنرال نابليون بونابرت غزو مصر سنة 1798 لقهر انكلترا التي لا يمكن مهاجمتها في جزيرتها الصخريه=وبعد أن أتخذ قائد الحملة عدتة قرر أن يستعين ببعثه من العلماء أمثال (مونج - وبرتوله - ودونون) فقام برتوله وعرض على العالم الشاب اتيين بأسم بونابرت وعلى زميله كوفيه ليكونا من أعضاء البعثه.

ولما تم احتلال مصر شرع (اتيين) في أماله في التاريخ الطبيعي فجمع مجموعة طيور من ذوات الريش العجيب. وكتب في مذكراته (في هذا الفردوس الأرضي ينسي المر نفسه بانه ينبغي عليه ظان يسكن المساكن لمقفرة وأن يسعى وراء قوتة مثل الحيوانات التي يدرسها. فكان يقوم كل منا بدوره بوظيفة الطاهي. ولكن عندما يكون دوري يضطر الرفاق إلى تناول المجففات).

بيد أن الأمر لم يطل كثيراً لأن الأوامر صدرت من كليببروده سيكس بضرورة الجلاء عن أرض الكنانه؛ ولكن (إتيين) على رغم قرب الاحتلال الانجليزي وفشل حملة بونابرت لم ينفك عن العمل في مخبره كأن الأمر كان طبيعيا إذ لم يوقفه لحظه واحده انفجار القنابل وازيز الرصاص. كما كان أرخميدس في حصار سيراكوك!.

دخل مخبره يوما زميله العالم فوريه وقال له. (يا صديقي أنقطع عن العمل لأن الجنرال (منو) وقع على وثيقة التسليم، وستعود بعثتنا إلى فرنسا. - فأجابه حمدا لله! إن مجموعاتي جاهزه سأعطي الاوامر لشحنها، إن حملتنا لم تذهب سدى لأن العلم يملك النتائج الطيبه فحسب. - فقاطعه قائلا. بكل أسف أن أعمالنا سيستولي عليها الانكليز وبذلك تذهب جهودنا عبثا. فأجابه (اتيين) من فوره: كلا، سنقابل القائد الانكليزي وسوف نقنعه بأنه مخطىء في تنفيذ فكرته بشأن الماده السادسة عشرة القاضية بتسليم الجيش الفرنسي كل معداتة. - فرد عليه (أتيين) بقوله ليس هذا عملا حربيا، أتما هذه أعمال قام بها العلماء خدمة للعلم، فأجابه (هوتشنسون) لقد وقع على المادة السادسة عشرة وليس في إمكاني عدم تنفيذها.

فأجابه أتيين: ما دام الأمر كذلك فأننا نرفض أن نسلمكم ثمرة جهودنا. ونستلف كل هذه الثروة التي جمعناها قبل أن يدخل جيشكم هذه المدينه. ولدى مجيئكم لا تجدون سوى رماد هذه الكنوز. فأيد أعضاء البعثه قوله (أتيين) قائلين سنتكلف كل ما لدينا.

وزاد (اتيين قائلا - ستعلم أوربا كل شىء. لقد أحرقت فيما مضى مكتبة الاسكندريه؛ وتعبت أنكلترا اليوم بأعمال العلماء الرائعة المجيدة في ميدان العلوم فلن تنسى عملعا الاجيال.

فأثرت بلاغة هذا العالم الشاب في القائد الانكليزي وألغى المادة السادسة عشرة ورجع العلماء بكنوزهم إلى فرنسا. ورافق بعدئذ نابليون في حملة البورتغال واسبانيا وزاد في ثروة العلم بما عمله من اكتشافات في ميدان التاريخ الطبيعي.

ومات سنة 1844 بين أسرته مأسوفا عليه من أبناء وطنه ومكرما من كل أوربا.

ترجمة وديع شحيد

أستاذ اللغة العربية في مدرسة التجارة الثانوية بدمشق