مجلة الرسالة/العدد 876/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 876/البريد الأدبي
المدرسن أولاً
قرأت في مجلة الرسالة الغراء كلاماً كثيراً حول مناهج الدراسة في الأزهر، وركود الحركة الفكرية، فيه وآخر ما قرأت من ذلك كلمة في العدد (874) بإمضاء (أزهري عجوز).
والكلام في هذا الموضوع ليس أبن اليوم فكل ما كتب الآن إنما هو ترديد لما كتب في السنوات الأخيرة. وقد كانت النية ألا أسترك في هذا الجدل مكتفياً بما كتبته في مجلة الأزهر وما قدمته للرؤساء من تقارير حول هذا الموضوع، ولكن كلمة الأزهري العجوز أثارت عجبي، فرأيت أن أعقب عليها بهذه الكلمة القصيرة.
إذا أردنا أن نقيم الدراسة في الأزهر على أساس علمي سليم، وأن نظفر بإنتاج أزهري قويم، فعلينا أولاً أن نعنى بالمدرس العناية التامة، فإن إعداد المدرس وتكوينه والعناية به هي التي توجد لنا الدرس المفيد أولاً، والكتاب النافع ثانياً.
والمدرسون في الأزهر الآن ثلاثة أصناف، فصنف تمرسوا بالكتب الأزهرية القديمة، وأطالوا فيها النظر، وفهموها حق فهمها، وهضموها، وهؤلاء يقومون بأداء رسالتهم على خير وجه، وصنف آخر درسوا على النظام الحديث، فدرسوا علوم التربية، وعلم النفس. وهؤلاء خير من يستطيع بسط المعلومات وتنظيمها، وإيصالها إلى أذهان الطلاب في يسر وسهولة. أما الصنف الثالث فدرسوا دراسة علمية ولكنهم لم يتح لهم الزمن الذي يجعلهم يهضمون الكتب القديمة، ولم يظفروا بدراسة شيء من أصول التربية وعلم النفس، وهؤلاء في حاجة ماسة إلى أن يدرسوا ويطيلوا الدرس حتى يلحقوا بواحد من الفريقين الأخيرين، فإن من الأمور الثابتة التي لا يختل فيها اثنان أن النجاح في التدريس لا يرجع إلى كثرة المعلومات وحشدها، وإنما يتوقف على تنظيمها، وأسلوب إلقائها. و (الأزهري العجوز) يؤمن بهذه النظرية، ولذلك يقول في أول كلمته بوجوب بناء المناهج الحديثة على أصول تربوية سليمة، ولكنه في آخر كلمته يناقض هذا الذي بدأ فهو يندد بتعالي الصيحات التي تنادى بأن تفتح أبواب الكليات لمدرسي المعاهد، فهو يعرف أن هؤلاء المدرسين المبعدين عن الكليات هم - وحدهم - الذين درسوا أصول التربية، وأنهم أقدر من غيرهم على معالجة الكتب، وتسهيل صعبها، ولكنه يخاف من ذلك، ويريد أن تبقى الكليات احتك للذين لم يدرسوا حرفاً واحداً من هذه العلوم، وليس لهم فضل إلا في كثرة المعلومات التي حشوا بها أذهانهم
وأنادي بها عالية مدوية أنه لا إصلاح للأزهر ما لم يمكن المدرس الكفء من أداء رسالته. أما أن يقبر الأكفاء، وأن تبقى الدراسة في الكليات موقوفة على طائفة معينة، أو مرهونة بإغراض أخرى غير الكفاءة والاستحقاق، فذلك ما يضعف الأمل في التقدم.
وقل لي بربك كيف تقبل نفس المدرس على العمل أو على التأليف وهو يرى نفسه كما قال الأول:
تقدمتني أناس كان خطوهم ... وراء خطوي لو أمشى على مهل
أعدوا المدرس الصالح أولاً، وقد أعددتموه فمكنوه من أداء رسالته، وهؤلاء الذين جعلتم له لحق في احتكار التدريس بالكليات قد علتموه بالعلم، فعلموهم كيف يدرسونه.
أم درمان
علي العماري
نداء من الهيئة المصرية لمؤتمر العالم الإسلامي الدائم
1 - إن المسلمين في إبان تاريخهم الطويل وما تركوه من أثر في قيادة العالم لم يصلوا بعددهم في وقت من الأوقات إلى مثل عددهم في العصر الحاضر.
فهم يكونون الآن من مجموعات كبيرة موزعة في قارتين من الأرض وأخرى موزعة على بقية القارات وعددهم يتكون من مئات الملايين.
وتسكن بعض الأمم الإسلامية لها أهميتها الجغرافية والتاريخية لأنها تتوسط قارات العالم القديم. ويؤيد من أهمية المسلمين في نظر بقية العالم أن بعض أراضيهم تعد من أغلى بقاع الدنيا - لا من ناحية خصب التربة وخيرات الزراعة وحدها، بل لما تحويه داخل التربة من ثروات معدنية وخيرات لم تصل إليها يد الإنسان بعد، فهم من ناحية موقعهم الجغرافي تسيطر بلادهم على أهم طرق المواصلات العالمية، ومن ناحية ثروتهم الزراعية وما تحويه أقطارهم من ثروات معدنية عرضة لتغيير كبير وتطور جارف قد يجعلهم في مقدمة أمم الأرض في النصف القادم من القرن العشرين.
2 - ومع كثرتهم العددية التي أشرنا إليها وما ينتظرهم من مستقبل باهر نتيجة موقع بلادهم وما تحويه تربتهم من غنى وخيرات لم تستغل بعد، ومع وصول عدد من دولهم إلى الاستقلال التام عقب الحرب العالمية الثانية، ومع مظاهر الوعي القومي وبعض الوعي الديني، فيهم ومع انتشار أقليات منهم من بلاد كثيرة، لم يتمكنوا بعد من تأسيس هيئة إسلامية عالمية تستطيع أن تخدم الإسلام وتنشر الحقائق عن أهله وبلاده وتشير إلى أهميتهم كمجموع كبير وعنصر من عناصر الرقي والتقدم.
ولما اجتمعت الهيئات الدولية عقب الحرب واهتمت بالشئون الدينية والروحية كعناصر من عناصر بقاء الإنسان وتطوره، أخذت الأديان الأخرى تتقدم بهيئاتها المختلفة إلى منظمة الأمم المتحدة ولم تجد بينها هيئة واحدة إسلامية تتحدث باسم المسلمين ترفع لهم صوتاً مسموعاً في هذه المحافل بين الهيئات الغير الحكومية التي تتكلم باسم الأديان والمذاهب الأخرى مع أنها لا تقاس بأهمية المسلمين وكثرتهم العددية في العالم.
3 - لهذا كله فكر عدد من أهل الرأي والفكر في مصر في سد هذا النقص وعملوا على تأسيس هيئة مصرية لمؤتمر العالم الإسلامي الدائم يكون من أهم أهدافها:
توثيق الروابط الدينية والعقلية والروحية بين المسلمين في العالم - ثم العمل على تحقيق الاتصال بين المسلمين للتعارف والتفاهم وإبراز مبادئ الإسلام التي تتعالى عن فوارق اللون والجنس والقومية.
4 - ولقد نظر القائمون بهذه الفكرة إلى أن الوحدة الإسلامية في نطاقها الديني والروحي لا تحارب الوحدة الإنسانية بل تكلمها لكي يؤدي الإسلام رسالته الخالدة فيتعاون مع سائر الأديان الأخرى للمحافظة على القيم الروحية التي لا يمكن للإنسانية أن تتخلى عنها وهي في عنفوان نهضتها وتطورها واندفاعها نحو تأسيس نظام جديد لعالم المستقبل.
5 - وتمر الإنسانية في أوقات صعبة إذ تحاول بعض القوات السائدة على الأرض أن تقلل من أثر الأديان وأهميتها في قيادة شئون العالم وأن تضعف من عمل القيم الإنسانية والروحية في تطور البشر ويقظتهم.
لذلك كان بقاء المسلمين بعيدين عن هذه اليقظة الشاملة لا يفيدهم، بل أن واجبهم الأول هو دخول هذه المعركة القائمة بين الأديان من جهة، ودعاة الإلحاد من جهة أخرى، حتى تبرز القوى الكامنة في الإسلام كدين عالمي فيه كل وسائل الانطلاق والبعث والدعوة إلى خير الإنسان وإسعاده على هذه الأرض.
ولذلك فإن عمل مؤتمر العالم الإسلامي الدائم لن يقصد منه محاربة دين من الأديان، وإنما يدعو إلى كلمة سواء بين المسلمين مهما اختلفت أنظارهم وألوانهم ومذاهبهم وجنسياتهم ولغاتهم ثم، يرمي إلى تأكيد مبادئ التفاهم والتكاتف والتعاون والمحبة والسلام بين الناس جميعاً وهي المبادئ التي ما انفك الإسلام يدعو إليها منذ نشأته الأولى.
وبعد اجتماعات دامت عدة أسابيع وضعت اللجنة التحضيرية بهذه الهيئة نظاماً للعمل وعرضته على جمعية عامة وافقت عليه وأخذت تنفذه، وقد رأت الهيئة أن تتقدم إلى الرأي العام الإسلامي في مصر وفي سائر البلاد بندائها حتى يتعرف المسلمون الوجهة الصحيحة التي ترمي إليها الهيئة المصرية لمؤتمر العالم الإسلامي والأغراض السامية التي تدعو إليها، فينضم للهيئة من يشاء ممن يلمسون في نفسه رغبة المساهمة في هذا المشروع الجليل.
وقد وزعت أعمال المؤتمر على ثلاث لجان:
(1) لجنة للدعاية
(2) لجنة رشاد
(3) لجنة للمالية
وقد بدأت كل واحدة منها تعمل في إنطاقها ويرحب القائمون بأمر المؤتمر وهيئته الإسلامية بكل من يود الاشتراك في عضوية الهيئة المصرية من المشتغلين بالشئون الإسلامية والداعين إلى تحقيق أهدافها والذين تدفعهم الغيرة للمحافظة على قيم الإسلام ومبادئه وتراثه في خدمة الإنسانية والحضارة.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر