مجلة الرسالة/العدد 855/الباكستان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 855/الباكستان

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 11 - 1949



وعلاقتها بالعالم العربي والإسلامي

للدكتور حسين الهمداني

شاهد العالم خلال الأحقاب الطويلة البعيدة عدة حضارات ازدهرت في كثير من أرجاء العالم منها الحضارة التي قامة حول البحر الأبيض المتوسط. وقد قسم المؤرخون هذه الحضارات إلى قسمين: قسم يشمل بلاد الشرق من هذا البحر، وقسم يشمل بلاد الغرب منه. والحضارة التي تعيننا اليوم هي حضارة هذا القسم الشرقي الذي يمتد من شمال أفريقيا شرقاً حتى يقف عند نهاية الباكستان. وقد ظلت حضارة الجناح الأيمن هذا تشع على العالم أجمع نوراً من العلم والمعرفة والثقافة، كان يسري بين خيوطه إشعاعات علم الأقدمين كاليونان والرومان.

وكانت هذه الحضارة متفقة مع الحضارة الغربية في كثير من الأسس فقد كانت الحضارتان قائمتين على أساس ديانتين عظيمتين كما كانتا تأخذان من تلك الحضارات القديمة كثيراً من مقوماتها؛ وهكذا اتحدت الحضارتان في الأسس والدعائم.

وقد كانت الباكستان، ولو أنها كانت جزء من الهند، على وثيق بالشرق الأوسط، وكانت، تأخذ من حضارة الجناح الأيمن الشرقي، لأنها كانت تدين بدينه وتتعلق بآرائه وتأخذ من ثمرات مجهودات مفكريه الذين اقتبسوا كثيراً من عصارة ذهن اليونان والرومان والفرس، وكانت شديدة الصلة بالكلدانيين الذين استوطنوا العراق قبل 7 آلاف سنة، كما اتصلت بالبابليين وكما وربطة بينها وبين دولة الفرس بروابط تجارية ثقافية.

ولدخول الإسلام في الهند قصة. . . إذ قام العرب بعد موت النبي صلوات الله عليه بخمس وعشرين سنة بغزو إيران وسوريا وأرمينيا وقسم من وسط آسيا ومصر. وسار المسلمون في فتوحاتهم نحو الشرق صوب حيوات وكابول وبلخ، حتى بلغوا بهر الأندس والسند؛ وهنا تمكنت العلائق بين العرب وأهل السند وهم الذين يكونون اليوم غرب الباكستان، وبقية متينة خصوصاً مع الحكام الهنود في الجنوب مما تنتج عنه توطن الشاطئ الغربي بواسطة كثير منهم، حيث بنوا المساجد. . . . . .

ومع أن مسلمي الهند كانوا يعيشون مع غير المسلمين هناك عيشة قريبة متمازجة يفرضه الوضع الجغرافي إلا أنهم كانوا شديدي البعد عنهم فيما يتصل بعباداتهم وتقاليدهم وثقافتهم ورغباتهم. وعلى رغم هذا الوضع الذي كان يقرب بينهم كان المسلمون يتجهون بكل نفوسهم إلى العرب ومسلمي الشرق الأوسط وكانوا يتخذون اللغة العربية لغة للعلم والدرس يؤلفون بها ويؤسسون لها المدارس. والمعاهد والجامعات في جميع بلدان شبه القارة.

ولم تقتصر هذه الرابطة على تبادل التجارة أو بعض الأفكار الثقافية بل امتدت الرابطة إلى ما هو أبعد من هذا، امتدت إلى أن خضع المسلمون هناك لطاعة الخليفة، كما دانوا له بالولاء. وفي فتح البلدان يقول البلاذري: إن أحكام السند العرب كانوا يقولون خطبة الجمعة متوجه باسم الخليفة، كما ضربوا العملة باسمه: وظل الحال على هذا من هذه الفترة إلى أن تقوضت الخلافة الإسلامية بتركيا.

وظلت العلاقات قائمة بين المسلمين هناك وبين اشرق الأوسط إلى عصرنا الحديث. . . . . . ولم يكن المسلمون ليتوانوا لحظة في خلال كل هذه السنين عن الشعور بنفس الشعور الذي يساور أهل الشرق فقد كانوا يفرحون لفرحه، ويتألمون لألمه. وكانوا يعتقدون أن هذا الشرق ما هو إلا جسم واحد إذا أشتكى منه عضو تألم له بقية الأعضاء، وإذا أصاب طرفاً منه ضر أو شر فإنه سرعان ما يصيب كل البلاد أقاصيها ودانيها.

ولم يكن مسلمو الهند في جهادهم بمنأى عن هذا الشرق، لأنهم كانوا على اتصال وثيق به، يربطهم به رابطة الدين ورابطة الألم ورابطة الظلم الذي يحل به، ورابطة القسوة التي يجابههم بها الأقوياء، ورابطة الحذر مما يبيت لمسلمين قاطبة من كيد ومن غدر، وقاموا من ساعتهم، في الحدود التي حاولوا فيها أن يصلوا إلى أقصى ما يستطيعون وغم الاستعمار الأجنبي، يريدون الوقوف إلى جانب إخوانهم المسلمين في كثير من العطف وفي كثير من الحزن؛ فهم حزنوا لتفكك الخلافة ولانهيار الإمبراطورية العثمانية، لأنها كانت تمثل في نظرهم قلعة الإسلام. وقاموا يحتجون لدى إنجلترا على المعاملة التعسفية التي عاملوا بها مصر عام 1924 حينما قتل السردارلي ستاك باشا، واحتجوا لديها كذلك ولدى عصبة الأمم عندما امتد الانتداب البريطاني على العراق لخمس وعشرين سنة تالية، واشتركوا في مؤتمر الخلافة سنة 1925 واحتجوا لدى الفرنسيين يوم أن ضربوا دمشق بالمدافع. . . . . . وكانوا ولا يزالون يتألمون لما يصيب إخوانهم عرب مراكش وتونس والجزائر من ذل يفرضه عليهم المستعمر الغاشم.

وإني لأؤكد أن الباكستان في قومتها دولة إسلامية لم تقم لخدمة بنيها فقط، وإنما قامت لخدمة الإسلام أنى وجد، فكثيراً ما كانت تناهض إنجلترا لإصدارها وعد بلفور بصدد فلسطين.

وكثيراً ما حاولت إنقاذ هذه البلدة من مخالب الصهيونية لأنها تؤمن بأنها بلادتهم المسلمين أجمعين. ولا أضنني أخالف الواقع إن قلت أن زعيمنا الخلد الذكر محمد علي جناح كان ينذر العالم الإسلامي منذ قديم الزمان باحتمال قيام الخطر الصهيوني، وها قد تحققت مخلوفة، وأصبحنا نذر الخطر تبغي الأنقاض علينا. الحق يحضنا على ذلك فقد ورد في القرآن الشريف (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) وليس هناك إلا تقوية الجيوش وحشد القوات، لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم اليوم وليس هناك إلا إنشاء المصانع وعمل الذخائر، فنحن اليوم في عالم خلا من وازع الضمير، وضاع فيه معنى الحق ومرمى الشرف وأصبحت الكلمة للمدافع والهيبة للقوي، فماذا يمنعنا والحالة هذه أن نعمل لهذه القوة وما الذي يحول دون بلوغنا هذه الغاية؟

لقد آمنت الباكستان بكل هذه وراحت تقوي جيوشها وأسطولها، وليس معنى هذا أنها تطلب سيادة أو تريد إيقاع العدوان على أحد، بل هي تريد أن تبقى محترمة مرهوبة الجانب لما قد يهددها، وتضرب من يهاجمها. . . . . .

توخيت في هذه العجالة أن أبين مدى ارتباط الباكستان بالشرق، وكيف نريد ونأمل أن يكون عليه هذا الأخير من قوة ومنعة، لأننا نريد للإسلام رفعة الشأن وقوة الجانب، وليس هناك للإسلام موطن، وليس له حدود. . . . . .

واجب أن أنوه بأن كلامي هذا لا يشتم منه رائحة العنصرية ولا المذهبية، وأريد أن أزيد بأنني لست متعصباً ضد أية ديانة أو مذهب، وإنما أنا متعصب لديني، ومتعصب لبلادي أريد لها ولمن يشترك معها أن يترسموا الطريق نحو العزة والسؤدد وأن يصلوا إلى المكانة العليا التي يهيئها لهم إيمانهم ودينهم وتسامحهم. . . . . . و (ويرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات).

حسين الهمداني