مجلة الرسالة/العدد 840/خلف الرداء الجامعي
مجلة الرسالة/العدد 840/خلف الرداء الجامعي
للأستاذ أبي حيان
لم أكد آخذ في قراءة كتاب (الهجاء والهجاءون في الجاهلي) للدكتور م. محمد حسين المدرس بجامعة فاروق الأول، وأتجاوز الفقرات الأولى منه، حتى وقفتني هذه العبارة التي يقولها في سياق الكلام عن تصنيف الشعر العربي ونصيب أبي تمام من ذلك في حماسته. قال:
(أما أبو تمام، فهو يخرج الأبيات في كثير من الأحيان عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها. وقد لاحظ هذا الخلط بعض المتقدمين كصاحب اليتيمة) (ص3).
وقفتني هذه العبارة وصرفتني عن المضي في القراءة، إذ أحسست فيها - لأول وهلة - نوعاً من التناقض الصارخ يشيع فيها، ويباعد بين طرفيها، ويضرب بعضها ببعض.
صاحب اليتيمة يعرض لأبي تمام في يتيمته، وينقد منهجه في حماسته، إذ يلاحظ عليه خلطه الأبواب بعضها ببعض؟!
هذا هو العجب العجاب الذي لفتني إليه لفتاً شديداَ، ووقفني عليه وقفاً طويلاً، وأنا أحاذر ألا يكون في طرفي ضل فيه، أو تاه عقلي في أدراك مراميه ومغازيه، ألا أن العبارة - كما نرى - يسيرة صريحة مستوية لا عوج فيها ولا أمت. فما لليتيمة وأبي تمام، وأين يمكن أن يقع منها؟ وكيف له أن يقتحم نطاقها ولم يتجاوز الثعالبي بها الشعراء المعاصرين، أو على حد قوله - في تحديد موضوعها -: (نجوم الأرض من أهل العصر، ومن تقدمهم قليلاً وسبقهم يسير)؛ ومن هنا كانت تسميتها: (يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر). وعصر الثعالبي هو ما بين منتصف القرن الرابع وأوائل القرن الخامس. فكيف أمكن لأبي تمام من أهل القرن الثالث، بل أوائل ذلك القرن، أن يطوي الزمن، ويتخطى أعناق الأجيال، ثم ينضو عنه الكفن، وينفض عنه ركام التراب، ثم ينتفض قائماً، ليستوي مائلاً بين أصحاب الثعالبي ورجال اليتيمة؟!
أليس هذا عجباً عاجباً جديراً بأن يشتت الذهن ويستغرقه، ويثير بعض ألوان الإعجاب بهذه الجامعية الجديدة القديرة على (الخلق الفن)، والجمع بين الاشتات والاضداد؟!
بلى! وتلك هي الأعجوبة التي ساورتني وملكت على مذاهبي منذ نظرت في تلك العبارة السالفة. وقد جعلت الحيرة تشيع في نفسي: بينما كنت أحسبه حقائق مقررة، وصفات ثابتة محررة وبين ما ينبغي أن توحي به الجامعية من ثقة، أن تقترن به في الذهن من ضبط ودقة، وما تدعو القارئ أو الدارس إليه من طمأنينة وإيمان، ومن تسليم وإذعان. فبأيهما آخذ، وإلى أيهما أطمئن وأسكن، ألا أن يتحقق الإعجاز، وتلتحق الأولى بالإعجاز. وهكذا جعلت أسائل نفسي: أو يمكن لهذه الجامعية الجديدة أن تغير طبائع الاشياء، وأن تبدل الأرض غير الأرض والسماء، وتنسخ قوانين الوجود فتضع من تشاء حيث تشاء وأيان تشاء، فتنشر أبا تمام بين ناس غير ناسه، وفي زمان ير زمانه؟!
وبعد، فها هنا إذن نوع من الاستحالة الظاهرة في نسبة هذه الملاحظة إلى صاحب اليتيمة، وهي - كما رأينا - استحالة لا مساغ لها ألا على ذلك المذهب العابث، فكيف تأتي للأستاذ ذلك؟ وأنى صدر بهذه النسبة الغريبة التي كان يجب أن تلفته لو أنه وقع عليها على ما فيها من غرابة على الأقل؟! أن تتبع هذه المسألة يثير بين أيدينا لوناً من ألوان الطرافة بديعاً، فلم يظن علينا الأستاذ الفاضل ببيان المصدر الذي صدر بتلك الملاحظة عنه، وإ كان هو لا يعبأ في كثير من الأحيان بالتنبيه إلى مصادره، فأثبت في الهامش تعليقاُ على تلك العبارة الآنفة: (تاريخ آداب العرب للرافعي 366: 3 نقلاً عن اليتيمة3: 416).
وهكذا تكون - والله - الدقة الجامعية والأمانة العلمية! تاريخ آداب العرب عن اليتيمة! عنعنة جديرة بالبحوث العلمية الجامعية!
على أنه ينبغي أن تكون اليتيمة هذه مصدراً نادراً أتيح للأستاذ الرافعي أن يطلع عليه، ويرجع إليه، ويصدر عنه بتلك الملاحظة، ثم تقطعت أسبابه، وغاب عن حياتنا الأديبة وجهه، فلم يبقى لنا من ذلك ألا ما نقل الرافعي عنه.
هكذا يجب أن يكون الأمر لتكون هذه العنعنة قيمتها، إذا كان من الأوليات المقررة في أسلوب البحث العلمي أن يكون النص في مصدره الأصلي هو الذي لا معدل عنه، ولا مترخص في التزامه، ولا سبيل إلى تجاوزه أو المسامحة فيه، ما دام ذلك المصدر الأصلي ممكناً بأي وجه من وجوه الإمكان، فلابد إذن أن تكون اليتيمة مصدر غير ممكن.
أفكذلك هي؟
أما أن اليتيمة ليست مصدراً ممكناً فحسب ولكنها مصدر قريب ميسور حاضر، فقد طبع غير مرة في دمشق والقاهرة، ولم يبعد العهد بعد بطبعته الأخيرة. ويستطيع أي إنسان - دون أن يكون أستاذاً جامعياً تفتح له خزائن الكتب وتتاح له ذخائر الآثار - أن يمد يده إلى أية دار من دور الكتب، أو أي دكان من دكاكين الوراقين، فإذا به يديه. فكيف ساغ للأستاذ الباحث أن يتجاوز هذا المصدر الأصلي، وهو - كما رأينا - قريب حاضر، إلى مصدر آخر غير مباشر؟ وكيف أجيز في رسالة جامعية أن ينكب عن هذه السبيل العلمية المعهودة، وأن يتحدى على هذا النحو أوليات البحث المقررة؟
وقد فعل الأستاذ هذه الفعلة مرة أخرى، بالنسبة لكتاب ككتاب اليتيمة، ذيوعاً وقرباً، وهو أمالي الشريف المرتضى، فقد تجاوزه في نص من نصوصه نقله في كتابه (ص59)، فلم يتكلف الرجوع إليه والأخذ مباشرة عنه، وإنما اكتفي بأن ينقله من كتاب الرافعي أيضاً!
فماذا عسى أن يسمى هذا الصنيع الذي يصر عليه صاحبه إصرارا، ويكرره تكراراً، وبأي وصف يمكن أن يوصف؟ وماذا يرى الجامعيون في هذا المنهج العلمي الجديد الذي يؤثر الدعة، ويأخذ الأمور من حيث تتفق لا من حيث يجب، ويحسب إنما يكفيه في تحقيق الصورة العلمية أن يورد هذه العنعنة التي لا معنى لها، إلا أن يكون القصد إلا شيء من الخداع الرخيص المفضوح؟!
ومع ذلك، فهذا الخطأ المنهجي، وذلك التحدي لقواعد البحث الاولية، أو ذلك الإهمال والاستخفاف بما يجب للعلم والصفة الجامعية الصحيحة من حق وحرمة. . . كل ذلك ليس شيئاً كبير الخطر بالقياس إلى ما وراءه من منكر علمي لا ندري كيف أباحه الأستاذ لنفسه، وكيف أجازته له الجامعة وأجازته عليه:
الرافعي - بمقتضى ذلك التعليق المعنعن - هو المسؤول المباشر عن تلك الإحالة الظاهرة في نسبة القول في حماسة أبي تمام إلى صاحب اليتيمة. . . هكذا جعله الأستاذ - غفر الله له - في سذاجة وغفلة، وبذلك مثله أمام القارئ المتفحص أدنى تفحص في مظهر شائن من الجهالة بالتاريخ الأدبي، والإغفال، لجانب التحقيق العلمي.
والذين يعرفون الرافعي - رحمه الله وأكرم مثواه - يعلمون علم اليقين أنه كان من سعة العلم وقوة العقل، ونفاذ البصر في حقائق التاريخ الأدبي، أنه كان من سعة العلم وقوة العقل، ونفاذ البصر في حقائق التاريخ الأدبي، ورهافة التذوق لأسراره، والإحاطة التامة بأطرافه المختلفة، والدقة العلمية البالغة، وقوة الشخصية والضمير العلمي الذي لا تتطرق إليه الشبه، بحيث لا يمكن أن يتورط في مثل هذه الإحالة، فيضع أبا تمام بين رجال اليتيمة.
وكذلك كنت مستيقناً منذ أول وهلة أن هذه النسبة إلى الرافعي لا يمكن إلا أن تكون مدخولة، وأنه قد أصابها - ولا ريب - نوع من أنواع التزوير، أو فسرت على لون من ألوان التحريف والتحوير. . . . ومعذرة إلى سيدي الأستاذ - غفر الله لنا وله - فالذي استشعرته سلفاً حققته المراجعة، وها هو ذا نص الرافعي - كما جاء في كتابه تاريخ آداب العرب -: (وقد انتقد كتاب الحماسة حمزة بن الحسين، فزعم أن فيه تكريراً وتصحيفاً وإبطاء وإقواء، ونقلا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليقبها، ولا تصلح لها، إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة، وأمور عليلة).
هذا هو كلام الرافعي بنصه عن حماسة أبي تمام، وقد صدر به عن رسالة لأبي الحسين أحمد فارس، أوردها صاحب اليتيمة في سياق ترجمته له بين رجال (الجيل)، فليت شعري كيف استطاع الأستاذ الفاضل أن يفهم من هذا النص ما قرره من أن صاحب اليتيمة هو الذي لا حظ على أبي تمام أنه (يخرج الأبيات في كثير من الأحيان عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها)؟
كيف جاز هذا الفهم في نص صريح مستقيم هين قريب، لا عوج فيه ولا غرابة ولا تعقيد، إلا أن تبطل العلاقة بين اللفظ والمعنى، وتنقطع الصلة بين الدال والمدلول، وتصبح اللغة عبثاً وباطلاً، أو هذيانا لا مؤدى له؟ ليس في هذا النص إشارة ما إلى صاحب اليتيمة، فمن أين جاء به؟
هذا هو الأمر الذي يغمرني بالحيرة من جميع جوانبي، إذ لا أستطيع أن أجد له تعليلاً، أو أنفذ فيه إلى تأويل، مهما ساء ظني بالقيم الجامعية الجديدة في هذه السنوات الأخيرة، منذ وقعت في ذلك الكتاب على تلك الأبيات التي عرضت لها في (الرسالة) من قبل، وعرفت بها كيف يفهم الشعر القديم في هذه الأيام، وكيف تدرس النصوص الأدبية في بعض حلقات الجامعة!
ولكن الأمر لم يعد - فيما يبدو - قاصراً على النصوص الأدبية التي تحتاج في درسها إلى ألوان من الثقافة مختلفة، فقد أصبحت النصوص التقريرية أيضاً موضع خلط في فهمها والاستدلال بها، فهل في هذا النص الذي بين أيدينا أية علاقة أو شبه علاقة بينه وبين ما فهمه الأستاذ منه ونسبة إليه؟ لا شيء من ذلك مطلقاً، إلا أن يكون قد خيل للأستاذ الفاضل أن حمزة بن الحسين المذكور في النص هو صاحب اليتيمة. نعوذ بالله ونبرأ إليه أن يذهب بنا التشاؤم وإساءة الظن إلى هذه الغاية المنكرة!
فهذه سلسلة من الأخطاء يأخذ بعضها برقاب بعض في نقطة واحدة بعينها لم نتجاوزها إلى غيرها، وكلها أخطاء غليظة فاحشة تبعث الفزع وتثير الرعب من هذا المنحدر السحيق الذي يبدو لنا - من خلال هذه النظرات - أن القيم الجامعية التي ظلت الجامعة زماناً حفية بها، حريصة عليها، قد أخذت تتهاوى فيه، ويوشك أن تتردى في قاعه، إلا أن يقيض الله - جلت قدرته - للجامعة من يستطيع أن يعصمها ويحيد بها عن ذلك المصير المزعج المشؤوم!!
وبعد، فما نريد أن ندع هذا الفصل قبل أن نبين للقارئ كيف كان أبو تمام - في نظرة الدكتور الفاضل - يخرج الأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق به، وهي الدعوى التي ادعاها حمزة بن الحسين في القرن الرابع، وأخذها عنه صاحبنا في القرن الرابع عشر، ثم أبى إلا أن يوجهها ويستشهد لها، ليكون أحق بها وأجدر أن يتبناها، أو لهتف مع الشاعر:
كم ترك الأول للآخر؟
وسنكتفي هنا بأن نورد شاهداً واحداً من الشواهد ساقها تقريراً لتلك الدعوى، لنتبين مبلغ ما أتيح له ووفر في سبيل تبنيها، ونتعرف قيمة تصدى مثله في العلماء، لمثل أبي تمام في الشعراء، نقدا ًله، وتسفيهاً لصنيعه. ولعلنا نستطيع نرى في خلال ذلك مدى فهم الشعر في صورته المجملة، رأينا في ذلك الفصل، مدى فهمه له في صورته المفصلة:
عقد أبو تمام في حماسته باباً سماه باب (الأضياف والمديح قد اعترض أستاذنا الفاضل على عقد هذا الباب بقوله: باب الأضياف والمديح، فهو لا يصلح أن يكون قسماً من الشعر أصلاً، لأن تفريقه على الأقسام الأخرى ممكن، فما يدخل في الفخر فهو حماسة. . . وبعض هذا الباب يدخل الهجاء. . .)
وهذا اعتراض - كما يرى القارئ - متهافت لا قيماً إذ كان تصنيف الشعر أمراً اعتبارياً وليس من قبيل التقسيم العقلي.
على أن هذا لا يعنينا الآن، وإنما نحن بصدد استشارة لدعوى الخلط في أبواب الشعر، وقد أورد في عقب تلك التي اعترض بها من الأمثلة، مما أخطأ - عنده - أبو تمام - وأي خطأ! - فجعلها من هذا الباب، باب الأرض والمديح وحقها عنده أن يكون في باب الهجاء. فخطأ أبى تمام هنا إذن لا سبيل إلى اغتفاره أو تمحل العلل له، إذ هو - لو صح - غليظ كل الغلظ، شنيع غاية الشناعة، أن يمحو اسمه من ديوان الأدباء والمتأدبين، بل جدير أن ينأى عن خواص العامة، والمثقفين منهم أدنى ثقافة، أو الذين يملكوا منهم قدراً يسيراً من الذوق والإدراك، ليلحقه الحفاة الأقدام الذين لا يفرقون بين ما هو مديح ما هو هجاء!
فالاتهام - كما نرى - خطير غاية الخطورة، وبقدر خطورته هذه يحتاج مع الجرأة - وهي موفورة جداً عند صالح فيما يبدو - إلى بذل غاية الجهد في تأييده والتدليل عليه والاستشارة له، والتبسط في ذلك، وتحليل الشواهد تحليلاً تسطع فيه الحجج وتمتلخ به الشبهة. ولكن الدكتور لم يلبث - بعد أن يتشدق بالتهمة ويرفع بها عقيرته - أن انكمش وتضاءل في بسطها وبيانها وتأييدها وتوجيهه، فاكتفى من ذلك كله بالإشارة العاجلة المسرفة في العجلة، إلى بعض الشواهد التي اعتبرها حجة له، بإيراد مطالعها وحسب، دون بيان الموضع الحجة فيها.
وها هو ذا أحد هذه الشواهد، نورده كاملاً عن ديوان الحماسة لنتبين فيه مبلغ المطابقة بين الدعوى والدليل، وقد زعم الدكتور أنه مما يدخل في الهجاء، وهو من شعر حطائط بن يعفر:
تقول ابنة العَّباب رُهم: حربتنا ... حطائط، لم تترك لنفسك مقعدا
إذا ما أفدنا صرمة بعد هجمة ... تكون عليها كابن عمك: أسودا
فقلت، ولم أعي الجواب، تبينى: ... أكان الهزال حتف زيد وأربدا
أريني جواداً مات هزلا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وليت شعري أين رائحة الهجاء هنا؟ ليتني أستطيع أن أدرك مهب هذه الرائحة التي زكمت أنف الأستاذ الفاضل، فجعلته يراها هجاء صريحاً برغم أبي تمام، بل برغم أنف كل من يقرأ الشعر ويلم به أدنى إلمام.
ألا ليت من يدلني على لمحة خفيفة من الهجاء في هذه الأبيات، أم لعلها كلمة (أسود) (ويعني الشاعر بها أسود بن يعفر النهشلي) هي التي غامت في عين الأستاذ واحلولكت، فغمرت جو الأبيات بالسواد، وإن يكن لون المديح أبيض فلون الهجاء لا شك أسود، وكذلك أخطأ أبو تمام - عفا الله عنه - فأقحم في المديح هذه الأبيات السوداء، وقد غفل عن أن السواد لون الهجاء!
أستغفر الله وأتوب إليه!
هذا الشاهد وحده - وسائر الشواهد مثله في مبلغ المطابقة بينها وبين الدعوى - بين لنا بياناً صريحاً قاطعاً مبلغ وفاء الأستاذ بما أخذه على عاتقه وأراد أن يبذ بها الأوائل والأواخر من الاحتجاج لتلك الدعوى، وتعزيز ذلك الاتهام الخطير ضد أبي تمام.
لقد كنا نرقب أن نرى وجهاً جديداً من وجوه المعركة القديمة بين العلماء والشعراء، فإذا بنا أمام مهزلة تملأ النفس خجلاً وتغمرنا معشر أهل العلم بمعاني الخزي والاستخذاء!!
ومن حقنا وحق كل قارئ أن يتساءل إذ كان هذا مبلغ فهم صاحب كتاب (الهجاء والهجاءون) لشعر الهجاء، على النحو الذي رأينا - فيما يزعم - لهذه القطعة من صفة هجائية، فما عسى أن يكون الظن بكتاب يضعه في هذا الفن، ويريد أن يؤرخ به له، ولابد أن يعتمد - أول ما يعتمد بطبيعة الحال - على ما أثر في الأدب العربي من شعر هجائي ليكون مادة بحثه؟
وبعد فهل لنا أن نعتبر هذا مثلاً من أمثلة الدرس الأدبي الجامعي في هذه السنوات الأخيرة؟
وهل لمؤرخي الحياة الجامعية في مصر أن يروا في هذا الكتاب وثيقة تبين بعض مسالك هذه الحياة في هذه الأيام؟
وددت والله ألا يكون الأمر كذلك، وأن يكون مثل هذا الكتاب شذوذاً ولا يؤخذ به وفلتة لا تدل على الحالة العامة، فإنه ليحزنني أشد الحزن ويأخذ بأكظام قلبي أن تتكشف الحياة الجامعية أخيراً عن مثل هذا الاستخفاف، وأن ينفرج الرداء الجامعي عن مثل هذا الخزي!
(أبو حيان)