مجلة الرسالة/العدد 855/صدى مقتل الحسين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 855/صدى مقتل الحسين

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 11 - 1949



في التاريخ الإسلامي والأدب العربي

للأستاذ ضياء الدخيلي

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

ولما كان يوم عاشوراء من سنة 516 هـ جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على باب (الباذهنج) في القصر وكان ذلك بعد قتل الأفضل وعود الأسمطة إلى القصر - على كرسي جريد بغير مخدة متلثما هو وجميع حاشيته، فسلم عليه الوزير المأمون وجميع الأمراء الكبار والصغار بالقرانيز (ويقول البعض هي على ما يظهر ثياب خاصة ملونة بالقرمز) وإذن للقاضي الداعي والإشراف والأمراء بالسلام عليه وهم بغير مناديل ملثمون حافاة، وعبئ السماط في غير موضعه المعتاد وجميع ما عليه خبز الشعير والحواضر على ما كان في الأيام الأفضلية وتقدم إلى وإلى مصر والقاهرة بأن لا يمكننا أحداً من جمع ولا قراءة مصرع الحسين وخرج الرسم المطلق للمتصدرين والقراء والوعاظ والشعراء وغيرهم على ما جرت به عاداتهم.

قال وفي ليلة عاشوراء من سنة 527 أعتمد الأجل الوزير المأمون على السنة الأفضلية من المضي إلى تربة قبر) أمير الجيوش وحضور جميع لمتصدرين والوعاظ وقراء القرآن والمكث إلى آخر الليل والعودة إلى داره، واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك وجلس الخليفة على الأرض متلثماً يرى به الحزن وحضر في شرف بالسلام عليه والجلوس على السماط بما جرت به العادة.

هذا ما كان يحدث من احتفالات في ذكرى مصرع سيدنا الحسين (ع) قبل أن يشاد الضريح الحسيني حيث دفن فيه رأس الأمام الشهيد منقولا من عسقلان. أما بعد ذلك تحدث أبن الطوير عما كان يصنع في عاشوراء فقال: إذا كان اليوم العاشر من المحرم أحتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيهم ليكونوا كما هم عليه اليوم (في عهد الناقل أبن الطوير) ثم صاروا إلى المشهد الحسيني وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قراء الحضرة والمتصدرين ف الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والذاعي على جانبيه والقراء يقرءون نوبة بنوبة وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت عليهم السلام؛ فإن كان لوزير رافضاً تغالوا، وإن كان سنياً اقتصدوا. ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل ابسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدونأيضاً ثميفرش عليها سماط الحزن وفيه مقدار ألف زبديه من العدس والملحات والمخللات والاجبان والألبان الساذجة وأعسال النحل والفطير المغير لونه بالقصد فإذا قرب الظهر وقف صاب الباب وصاحب المائدة أدخل الناس للأكل منه فيدخل القاضي والداعي ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه وفي الناس من لا يدخل ولا يلزم أحداً بذلك فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح في القاهرة ذلك اليوم وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر فيفتح الناس بعد ذلك ويتصرفون. أما الدولة الأيوبية فقد اتخذت يوم عاشوراء عيداً ومن أيام الأفراح لإرغام أناف الشيعة وإيذائهم.

هذا هو أثر فاجعة كربلاء في التاريخ الإسلامي.

أما في الأدب العربي فقد أوجدت فيه ناحية قائمة يعلو فيها الصراخ والعويل وتردد في جوانبها الثورة على الظلم القبيح وامتداح الإباء وشرف النفس والتمنع عن دنايا الأمور. كان هذا القسم من الأدب العربي طافحاً بتصوير مآسي كربلاء بخطوط واضحة سوداء وأجتهد في أن يبرز كل جانب من جوانبها مؤلماً يهطل بالدموع ويثير الآهات والحسرات خاصة بعد أن ترديد فاجعة كربلاء على الجماهير مهنة تدر الربح الوفير كما كان حال النواح والمنشدين في العصر الفاطمي بمصر كما تقدم على ما نقل المقريزي في الخطط وكما هو الشأن اليوم في العراق وإيران والهند وجبل عامل وغيرها من الأصقاع الشيعية، ويدعى هؤلاء (خطباء المنبر الحسيني) ويسمون في اللغة الفارسية (روزه خون) وهي تحريف (روضة خون) أي قارئ الروضة الإمام الشهيد يعني قبره الكريم.

وقد ألفت كتب في هذا الموضوع استعرضت تاريخ الفاجعة بصورة مسهبة فضفاضة وشحنت بالقصائد لمعولة باللغة الفصحى والعامية كما أنه نشأ في الأدب الفارسي والأدب الهندي والتركي أيضاً قصائد طويلة تردد مأساة كربلاء ونرى أبناء هذه الأمم ينشدونها عندما يقدمون العراق لزيارة قبر الإمام الشهيد في كربلاء أو أبيه في النجف الأشرف وأن أبرز رثاة الحسين (ع) في الأدب العربي هو السيد حيدر الحلي وقد عرفنا به كتاب (العراقيات) بأنه كان رحمه الله شاعر العراق على الإطلاق حُلّى البلد (نسبة إلى مدينة الحلة على الفرات قرب أطلال بابل التاريخية) هاشمي النسب ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وقد ولد في شعبان في سنة 1246 وتوفى في ربيع الآخر من سنة 1304هـ وعرف بشاعر أهل البيت حيث انتحى في أكثر شعره مدحهم ورثاهم؛ وقد بلغ من رثائهم درجة سامية لم يدع فيها سبقاً لمستبق من مقدما الشعراء ومتأخريهم. على أنه لم يقصر في النسيب والفخر والمديح عن غيره من فطاحل شعراء العراق قال في رثاء سيدنا الحسين (ع)

قد عهدنا الربوع وهي ربيع ... أين. .؟ لا أين انسها المجموع

درج الحي أن تتبع عنها ... نجع الغيثأمبدهياء ربعوا

لا تقل شملها النوى صدعته ... إنما شمل صدري المصدوع

كيف أعدت بلسعة الهم قلبي ... وثراها يرقى به الملسوع

سبق الدمع حين قلت سقتها ... فتركت السما وقلت الدموع

فكأني في صحنها وهو قعب ... أحلب المزن والجفون ضروع

بت ليل التمام أنشد فيها ... هل لماض من الزمان رجوع

شاطرتني بزعمها الداء حزناً ... حين أنت وقلبي الموجوع

يا طروب العشي خلقك عني ... ما حنيني صبابة وولوع

لم يرعني نوى الخنيط ولكن ... من جوى الطفَّ راعني ما يروع

قد عذلت الجزوع وهو صبور ... وعذرت الصبور وهو جزوع

عجباً للعيون لم تغد بيضا ... لمصاب تحمر فيه الدموع

وأسى شابة الليالي عليه ... وهو للحشر في القلوب رضيع أي يوم بشفرة البغي فيه ... عاد أنف الإسلام وهو جديع

ما لشمس النهار فيه طلوع ... ولشمس الحديد فيه طلوع

أينما طارت النفوس شعاعاً ... فلطير الزدى عليها وقوع

قد تواصلت بالصبر فيه رجال ... في حشى الموت من لقاها صدوع

ضياء الدخيلي