مجلة الرسالة/العدد 844/رسالة العلم
مجلة الرسالة/العدد 844/رسالة العلم
الوقت
للأستاذ محمد فتحي عبد الوهاب
يقابلك زيد من الناس في الطريق، ويسألك عن الوقت. فتنظر إلى ساعتك لتجيب قائلاً: (إنها الثالثة بعد الظهر). ولكنه يهز رأسه ويقول إنما يقصد بسؤاله تعريف الوقت. فتتولاك الحيرة ولا تجيب. ثم تسير وأنت تتساءل: ما هو الوقت؟ وتذهب وتبحث في الكتب والمعاجم فتخبرك بأن الوقت: هو الذي تتميز به الحوادث بالدلالة إلى (ما قبل) أو (ما بعد) أو (البداية) أو (النهاية) فلا يساعدك هذا التعريف في شئ. وتذهب إلى صديقك العالم لتسأله عن معنى الوقت، فيفكر ملياً قبل أن يقول لك (إنه الفترة التي بين حادث وآخر) فتزداد حيرتك. فيبتسم صديقك ويخبرك أنه لا يوجد حتى الآن تعريف صريح للوقت. ولكن أقرب تعريف إليه هو الذي أخبرك به.
والوقت في الواقع أحد الأشياء التي لا نستطيع تعريفها تعريفاً صريحاً كالحياة والموت والكهرباء وما إلى ذلك من تلك التي لا ندركها إلا عن طريق تأثيرها علينا.
وقد يقول قائل إنما الوقت هو حركة عقربي الساعة. ولكنه قول غير صحيح. فإن هذه الحركة هي أسهل طريق لمعرفة مسار الوقت؛ فالساعة لا تساعدنا على الدلالة على مقدار الوقت الذي مرّ منذ أن وقع حادث من أمد طويل. إنها لا تصنع الوقت، بل كل ما تعمله أن تسجل لنا الوقت في الحاضر.
والشمس أكبر حارس للوقت في العالم، ولو أنها لا تخلو من أخطاء طفيفة. فطوال النهار في منطقة خط الاستواء يعادل طول الليل خلال سنة، أما في القطبين فهناك ستة أشهر من النهار تعقبها ستة أشهر من الليل، بينما تختلف أوقات شروق الشمس وغروبها في المناطق الوسطى باختلاف الفصول.
والأرض تدور حول محورها في 24 ساعة. والفترة التي تمر بانتهاء دورة كاملة تسمى باليوم. ثم أن الأرض ترحل حول الشمس فيما يقرب من 365 يوماً، وهذا ما نسميه بالعام. هذا هو التقسيم الطبيعي للوقت. بيد أننا - للسهولة - نقسم كلا من اليوم والسنة إلى فترات صغيرة. فاليوم يقسم إلى ساعات ودقائق وثوان، والسنة إلى شهور وأسابيع.
والناس يقيسون الوقت عن طريق الشمس. فعندما نقول إنها الساعة السادسة مساء نعني أنه مرت ست ساعات منذ أن وصلت الشمس إلى أعلى نقطة في السماء، وتسمى نقطة السمت، أو الظهر. واليوم هو الفترة التي انقضت منذ ظهور الشمس في السمت وظهورها مرة أخرى.
وهناك دورتان للأرض: دورة بالنسبة إلى نجم معلوم، وتستغرق مدتها 23 ساعة و56 دقيقة؛ ودورة بالنسبة إلى الشمس وطولها حوالي 24 ساعة. والدورة الأولى تسمى اليوم النجمي، والدورة الثانية تسمى اليوم الشمسي. واليوم النجمي لا يهم سوى الفلكيين. أما اليوم الشمسي فنظراً لأنه يمثل حالة الأرض بالنسبة إلى الشمس فأنه أهم عندنا من اليوم النجمي. على أنه لا ينطبق تماماً على دورة الكرة الأرضية حول محورها. وبينما تدور الأرض حول محورها، تدور في الوقت نفسه من حول الشمس. والوقت الذي يمر لدورة كاملة يسمى بالسنة الشمسية، وهو الذي نشير إليه عندما نتحدث عن (سِنة). وهذا هو العام الذي نحاول أن ندونه في نتائجنا الزمنية. وطوله على وجه الدقة 2422 و365 يوماً، أو 365 يوماً و5 ساعات و28 دقيقة و51 و45 ثانية.
وكان الناس من قديم الأزل يستعملون القمر في قياس الوقت. والشعوب الإسلامية تدون نتائجها الزمنية بالشهور القمرية والسنة القمرية تتكون من 12 شهراً قمرياً، يحتوي كل شهر منها على 30 أو 29 يوماً على التتابع.
وكانت سنة قدماء المصريين تتكون من 12، كل شهر منها يحتوي على 30 يوماً. وكان يضاف إلى كل سنة خمسة أيام، فيفقدون بهذه الطريقة يوماً كاملاً كل أربع سنوات مما يسبب اختلاف في مواعيد الفصول بمرور الوقت.
وقد حاول الناس منذ آلاف السنين ضبط نتائجهم الزمنية حتى تنتظم مواعيد الفصول سنة بعد أخرى.
كان الرومان يقسمون السنة إلى عشرة أشهر. وكانت الشهور السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة تسمى على التعاقب سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر، ومنها اشتققنا حالياً أسماء الشهور الأربعة الأخيرة ولو أنها تعد في نتائجها الزمنية الشهور التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة. ثم أضيف بعد ذلك شهران: يناير وفبراير.
ولما كان متوسط الشهري القمري 12 29 يوماً، فقد أدى ذلك
إلى أن تكون السنة 12 شهراً قمرياً أي 354 يوماً.
وتشاءم الناس من كون هذا العدد زوجياً، فأضافوا إليه يوماً منعا للتشاؤم وأصبحت السنة 355 يوماً. ومع ذلك كانت تنقص السنة عشرة أيام مما أدى إلى اختلاف في مواعيد الفصول، ولذلك أضاف الرومان شهرا إضافياً سموه مرمسيدرنياس. ولكنهم لم يقرروا عدد أيامه، بل تركوا ذلك للكهنة فاستعملوه للاستفادة بتحديد أيامه حسب أغراضهم، حتى يستطيع أصدقاؤهم المطالبة بديونهم في وقت أقل من ميعاد استحقاق دفع الديون، أو مد أجل الدين في حالة استدانتهم.
وفي عام 46 قبل الميلاد استنبط يوليوس قيصر نتيجة زمنية سميت النتيجة الجوليانية. وجعل الشهور الفردية 31 يوماً، والشهور الزوجية 30 يوماً، ما عدا شهر فبراير فقد جعله 29 يوماً فإذا مرت أربع سنوات صار 30 يوماً.
وهكذا جعل عدد أيام السنة 14 365 يوماً، أي أطول من
السنة الحقيقية بمقدار ما يقرب من 23 دقيقة.
ثم جاء أغسطس فأخذ يوماً من فبراير وأضافه إلى شهر أغسطس بعد أن سمي بأسمه (وكان يدعي قبل ذلك سكستليس - أي الشهر السادس، كما أن الشهر الخامس (كوينتيلس) سمي بأسم يوليو بالنسبة إلى يوليوس قيصر عم أغسطس). ولكي يتجنب أن تكون الثلاثة أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر ذات أيام عددها 31 يوماً - منعاً للتشاؤم - أخذ يوماً من شهر سبتمبر وأضافه إلى أكتوبر، ويوماً من شهر نوفمبر وأضافه إلى ديسمبر. وهذه هي النتيجة المتبعة حالياً، إلا أنه في السنوات البسيطة أي التي لا يقبل عددها القسمة على 4 يكون شهر فبراير 28 يوماً، وفي السنوات الكبيسة أي التي يقبل عددها القسمة على 4 يكون شهر فبراير 29 يوماً.
وانتشرت هذه النتيجة في أنحاء أوربا. ومع ذلك كان الخطأ البسيط بينها وبين السنة الحقيقية وهو لا يتعدى 0 , 0078 من اليوم، يتراكم بمرور الزمن ويصير عدداً من الأيام.
وفي عام 1582 استنبط البابايوس الثالث عشر (جريجورى) نتيجة زمنية سميت النتيجة الجريجورية. فصحح خطأ الأيام العشر بأن دعا اليوم الذي يلي اليوم الرابع من أكتوبر، اليوم الخامس عشر من نفس الشهر. وجعل سني القرون التي تقبل القسمة على 400 سنين كبيسة. فالسنوات 1600و2000و2400 تعد سنوات كبيسة، أما السنوات 1700و1800و1900و2100 تعد سنوات بسيطة. وبذلك جعل السنة الصحيحة تقريباً. وفي الواقع، تعد النتيجة الجريجورية من الدقة حتى أنه يجب أن تمر 4000 سنة قبل أن يتراكم الخطأ ويصير يوماً واحداً.
وطريقة يوليوس قيصر تدعى الطريقة القديمة، أما الطريقة الجريجورية فتدعى الطريقة الحديثة، وأحياناً ما يؤرخ المؤرخون حادثاً ما بالطريقتين معاً.
ويعد العلماء الصفر القياسي للوقت، اللحظة التي تعبر فيها السمت في مكان ما. وقد اختارت إنجلترا بلدة جرينتس مكاناً لقياس الصفر الزمني، واعترفت به جميع البلاد الأخرى؛ ثم استنبط الفلكيون صفر القياس الزمني، أي بدء اليوم، من منتصف الليل، ومع ذلك لم تعمل به إنجلترا بل ظلت تقيس الصفر الزمني من الظهر.
وتسبق أوقات أوربا الوسطى وقت جرينتش بساعة واحدة. ثم يزيد الفرق عن ذلك كلما بعدت البلدان عن جرينتش.
محمد فتحي عبد الوهاب