مجلة الرسالة/العدد 832/سفينة المعارف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 832/سفينة المعارف

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 06 - 1949



في يد (الربان علي أيوب)

للأستاذ عبد الله حبيب

كيف قاد الربان سفينة المعارف؟ وكيف اجتاز بها مصاخب الأمواج الهوج، في مصادم البحر، بين الرياح الرْعن، والمهاوي السحيقة؟؟

الربان مقضي عليه أن يجهد جهده، فيحسب حساب المد والهواء، بين أفاعيل الماء والسماء، ليهتدي في تعاريج تلك المهاوي بين الضباب والأمواج، إلى ما يبغي من سبيل مأمون العواقب، محقق الثمرات.

وقد جهد وزير المعارف جهده، فحسب حساب المد والهواء، ففكر، ودبر، وأنعم النظر فيما كان، وما يجب أن يكون. واستطاع - في فترة وجيزة - أن يقود سفينة العلم والأدب بيد ربان حكيم حصيف. وهو الوزير الذي لم يتدرج - قبل أن يلي الوزارة - في مراحل الوظائف الحكومية، ولم يعرف من (صناعة الحكم) أو أساليب الحكام، ما عرف غيره من الوزراء الذين لابسو شئون الوظائف في مراحلها العديدة. . . وأثبت أن الحكم ليس (صناعة) تستوجب المران والتمرس، ولكنها تستوجب العقل الراجح والوعي الشامل والأفق الفكري المترامي الأنحاء.

وقد أقبل على وزارة المعارف مفترضاً أن شئون التعليم وشئون رجال العلم والأدب (قضايا) يجب أن تدرس بعقل المدرة المستنير، فجعل لكل قضية من تلك القضايا واجباً في عنقه. وراح يقرأ ويقرأ مئات من الأضابير في مئات المسائل، وما زال حتى وضحت أمامه المعالم، واستوى الطريق، فأخذ يقضي في تلك القضايا - واحدة إثر أخرى - بأحكام قاض عادل متزن. وحالف التوفيق تلك الأحكام، فجاءت موضع الإعجاب والتقدير.

وكانت (قضية الأدباء) أول قضية استهل بها عهد أحكامه العادلة، يوم نظر إليها نظرة وطنية شاملة فرد إلى طائفة منهم حقوقاً كانت ضائعة، وجعل يبحث ويبحث عن حقوق بقية الأدباء ليردها إليهم، ويدفع الظلم عنهم، بقلب وطني شجاع، لا يخشى فيما يراه حقاً لوم اللائمين وتعنت المتزمتين، ويقول في ذلك: إن العلم والأدب لا وطن لهما، ولا حزبية فيهما، وإنه أراد بما فعل أن يوحد الجهود في سبيل العلم والأدب؛ راجياً أن يكون علمه هذ فاتحة خير لتوحيد الجهود في سبيل قضية الوطن.

وقد أعلى بذلك شأن الأدب - في عهد الفاروق - أعلى الله شأنه، وأكرم الأدباء أكرم الله صنيعه، ولقي في سبيل إنصافهم ما لقي من عنت ولوم واحتجاج، فكان عزاؤه ما لهجت به الألسنة من الثناء عليه، والدعاء له، ورضاء الأمة عن عمله، وعرفانها لجمليه.

ونفي عن الأدباء - بما فعل - تهمة التعطل والتعطل والميل إلى الكسل وتلمس الرزق من أيسر طريق. فأظهر الناس على أن الأدباء (كفايات) مذخورة للوطن، يجب أن يعلو بها الوطن، وأن الأمة التي تطمس حق أدبائها، وتأخذهم بجريرة الحزبية البغيضة، لا خير فيها ولا أمل يرجى في صلاحها.

أما بقية القضايا فهي في طريقها إلى النور، وسوف تظهر أحكامها السديدة الرشيدة لكل ذي عين وبصيرة، ناطقة بما وهب الله قاضيها من سداد ورشاد وبصر وإيمان.

وأما السفينة بما فيها ومن فيها، فهي في طريقها إلى شاطئ السلام وبر الاطمئنان، يقودها ذلكم (الربان) الذي عرف من أفاعيل الماء والهواء، والرياح الرعناء، ما لم يعرفه ربان قديم.

ولم يبق أمام هذا الربان القدير سوى بعض صخور وبعض أعشاب تنساب فيها الأفاعي والحيات. ومن يدري!! فلعله (رفاعي) يرود الأفاعي والحيات، ويعرف كيف يخدرها بتعاويذه وأدعيته، ثم يستلها من بين تلك الأعشاب، فيكسر أنيابها ويقي الناس من سمومها، ويصل بالسفينة إلى شاطئ السلام، بعد القضاء على الصخور والأعشاب.

وسيعرف الناس - بعد ذلك - أي جهد بذل هذا الوزير العادل، وأي مجد بنى لأمته في محيط العلم والأدب.

أما أدباء مصر، فقد أصبح في أعناقهم لهذا الوزير المنصف العادل دين أي دين، وكذلك علقت بنفوسهم أكبر الآمال في عدله وبره ورعايته وتعميم فضله وتقديره لأهل العلم والأدب.

عبد الله حبيب