مجلة الرسالة/العدد 844/أقوال بصراحة. .!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 844/أقوال بصراحة. .!

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 09 - 1949


أقول بصراحة: إن الجامعة العربية في محنة، وإنها تجتاز مرحلة ينظر إليها العقلاء بعين الرثاء حيناً وبعين الإشفاق حيناً آخر. . . مرحلة سبقها ماض لم يخل من الشوائب، ويصحبها حاضر لا يبرأ من التنابذ، وينتظرها مستقبل لا يبشر الخير. . . وهي خطوات يشيع فيها التعثر والانحراف على كل حال، والذنب - كما يقرره الواقع - ذنب الأفراد الذين يسمون أنفسهم ساسة وقادة، وليس ذنب الأفراد الذين يكوِّنون الشعوب والجماعات!

الشعوب العربية في ميزان التعاطف والسلام والوئام والحب، أيادٍ وليس متحدة وقلوب مؤتلفة. . ولو ترك لها الأمر لتعبر عن دخائل النفوس ومكامن الشعور لاقتربت الآمال المتفرقة، وتوطدت الأواصر المفككة، وتركزت الجهود المشتتة بفعل الفردية المتأصلة في بعض الضمائر والقلوب!

وماذا ينقص الساسة في غمرة الأزمات وزحمة المشكلات؟ ماذا ليقيموا بناء الجامعة العربية على دعائم جديدة تقيها الزلزلة في مهب الرياح والأعاصير؟!

ينقصهم الكثير في هذا المجال، ومن هذا الكثير شيء من الصراحة أولا، وشيء من خلوص النية ثانياً، ومن الثقة ثالثاً، وأخيراً أشياء من التضحية والإيثار وإنكار الذات، وأمانة التعبير عن أهداف الجماعة الكبرى ممثلة في شعب بأكمله، شعب يضم صوته إلى أصوات جيرانه لتنطلق الصيحة الواحدة من أعماق حنجرة واحدة. . . هي حنجرة الأمة العربية في كل بقعة من البقاع، وكل قطر من الأقطار!

تجتمع اللجنة السياسية من حين إلى حين، تجتمع ثم تنفض، ثم لا يعلم أحد أي قرار اتخذت، ولا أي طريق رسمت، ولا أي هدف من الأهداف سعت إليه في طوايا الظلام. . .

لو ملكنا الصراحة لكشفنا للشعوب عما دار من حديث بين أربعة جدران، ولو و ' هبنا خلوص النية لبدت الوجوه سافرة بغير قناع، ولو طبعنا على شيء من الثقة بالنفس والثقة بالغير لما احتلفنا على التافه وقنعنا باليسير، ولو فطرنا على التضحية وإنكار الذات لما تفرَّق الشمل وتصدَّع البنيان، ولو حرصنا على أن نعبر في صدق عن التيارات النفسية التي توجه الشعوب لما بعدت الشقة بين رأي ورأي في حديث الساسة وذهب كل في طريق!!

غموض وحيرة وقلق. . . وهذا هو العنوان الوحيد الذي يجب أن يعلو كل مقال يشير إلى حاضر الجامعة العربية ومستقبلها. ولست أدري ما هي المعجزة التي يمكن أن تطمس تلك الكلمات لتحل محلها كلمات أخرى تبرز لنا عنواناً آخر يضفي على الحاضر المظلم من إشراقه ما يملأ جوانب النفوس بالنور، ويرسل إلى المستقبل المجهول من أقباس ضيائه ما يطمئن الحيارى على مواطئ أقدامهم في مقبل الأيام!

أليس من المخجل أن نتلقى الدروس في كل حين من تلك الدولة التي نحيط بها من كل ناحية إحاطة السوار بالمعصم؟

لقد كان الأمل أن نحيط بها لنزهق بأيدينا المتحدة أنفاس هذا الوليد اللقيط الذي اعترف العالم بشرعية مولده، ولكننا وا أسفاه قد أحطنا به لنتلقى عنه آخر الأمر كثيراً من الدروس. . . الدروس التي تنقصنا وتكتب للشعوب معاني الحياة والبقاء!!

(أ. م)