مجلة الرسالة/العدد 846/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 846/الأدب والفنّ في أسبُوع
للأستاذ عباس خضر
شاعر يثور على الطبيعة:
لكثير من الكتاب والشعراء - في القديم وفي الحديث - ولع بمشاهد الطبيعة والسكون إليها والتغني بجمالها، حتى لقد صار ذلك تقليداً متبعاً يجري عليه الناشئون في الأدب والمتطلعون إلى قرض الشعر، تراهم يقصدون إليها ويسرحون الطرف في مغانيها، عسى أن تزف إلى قرائحهم بنات الأدب والفن.
وقد قرأنا كثيراً من القصائد والقطع الجيدة وصف مناظر الطبيعة والتفنن في التعبير عن جمالها، وقد أوحت بها إلى أصحابها تأملاتهم تلك المناظر وسبحات أفكارهم في جوها، ولعل هذا النوع من الأدب أقل أنواعه رواجاً في عصرنا هذا الذي يفضل الخوض في مسائل الحياة والتحدث عن الحقائق الإنسانية وتحليلها. فالأديب يذهب إلى الحدائق والشواطئ ليأخذ قسطه من الاستجمام والترويح عن النفس وصحة الجسم، كأي أنسان آخر، ثم هو مطلق الحرية في أن يأخذ موضوعه من أي مكان شاء، لا يتقيد إلا بما يثير عقله وإحساسه من صور الحياة وشؤون الناس.
أثارت تلك الخواطر بنفسي، قصيدة نشرت بالأهرام للأستاذ محمد مفيد الشوباشي، عنوانها (شاطئ بلطيم) ذهب بها في الحديث عن هذا الشاطئ مذهباً إنسانياً طريفاً يعاكس مذهب شعراء الطبيعة المفتونين بها، فهو لم يسكت عنها ويعدل إلى غيرها، بل إنه استنكر السكون والروعة والجلال وما إلى ذلك من الأوصاف التي تجذب أولئك الشعراء إلى أماكنهم المحببة إليهم، فلم يرقه شيء من ذلك بل شعر بالوحشة والملل فيها، قال:
على الشاطئ المهجور قضيت حقبة ... من الدهر محزون الفؤاد وحيداً
يباب خلا من كل أنس وبهجة ... يمر به الدهر الممل وئيدا
تمر به الأيام جرداء مثله ... فلست ترى فيما تراه جديدا
ويمضي على هذا النحو في التبرم بتلك الأماكن المقفرة، حتى يقول:
حننت إلى الإنسان في خلواتها ... وإن كان شيطان الخصال مريدا
ألا ليتني ألقى عدوي فأرتمي ... على صدره سهل الق فلم يعد الليل الرتيب يشوقني ... ولا البدر وضاح الجبين فريدا
ولا الريح تشدو ولا الموج راقصا ... ولا الشطر منداح الرمال مديدا
حننت إلى شط يموج بأهله ... ترى فيه حفل الغانيات نضيدا
والذي استرعى انتباهي في هذا الشعر وأطربني منه، قيمة هذه المشاعر والصدق في التعبير عنها، فالشاعر يضيق بالليل والبدر والموج، ويحن إلى الإنسان مهما كان، ويشتاق إلى لقاء عدوه ليرتمي على صدره. . . لأنه إنسان!
هل يباح التعليم الجامعي لكل من يطلبه؟:
جاء في (كشكول الأسبوع) الماضي أن البحث في المؤتمر الثقافي العربي القادم سيدور على مسألتين، إحداهما: هل من الخير للدول العربية أن تبيح التعليم الجامعي لكل من يطلبه أو يقتصر على قبول المتفوقين. والموضوع حقيق بالنظر. نحن الآن نقبل في التعليم الجامعي كل من يطلبونه تقريباً، وهم كثيرون لا يرد منهم إلا القليل، حتى ازدحمت الجامعة، وتعذر إشراف الأساتذة والمدرسين على العدد الكبير من الطلبة، وتعذر قيام العلاقة المرجوة بين الطالب والأستاذ. ويتخرج في كليات الجامعة كل عام مئات المنتهين منها، قلَّ أن تجد فيهم من تكون تكوناً جامعياً حقيقياً. ومعنى ذلك أن الجامعة لا تغربل المتقدمين إليها، لتعرف ذوي الاستعداد للدراسة الجامعية من غيرهم، وكل ما تقيس به هو (التفوق) في الشهادة التوجيهية، وليس هذا المقياس دقيقاً لأن هذا التفوق كثيراً ما يكون في تحصيل المعلومات وحفظها، أما العقلية الدراسية فشيء آخر، وقد يختلف صاحبها في التحصيل والاستظهار. ومن ثم أشير بأن يعدل تعبير اللجنة الثقافية بإبدال ذوي الاستعداد للدراسة الجامعية بـ (المتفوقين).
وأذكر أن خطاب العرش لافتتاح الدورة البرلمانية في العام الماضي، تضمن أن الحكومة تهتم بإنشاء معاهد للتعليم الفني العالي تغلب عليها الصبغة العملية تقوم بجانب الكليات الجامعية، ليحلق بها طائفة كبيرة ممن أتموا التعليم الثانوي. ولا شك أن هذه المعاهد تحل أزمة الراغبين في إتمام التعليم العالي كما تحل أزمة الجامعة أو أزمة الدراسة الجامعية المنشودة إذ يتحول عنها إلى تلك المعاهد العدد الضخم من الشباب الراغب في الشهادات العالية دون استعداد حقيقي للحياة الجامعية.
الرد على الدكتور أبي شادي:
قرأت رسالة الدكتور أحمد زكي أبو شادي المنشورة في العدد الماضي من (الرسالة) التي كتبها رداً على ما كتبته عنه في العدد (842).
أما طلبه الجنسية الأمريكية الذي نفاه في (الأهرام) و (البلاغ) وخرَّجه في (الرسالة) على مدلول (الجنسية المزدوجة) فليكن كما خرج. فأساس الموضوع هو طعن الدكتور أبي شادي على مصر في حملات بجريدة (الهدى) وقد دافع عن نفسه بأن ما نشرته (أخبار اليوم) جحود للجهود التي يقول إنه بذلها في خدمة (وطنه الأول) في شتى البيئات بأمريكا وعلى منابر الصحافة الحرة ومن العجيب ألا نعلم شيئاً عن هذه الجهود كأن الصحافة المصرية قد أتفقت على إغفالها حتى جاءت أخبار اليوم فعكست الوضع واتهمته بالتحامل على مصر. . ولم يتعرض الدكتور لبيان ما كتبه في (الهدى) عن مصر، وهو موضع التهمة، ويؤسفني أن أتفقد صحيفة الهدى في القاهرة فلا أجدها.
ولا أستطيع إزاء ما نسبه الأستاذ مصطفى أمين بك - وجهوده الصحفية القيمة معروفة - إلى الدكتور أبي شادي من التحامل على مصر، وإزاء نفي الدكتور هذا التحامل أن أرجح أحد الأمرين على الآخر وإن كنت أستريح إلى مبادرة أبي شادي بالدفاع عن نفسه وتكذيب ما نسب إليه. وبودي لو أستدل بذلك على اتجاهه نحو الوفاء للوطن كما يرجى من كل مصري ينأى عن بلاده وإن هجر الإقامة فيها.
وكما صدر ما كتبته تعليقاً على اتهام أبي شادي بالخروج على مصر، عن شعور وطني كذلك، صدر ما وصفت به أدبه عن رأيي في هذا الأدب أو الإنتاج الذي يقل فيه الأدب. وقد لمحت دفاعاً عنه نشر أيضاً في العدد الماضي من (الرسالة) قال فيه كاتبه الأديب عبد الحفيظ نصار إنه يصحح لوجه الله والتاريخ ما قلته عن المذهب التجديدي، فذكر أن مطران سلك هذا المذهب قبل أن يدعو إليه العقاد والمازني وشكري. وأنا لم أرتب ترتيباً تاريخياً، وإنما ذكرت العقاد وزميله في الدعوة، وقلت إن مطران كان من رواد التجديد وأنا أعني حظه العملي في إنتاج الشعر. أما سائر ما تضمنه هذا الدفاع فلا أرى داعياً لمناقشته.
فرقة الكوميدي المصرية: هي فرقة جديدة بدأت عملها في الأسبوع الماضي على مسرح كازينو أوبرا، وهي إحدى فرقتين محور كل منهما ممثل يقلد نجيب الريحاني، وممثل هذه الفرقة هو نعيم مصطفى، ويشترك معه بشارة واكيم وعباس فارس وكاميليا وآخرون. ويظهر أن اسم بشارة واكيم يستخدم للإعلان، فإنه لم يظهر بالرواية الأولى إلا في منظرين قصيرين تكلم فيها بضع كلمات وكان يمكن أن يقوم بدوره أي ممثل من الدرجة الثالثة.
أما الفرقة الثانية فتتكون من بعض الممثلين والممثلات الذين كانوا يعملون مع الريحاني، وممثلها الذي يقلده هو عادل خيري ابن بديع خيري زميل الريحاني في التأليف، وستبدأ عملها على مسرح الريحاني في الأسبوع القادم.
بدأت فرقة الكوميدي المصرية برواية (خطف مراتي) وهي تأليف نعيم مصطفى، ولابد أنه أراد أن يظهر كليفة للريحاني وأكثر. . فالريحاني كان يؤلف بالاشتراك مع بديع خيري، ولكن هذا ينفرد بالتأليف. بدأت الرواية بمنظر حمودة وزوجته، مع الزوج إبريق والزوجة (قلة) يفضل كل منهما ما معه على ما مع الآخر، فالابريق في نظر الزوج رمز الابن، و (القلة) عند الزوجة كناية عن البنت، وليس لهذا الحوار أي أثر في حوادث الرواية بعد ذلك ولا ارتباط له بها. ولهذين الزوجين بنت (سامية) متزوجة من الدكتور عادل، والجميع يشكون في سيرته ويتفقون مع (مدام كاميليا) الخياطة لاختباره و (مدام كاميليا) هذه فتاة جميلة صغيرة متزوجة من رجل كبير في السن، ولا تدري على أي أساس بني هذا الزواج، إن كان على غنى الزوج فلم إذن تعمل هي خياطة؟ والمسلي المشوق في الرَّواية هو ظُهور الشخصية التي يُمثلها نعيم مُصطفى، وهي (قراقيش) الصعلوك الذي يفرض صداقته على الدكتور عادل ويتقمص شخصيته في علاج الموضى بطرق مضحكة. ويطلع قراقيش على رسالة من الخياطة إلى الدكتور عادل تستدعيه فيها لمعالجتها - تنفيذاً للخطة التي وضعتها لاختبار أمانته الزوجية - فيذهب قراقيش إليها على أنه الدكتور عادل، وتحدُث مفارقات في منزل الخياطة، بسبب ادعاء قراقيش أنه دكتور، ويلتقي الجميع هناك في مناظر مضحكة، وتنتهي الرواية بأن يتزوَّج قراقيش بمدام كاميليا. . وكيف ذلك وهي متزوجة؟ لا تدري! إنه يخطفها (والسلام!).
والرواية محشوة بالمناظر المقصودة ذاتها لا لسياق الحوادث، وقد كثر هذا الحشو المقصود حتى أخرجها عن الطبيعة إلى التكلف الافتعال. وعلى المناظر المتكلفة تعتمد الفكاهة في الرواية، وما كان هكذا فن الريحاني، فن الفكاهة الراقية والنكتة الرائقة.
ومجموعة الممثلين والممثلات لا بأس بها، ولكن الرواية مبتذلة مسفة كنت أفضل ألا يبدؤا بها إن كان لديهم خير منها، وأرجوا أن يكون حظهم في غيرها أحسن منها. وقد أجاد نعيم مصطفى في تمثيل شخصية الصعلوك وهو ممثل خفيف الظل، ولا أخشى عليه إلا أن يصر على التأليف فإنه يحتاج إلى تأليف قوي يظهر كفايته التمثيلية، وهو يشبه الريحاني فعلاً في صوته وطريقة كلامه وسخريته. ولا بأس أن يبدأ بهذا على سبيل الإعلان، ولكن لابد له أن يكون لنفسه شخصية مستقلة. وإني لأعجب من أولئك الذين يتحدثون عمن يخلف الريحاني، هل الريحاني منصب يبحثون عمن يشغله؟ وهل كان هو صورة لأحد قبله؟ إن الفنان الأصيل هو الذي يأتي على غير مثال سابق.
عباس خضر