مجلة الرسالة/العدد 841/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 841/البريد الأدبي
نعي خليل مطران في جريدة الهدى التي تصدر في نيويورك:
رب القريض وسيد القلم ... وفيت قسطك للعلى فنم
هذا البيت الجامع الي عبر به المطران عن شعور العالم العربي نحو اليازجي يصح فيه.
بل ان الشعور بفقد خليل مطران أوفر شمولا وامتدادا لان العالم العبي اصبح أوسع اتساعا بعد ان أنتشر أبناء العربية في مشارق الأرض ومغاربها وهم ما يزالون أوفياء بعهد أوطانهم الأولى، والرعيل الأول منهم شديد التمسك والتفاخر بوطنه ألام. ومعظم المهاجرين من المتكلمين اللغة العربية هم من اللبنانيين. وخليل مطران يمت إليهم بصلة النسب.، لأنه رأى النور في ظلال بعلبك: مدينة الشمس ومهب الوحي العلمي في مسارح الفن والجمال. الا ان خليلاً من الهبات التي جاد بها لبنان على العالم، فصار لا شاعر القطرين فقط بل شاعر الأقطار العربية. وكل للقطر الشقيق مصر الفضل الأكبر في إفساح المجال لإنماء مواهبه وتجلي عبقريته. فافضلت مصر بذلك على عالم العروبة بأجمعه.
ولقد رأينا في شواهد المنزلة العليا التي يحتلها خليل مطران في عالم العروبة بشتى فروعه ما كان من إجماع الرأي في العالمين: القديم والجديد على تكريمه في ذكرى يوبيله الذهبي الذي وافق الاحتفال به في سنة 1947. ففي مصر جرى الاحتفال الرائع في الأوبرا الملكية برعاية جلالة الملك، واقيم في نفس الموعد احتفالا متشابها في سائر الأقطار العربية، كما أقيمت حفلة في نيويورك برعاية جريدة الهدى وبحضور الأستاذ أميل زيدان صاحب الهلال ومندوب لجنة التكريم المركزية في القاهرة، وبمشاركة عدد كبير من رجال الأدبمن مقيمين وزائرين، ومن ساسة العرب وفي مقدمتهم فارس بك الخوري.
وما دمنا قد أكرمنا خليل مطران حيا، اعترافا برفيع أدب هـ وعميم فضله فاحر بنا ان نشارك العالم العربي في تكريم ذكراه برهانا على شدة شعورنا بألم خسارتنا إياه وحقا ان الخسارة بليغة والألم شديد، وإذ نحن نقوم بواجب الذكرى فإنما نقدم على ذلك عن شعور صميم.
وما هذه بالمرة الأولى التي تنهض بها جريدة الهدى للقيام بواجب نحو أدباء أفذاذ افضلوا على عالمنا بما خلفوا فيه من آثار خالدة من نتاج الأدب. وإذا نحن لم نذكرهم جميعا فنكتف بالإشارة إلى شوقي وحافظ والبستانيين عبد الله وسليمان الذين كانت حفلة تكريم ذكرى كل منهم مجلى لا ينبع نتاج الأدبواجمل مظاهر الشعور الصافي بين المهاجرين.
وقد خاطبنا في أمر الحفلة التأبينية للخليل مطران طائفة من الأدباء فاجتمعوا على إقامتها في موعد الأربعين الموافق اليوم العشر من شهر آب القادم. وكان في طليعة المحبذين الأديب المصري الكبير المقيم بيننا الآن في نيويورك الدكتور أحمد زكي أبو شادي الذي كتب إلينا في الموضوع يقول:
(ان فجيعة العالم العربي في شاعره العبقري النبيل لاعظم من ان تصور. وما الغاية من التأبين الا الاعتراف بالجميل واستخلاص العضات والدروس المهمة من حياة مجيدة، وإذا كانت مصر ولبنان تتنافسان في نسبة الفقيد العزيز إلى ربوعهما فلا مشاحة في ان لبنان - مسقط راس مطران - أحق برعاية تأبينه وان كانت مصر قد تصدرت لطبع آثاره ودواوينه).
وقد تلطف الدكتور أبو شادي بقبول تولي سكرتارية حفل التأبين، كما كان قد تلطف بتولي عرافة حفلة التكريم التي أقيمت للفقيد في نيويورك منذ سنتين بقينا بان علينا جميعا واجب التآزر والتعاون في تكريم النبوغ في ذويه وقد كان الخليل في الطليعة.
في النقد الأدبي:
تتجه مراقبتنا إلى الناقدين في هذه الآونة؛ فلم نجد صراحة التنزه عن الممالاة، فافاضة الإطراء تفيض على الناتج ما يباعد بينه وبين المؤاخذة، وإذا كان العمل الأدبي الفذ أساسه (التعبير عن الحياة).، فقد نأى التذوق عن تبيانه على أسلوب قوام مسقط بعيد عن التحامل والدخل!.
وان منهج (النقد الأدبي) يقوم على (الفهم، والأناة، والإلمام والموازنة)، ولكن أداته لم تعد ذات جلال لانحرافها عن القصد إلى الغاية.، فالوساطة قد تغلغلت في حياتنا حتى شملت حاسة الضمير فأبدلته وأثرت في حكمه، والفت رقابته التي لها القول الفصل في الحكم على الأمور.
وأدبالقصة لون يلون (التجربة والخبرة).، لأنه يصور الحياة تصويرا دقيقا.، فينقل المشاهدات من عبارات تختلف قربا وبعدا على قدر الملابسة (النفسية) لموضوع القصة.
ورسالة القاص يجب ان تلم إلماماشاملا بمعنى (التجربة) حتى يجئ عمله الفني صورة حية مشخصة إما م باشرته، على ان لا يوغل في الخيال الجزاف أو الاسترسال المسرف، استدناء لميول (شعبية)، أو استثارة لغرائز بدائية.
نقول هذا بعد قراءتنا قصة للرجل المهم الأستاذ (توفيق الحكيم). . . اسماها (ليلة الزفاف). وحسبك ان ترى في العنوان سمة استمالة الغريزة، لكنك سترى تصويرا لرجل (مثالي) أضفى عليه الخيال الحكيم ما باعد بينه وبين البشرية، حتى كاد ان يلحقه بالتجريد، ويدينه في خلائق النبوة! وان تلك الصورة - الوهمية - على ما فيها من تجاف عمن الواقع (في الحياة)، تدلنا على مدى رغبة القاص في السمو بالمعاني الروحية، ومجانية الماديات، لكنها في الوقت نفسه تثير الغريزة الفوارة بالجسدية عن طريق أسلوب العرض القصصي استجابة للميول (الشعبية) التي أشرنا إليها.
ولقد صورت لنا صورة (البطلة) انها تنام على وجهها (كذا!) ثم تحتضن الوسادة. فهل يرضى الفن الرفيع ان يعبر رجل أصيل في التعبير الأدب ي السامي: (وطوقته وضمته. . . وإذا هو يجد نفسه مكان الوسادة التي اعتادت ان تحتضنها ليلا!).
كان يمكن للحكيم ان يقول: (ودنت منه. . . ثم سبحت روحاهما في سماء الحب القدسي). . . لكنه تعبير شعبي أثره، وليس هذا فيما نعتقد الرمز الصادق لما يسمونه (الأدبالواقعي).
(بور سعيد)
أحمد عبد اللطيف بدر
تعلم اللغة بدراسة الأساليب:
حضرة المحترم الكاتب النابه الأستاذ عباس خضر
قرأت كلمتكم السامية بالرسالة الغراء عن تعليم اللغة بدراسة الأساليب. وقد كنت ارقب من حين إلى حين الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي الذي يتصل بقوميتنا وحياتنا اتصالا قويا.
ولقد راقني جدا الإحاطة بالموضوع من جميع أطرافه، فشفيت نفسي، وأثلجت صدري، غير أني احب ان ازداد فهما لمعرفة استخلاص قواعد اللغة من الأساليب، فانك مع تعليقك عليها لم تشفي غليلي، وتنقع غلتي، لانك أتيت بتفسير من عندك وكان ينبغي ان تأتي البيوت من أبوابها، تسال حضرات المفتشين عن المراد من تعليم القواعد بالأساليب.، لأنني رائيتك تتكلم عن القواعد باعتبار ما كان. حتى انك قلت: (ولا تزال منهج اللغة العربة في المدار مثقلة بهذا النحو، وخاصة في المدارس الابتدائية. فالطفل في السنة الثانية مكلف ان يعرف الفاعل والمفعول به والمبتدأ والخبر ومطالب بتكوين جمل. . .).
وفاتك ان تعرف بان تلميذ السنة الثانية غير مكلف بمعرفة الفاعل والمفعول به ولا بمعرفة تكوين الجمل، فقد حذف النحو من منهجه، وصار يتعلم اللغة بالأساليب من غير استخلاص القواعد. والواقع ان اللغة العربية في أمر مريح وقلق شديد، فمنهاجها في تغيير دائم، فقد يغير المنهاج الدراسي في العام الواحد مرتين أو اكثر - كما حصل في هذا العام - وبجوارها اللغة الإنجليزية لا تغير منهاجها الا في فترات مختلفة متباعدة.
ومنهج اللغة العربية لو اطلعت عليه لوجدته عجيبا غريبا يدعو للسخرية والابتسام، فالمدرس مكلف - كما تعلم - ان يستخرج القواعد من الأمثلة أو بتعبير أدق من الأساليب، ولكن الكتب المقررة لا تفيد المطلوب، ولا المنهج نفسه يعين على الاستخراج والاستنباط.
فتلميذ المدارس الابتدائية حدد له منهج في اللغة العربية يبدا بمعرفة المبتدأ والخبر فكيف يستنبط المبتدأ ويعرف انه اسم وهو لم يعرف الاسم والفعل والحرف؟ ثم يطالبه المنهج بالمطابقة بين الخبر والمبتدأ وهو لم يعرف علامات الإعراب: الأصلية والفرعية ثم يطالبه بالإعراب والتلميذ قد حماه الله من المعرب والمبني، ثم يطالبه بالمطابقة بين الحال وصاحبها والصفة والموصوف، وهو لم يطالب بمعرفة النكرة والمعرفة، ليفرق بين الحال والصفة، إذ الحال ينبغي ان يكون صاحبها معرفة إلى غير ذلك من الأشياء المتناقضة المتعادية، فليس يكفي ان نقول استخلاص القواعد من الأساليب ونسكت، بل يجب ان يبين لنا الأستاذ العميد الطريقة فالأبواب المقررة على التلميذ معلقة بين السماء والأرض. لا تستند إلى شئ، ولا تقف على أساس.
وما تلك الأساليب أهي أساليب عصرية أم قديمة؟ فاللغة العصرية الموضوعة أمام التلميذ إمامفتعلة متكلمة وضعها الواضع للصغار وقد خلت من الرونق والبهاء وإمامختارة من شعراء وكتاب كشوقي وحافظ والمنفلوطي، ولغتهم أعلى من إدراكه، وإذا كانت الأساليب المشار إليها قديمة فتلك أدهى وأمر، فأنت أيها الأستاذ في حيرة معي، فالنحو في المدارس قد بتر بترا، والأساليب غير كافية وغير شافية. فماذا نصنع للإبقاء على تلك اللغة والمحافظة على رونقها وبهائها، لقد ابغضنا النحو والإعراب وحيل بين التلميذ والرياضة الذهنية - كما كان يقال - فماذا يقدم حتى يجد في نفسه لنفسه دافعا يدفعه إلى العناية بها، والتعلق بآدابها؟.
إماأنا.، فمتشائم لان إهمال النحو سيعطي للتلميذ فكرة خاطئة بجانب فكرة خاطئة سابقة فهو سيعتقد ان اللغة محفوظات ومطالعة وإنشاء لا بالمفهوم الذي نفهمه نحن، ولكن بالمعنى الذي يفهمه التلميذ، فأي قصيدة تكفيه، والمطالعة فيها تسامح، والإنشاء أي كلام ينفع لان اللغة العامية لغة عربية، وصدقني ان بعض المدرسين لا يتورع من وضع الدرجة على اللغة العامية ما دام المعنى مستقيما. وبجانب ذلك قد تعلم اللغة الأوربية تعلما صحيحا ودرسها بعناية، واهتم بها ليله ونهاره، فهو يتلقاها نقية من العامية، ويتمرن عليها بجد واجتهاد، إمااللغة العربية فتاتيه بعاميتها، ويقبل عليها من غير اهتمام.، لأنه سينجح فيها اهتم بها أو لم يهتم، وهذه نهاية محزنة، وخطب جسيم يجب ان نتحاشاه فالواجب إذن ان يوضع المنهج وضعا جديدا يلائم بين أبواب النحو حتى يفهمها التلميذ فهماً تاماونقدم إليه أساليب جيدة تختار بعد تمحيص وتنقيب.
فإليك أيها الأديب الغيور كلمتي راجيا منك ان تعاود الكتابة في ذلك الموضوع حتى تصل إلى حل يرضي المفتش والمدرس والتلميذ.
السيد حسين قرون
المدرس بسوهاج الابتدائية للبنات
رد على معترض
قرأت في العدد (833) من الرسالة الزاهرة كلمة في البريد الأدب ي بتوقيع السيد راتب يحيى الشامي. يعترض بها على فقرتين من كلمة سبقت لي في الرسالة بعنوان (ثلاثة جاهدوا فصدقوا).
وفيما يتعلق بتلك الفقرتين انبه المعترض الكريم إلى انه حين يدقق النظر في الكلمة نفسها يجد جواب ما يتساءل عنه في ثنايا الكلام.
على ان الذي عجبت له ان يعرف هذا السيد (الشامي!) أنني من (السلط من شرق الأردن) ثم لا يعرف إلى جانب هذه الحقيقة - التي لم أنكرها يوما - أنني مواطن من فلسطين منذ ما ينيف على الأربعة عشر عاماأساهم في التوجيه الثقافي في هذه الفترة من الزمن. ولقد طفت في مختلف أنحاء البلاد زائرا أو محاضرا، فتعرضت إلى النفر المثقف من أبنائها. ولعلي لا أبالغ حين ازعم ان الكثيرين من هذا النفر الطيب يعدونني في معارفهم ان لم اكن في أصدقائهم.
ولقد عجبت أيضا ان يفوت هذا السيد (الشامي!) - إلى جانب ما عرف - أنني منذ سبع سنوات أحاضر من محطتي القدس والشرق الأدنى، ثم من محطتي دمشق وبغداد (بعد ذلك) عن الأدبوالأدباء في فلسطين من قديم وحديث، حتى انتهيت من هذا كله إلى ان أضع كتابا بعنوان (الأدبفي فلسطين) وان انشر في مجلة الرسالة الزاهرة ما يزيد على عشرة فصول منه، دون ان أجد من يعترض على ما كتبته أو حاضرت به من أدباء البلاد وأبنائها!!.
ثم لا ادري أخيرا كيف فاته ان يعلم ان إدارة المعارف الفلسطينية انتدبتني للعمل في معاهدها بفضل هذه المواطنة التي أشرت إليها آنفا. . . فهل ترى يا أخي المعترض بعد ذلك كله؟ (ان معرفتي بجغرافية فلسطين واهلها (على رأيك) محدودة جداً)، فان كان (خطبك!) - يا أفادك الله - يقف عند حدود الإشفاق على جغرافيا فلسطين (وليس غير؟) فليفرغ روعك، ولتعلم أني ما تحدثت عن مكان الا وقد نطاته قدماي، ولا ترجمت لأديب الا بعد روية وتبصر واطلاع على ما تصل إليه يدي من أثاره. ثم ان الذي نشرته (أو أذعت به) فصول من كتاب، وان في الكتاب ما تفتقده من تتبع تلك الفصول.
ومع ذلك لن يضيرني أبدا ان أجد من يأتي بأوفى مما أتيت به، ويصنع اكمل مما صنعت. فما أنا وذاك الا خادما حقيقة، لا نستوفي عما نصنعه اجراً، الا ان يكون مثل هذا الإعجاب الذي كتمه فؤادك ونم عليه قلمك!.
محمد سليم الرشدان