مجلة الرسالة/العدد 862/مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 862/مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية:

مجلة الرسالة - العدد 862
مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية:
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 01 - 1950



غاية الأخلاق عند أر سطو

للأستاذ كمال دسوقي

ما اسعد طلاب المسابقة بمقرراتهم هذا العام! فكلها - أو معظمها - من الكتب العامة، الهامة في الوقت نفسه، في عداد المراجع الفلسفية: الدراسات حولها كثيرة، والشروح والكتابات وافية غزيرة، وما على الطالب إلا أن يلقي بنفسه في لجتها ليستوعبها.

والكتب التحريرية - التي هي مجالنا في هذه المقالات حتى يوم الامتحان - من عيون الكتب الفلسفية كل في ناحيته، الأخلاق والعقائد، فضلاً عن أن كليهما لأحد مشاهير الفلاسفة عند اليونان وعند العرب، إن لم نقل أنه لأشهر فيلسوف يوناني وعربي على الإطلاق.

ولنبدأ أولاً بار سطو في (أخلاقه) النيقوماخية.

نتناول الفيلسوف أولاً، ثم نعمد إلى تحليل الكتاب، خصوصاً الجزء المقرر منه.

والمراجع العربية التي يمكن أن تفيد في الإحاطة بحياة الفيلسوف اليوناني ومذهبه - إذ يجب ألا تنقطع نظرية الخير من الأخلاق الأرسطية، ولا الأخلاق ذاتها من جملة المذهب الأرستطالي - أقول هذه المراجع العربية كثيرة، وإن كان يجب قراءتها بحذر وحيطة، والبدء باستيعاب النص المطلوب دراسته، ثم التنقيب بالشروح والتواليف الواردة حوله، وأخيراً وضعه في مكانه من الهيكل العام لفلسفة أر سطو؛ حتى لا يكون لهذه الكتب التفسيرية خطرها ومصادراتها على فكر الدارس، ألا يكون له رأيه ووجهة نظره الخاصة. وهو أهم ما يجب أن يحرص عليه طالب المسابقة.

ذلك - أيها الطالب النجيب - أن المسابقة سبق، ولا يحوز قصب السبق إلا الباسل المغوار الذي يجول بين الآراء ويصول، ثم لا يعدم - حين لا يكون له رأي خاص مستقل - ألا يفرق بين مختلف الآراء، فمهد نفسك لهذه الغاية النبيلة وهذا الفوز الكريم، ففي السباق يقاس بالأنف، وليس في الحياة أجمل من لذة النصر. .

أبدأ بقراءة النص المطلوب إليك دراسته، ثم أعد قراءته مرة ومرات، فسترى أنك في كل مرة تعيد القراءة تكشف من أمره جديداً، وتفهم أكثر من ذي قبل، (واستعن) واستعن على فهم أر سطو بالتعليقات التي ذيل بها المترجم الفرنسي صفحات ترجمته، وهي المنقولة بين يديك إلى العربية، وأحمد معي - في هذا المقام - هذا الجهد الرائع المخلص الذي بذله - وما يزال يبذله - إمام الجيل وأبو الفلسفة أستاذنا لطفي السيد باشا في إخراج تراث أر سطو الفلسفي إلى العربية هذا الإخراج الجبار، الذي تعرضه دار الكتب المصرية في أجمل ثوب وأكمل صورة، فتجمع لها عظمة المادة والصورة، كما ترى في الكتاب الذي تقلب صفحاته، وهو واحد من جملة أسفار بعضها في ضعف حجمه، هي أهم ما لأر سطو من كتب: فإلى جانب الكتاب الثاني في الأخلاق المتمم لهذا، ثم كتاب الطبيعة، وكتاب الكون والفساد، وتحت الطبع الآن كتاب السياسة الكبير، كان الرجل - أطال الله بقاءه - يعمل فيه وهو وزير للخارجية يضطلع بمذكرات المفاوضات ونيابة رياسة مجلس الوزراء في عهد وزارة صدقي باشا ولورد استانسجيت، أفترون إخلاصاً للعلم واستغراقاً فيه أروع وأبلغ من هذا؟ أليس لكم في ذلك أسوة حسنة؟

ربما يؤخذ على هذا العمل العلمي الجبار مأخذ واحد، وهو أنه - على إخلاصه وأمانة النقل وحسن الأداء فيه - قد ظهرت ترجمتان فرنسيتان أدق من تلك التي نقل هو عنها. وما ذنب الكاتب الذي كان يترجم منذ 1920 ألا يتنبأ بما سيظهر بعدئذ من الترجمات لبعض كتب متفرقة؟ وهل ينبغي - انتظاراً للأحسن والأكمل - أن نقف عاجزين لا ننقل إلى لغتنا تراث الفكر الغربي وأر سطوا خصوصاً؟ إن ترجمة كتب أر سطو التي قام بها معالي لطفي باشا عمل جليل لا يحدث مرة في كل قرن، فلا ضير عليه أن يقال فيه ما يقال - فللعامل أن يعمل وينتج، وللعاجز أن يقف جامداً، ثم لا يملك إلا أن ينقد فالهدم أيسر من التأسيس والبناء.

ويشاء الله إنصافاً لصاحب هذه المهمة الجليلة أن يقفي على آثار المترجم الفرنسي بصاحبه المصري فيما ولى كلاهما من أمور الأستاذية وشئون الحياة، ليتشابها في معرض المقارنة في كل شيء كلاهما أستاذ لكرسي الفلسفة الإغريقية في جامعته هذا في الكوليج دي فرانس وذاك في الجامعة المصرية: وكلاهما ناقل أر سطو ومترجمه إلى لغته؛ هذا في الفرنسية وذاك في العربية، وكلاهما آخر الأمر وزير لخارجية بلاده: هذا في فرنسا وذاك في مصر؛ كما قلت في تقديم محاضرة ألقاها بكلية الآداب وهو وزير للخارجية.

فلتطمئنوا إذن إلى الترجمة العربية التي بين يديكم ترجمة معتمدة، وتعريب ثقة، وإن كان على الطالب المجتهد والباحث المخلص، أن يكمل موقفه دائماً بالرجوع إلى الأصل في اللغة الأوربية التي يجيدها - ولديكم في الإنجليزية والفرنسية ترجمات كثيرة متداولة، فأرجعوا إليها؛ فإذا كان لا بد لقارئ أر سطو أن يرجع إلى لغة ثانوية حين لا يجيد اليونانية - وقل من يجيدها حتى من كبار المؤلفين في أر سطو أنفسهم - فلتكن أقرب درجةً أو درجتين من الأصل، ففي كل تقريب أو تقرُّب من الأصل حسن (للفهم واختصار) لعقم الترجمة - أعني أنَّ من يقرأ أخلاق أر سطو - مثلاً، فهي موضوعنا هنا - في ترجمة سانتهيليز الفرنسية يكون في الدرجة الثانية، والذي يقرأها في العربية أقل درجة، أما قارئها في اليونانية ففي الدرجة الأولى - وأين هو إلا أن يمتَّ إلى اليونانية بسبب أقوى من مجرد الدراسة؟

ونعود إلى ما كنا بصدده قبل أن نستطرد هذا الاستطراد الضروري.

فإذْ قد فرغت من قراءة النص وهضمه واستيعابه في الكتاب المقرر، والصفحات المعينة؛ فأعمد إلى ترك الكتاب جانباً، وتناول بعضاً من الكتب التفسيرية في المذاهب الأخلاقية عامة، وفي مذهب أر سطو - وخصوصاً الأخلاق الأرستطالية - خاصة.

وأهم ما أشير به عليك في المكتبة العربية - ويؤسفني ألا يسمح وقتك وسلامة لغتك أن تقرأ عن أر سطو في الإنجليزية أو الفرنسية - هذه الكتب هي في درجة من الجودة لا بأس بها؛ بل إن بعضها ممتاز حقاً؛ فاستعرضها في يقظة وحذر.

أبداً أولاً بما جاء في كتابك المدرسي المقرر عن أر سطو - فاقرأه واستظهره، وفي ذلك فائدة مزدوجة، وأساس عام قوي متين؛ وإطار سوف تفرغ فيه معلوماتك وتحصيلك.

اقرأ بعد هذا عن أر سطو في كتاب كقصة الفلسفة اليونانية للأستاذين أحمد أمين بك وزكي نجيب محمود - ففيه عرض مختلف بعض الشيء لنفس المعلومات تقريباً - ولكن في أسلوب هو إلى الأدب أميل - والفلسفة تتطلب الدقة وإحكام التعبير، وإنما أشير بهذا الكتاب لأنه يهيئ لك انسياق الفكر، وانطلاق اللفظ، ليتصرف قلمك فيما حصلت بحرية وجرأة وشخصية - ومثل هذا الكتاب يحقق لك هذه الفائدة (ص112 - 277).

وثمة كتاب في العربية قائم برأسه موضوعه أر سطو، للدكتور عبد الرحمن بدوي، وهو منهج لدراسة أر سطو أولى منه دراسةً كاملة أو مادة وافية، وتطبيق لهذا المنهج على بعض أجزاء الكتب الأرسطية يتكون من مذهب متكامل تقريباً، والجزء القليل الذي أورده عن (الأخلاق) (ص 255 - 264من الطبعة الثانية) كفيل بأن يثير بعض المشاكل في نظرية الأخلاق، وأن يوجهك إلى كثير من الاعتراضات.

إلا أن مرجعك الأهم الذي يجب أن تتلمذ له وتعول عليه هو كتاب: تاريخ الفلسفة اليونانية للأستاذ يوسف كرم - فهو كتاب قيم حقاً، تعتز به المكتبة العربية في الفلسفة، لما يتميز به من الإخلاص والوضوح والدقة في الأسلوب العلمي - وأر سطو فيه على درجة من الوفاء وحسن العرض قلَّ من يظفر بهما في مرجع عربي آخر.

وفي ربط نظرية الأخلاق الأرسطية بالنظريات الحديثة الأخرى؛ ارجع إلى كتاب المدخل إلى الفلسفة للعلامة أوزفلد كيلبه الذي ترجمه الأستاذ أبو العلا عنيفي إلى العربية - ففي فصول من هذا الكتاب تجد عرضاً واضحاً ومناقشات لكثير من وجهات النظر الحديثة في هذا الباب، وفيه ذكر بعض الفلاسفة الأخلاقيين من الإنجليز والألمان والهولنديين ومذاهبهم، يجب أن تلمَّ به وتقارنه بمذهب أر سطو لتربط مذهبه بما قبله وما بعده.

ولستُ في حاجة إلى أن أوجهك لما في مقدمتي المترجمين المصري والفرنسي لكتاب أر سطو - الذي بين يديك - من فائدة، الأولى في التعريف بأر سطو وكتبه، والثانية في عرض المذاهب الأخلاقية وتاريخها وفلاسفتها - على عادة سانتهيليز في كل ما ترجم لأر سطو، فما أحسب إلا أنك قد أقبلت على قراءة التصدير والمقدمة فأتيت عليهما قبل أن تشرع في دراسة الجزء المقرر من الكتاب.

فإذا وقفت على ما أشرت به عليك من هذه القراءات، فموعدي معك في الحديث عن أر سطو ونظريته في الخير والسعادة المقالُ التالي.

كمال دسوقي