مجلة الرسالة/العدد 871/حول حديث أهل القليب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 871/حول حديث أهل القليب

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 03 - 1950



إلى الأستاذ محمد أبو رية

للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي

قال ابن عمر: اطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال (وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقيل له: تدعوا أمواتاً؟ فقال (ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون).

وعن عائشة، قالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق) وقد الله إنك لا تسمع الموتى.

انتهى ما أورده الإمام البخاري في صحيحه في 23 - كتاب الجنائز - 87 - باب ما جاء في عذاب القبر. وقال أستاذ الدنيا في علم الحديث (الحافظ ابن حجر العسقلاني) في كتابه قاموس السنة المحيط (فتح الباري) ما نصه:

هذا مصير من عائشة إلى رد رواية ابن عمر المذكورة. (وقد خالفها الجمهور في ذلك، وقبلوا رواية ابن عمر، لموافقة من رواه غيره عليه) وأما استدلالها بقوله تعالى - إنك لا تسمع الموتى - فقالوا: معناها لا تسمعهم سماعاً ينفعهم، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله. وقال السهيلي: (عائشة لم تحضر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم) فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قالوا له: يل رسول الله! أتخاطب قوماً قد جيفوا؟ (فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم). قال وأما الآية فإنه كقوله تعالى - أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي - أي أن الله هو الذي يسمع ويهدي.

وبعد كلام طويل في كيفية عذاب القبر قال:

(تنبيه) وجه إدخال حديث ابن عمر وما عارضه من حديث عائشة في ترجمة عذاب القبر أنه لما ثبت من سماع أهل القليب كلامه وتوبيخه لهم، دل إدراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس، بل الذات، إذ الجامع بينهما وبين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة، بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسئلة، وحينئذ كانت الروح قد أعيد إلى الجسد. وقد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسئول يعذب. وأما إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسألة. فيتفق الخبران. أهو قول الحافظ.

أقول؛ وهذا الحديث لم ينفرد به ابن عمر، بل جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته، وليس أحد تزعم أنه رآه غيري. قال: فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال: يقول عمر سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس. يقول هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله. قال: فقال عمر فو الذي بعثه بالحق، ما أخطئوا الحدود التي حد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض. فأنطلق رسول الله عليه وآله وسلم حتى انتهى إليهم فقال (يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقاً؟ قال عمر: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال (ما انتم بأسمع لما أقول منهم، غير انهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئاً)

وجاء في صحيح مسلم أيضاً عن انس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك قتلى بدر ثلاثاً، ثم أتاهم، فقام عليهم، فناداهم، فقال: (يا أبا جهل بن هشام، ويا أمية بن خلف، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتم ما وعدني ربكم حقاً) فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: يا رسول الله! كيف يسمعوا (كذا) وإني يجيبوا (كذا) وقد جيفوا؟ قال (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما قول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا. ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا قليب بدر.

قال الحافظ في الفتح: ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك، بل وافقهما أبو طلحة. وللطبراني في حديث بن مسعود مثله بإسناد صحيح. ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه، وفيه قالوا يا رسول الله! وهل يسمعون؟ قال: (يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون). وفي حديث ابن مسعود (ولكنهم اليوم لا يجيبون).

ومن الغريب إن في المغازي لأبن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبى طلحة. وفيه (ما انتم بأسمع لما أقول منهم) وأخرجه أحمد بإسناد حسن. فكأنها رجعت عن الإنكار لنا تبث عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة.

وهذا الذي دعا معالي الدكتور طه حسين بك أن يدع رواية عائشة ويأخذ برواية هؤلاء الصحابة في كتابه (الوعد الحق) وهو القول الحق الذي وهاهو الأستاذ محمود أبو رية في عدد الرسالة رقم 865 بغير حق والسلام.

محمد فؤاد عبد الباقي