مجلة الرسالة/العدد 831/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 831/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
التوجيه السامي والأدباء:
حيا الله الفاروق العظيم، فقد اقتضت رعايته لهذه الأمة أن يكون توجيهه الكريم السامي فارقاً بين أمر وأمر، أو قل بين خير وشر. لقد راعه أن رأى روح الحزبية يطغى على الصالح القومي، ويحول دون استفادة البلاد من كفايات بعض أبنائها، لأن غباراً مما يثار بين الأحزاب يعلق بأشخاصهم، بل قد يفضي الأمر إلى استهلاك هذه الكفايات في ضروب من الصراع الشخصي الزائل، فلا يكاد يبقى من طاقاتهم شيء للعمل الصالح الخالد.
فكانت التفاتة الرعاية من الفاروق لخير هذه الأمة، التنبيه على وجوب النظر إلى المسائل العامة نظراً قومياً، وألا يحول شيء دون انتفاع الوطن بكفايات من أنجب.
وكان من أثر ذلك التوجيه الملكي السديد، أن استجاب له معالي الأستاذ علي أيوب وزير المعارف بما صنع من التقدير والتكريم للأدب في أشخاص أربعة من كرام الأدباء، هم الدكتور طه حسين بك والأستاذ علي محمود طه والأستاذ محمد سعيد العريان والدكتور زكي مبارك؛ فأحسن التلقي من القائد الأعلى، وأحسن عملا؛ وقد كرم أيضاً بذلك المثل الأعلى لولاة الأمور في شخصه العظيم. وإذا كانوا يقولون: العلم لا وطن له، فقد أضاف معاليه إلى هذا القول - بلسان العمل - أن الأدب لا حزب له. والعلم والأدب والفن أخوة لأب واحد هو الفكر الفائق.
وبعد فقد وضع معالي الوزير بذلك الصنيع عنوان الكتاب والمأمول بعد ذلك أن يقوم بتأليفه. . فإن هناك غير أولئك الأربعة أربعات من الأدباء، ما أجدرهم بأن يتم بالالتفات إليهم وتقديرهم تأليف الكتاب، وما أجدر معاليه أن يبحث عنهم بإبرة العالم، ولا يخفى عليه أن الأدباء أهل كبرياء وذوو حماقة. . . وأن كبرياءهم وحماقتهم تمنعانهم من كثير مما يظفر به (العقلاء) فليقرب إليهم - متفضلا - ما أبعدته عنهم كبرياؤهم، وليغض - جزاه الله صالحة - عن حماقاتهم.
في وزارتكم يا معالي الوزير، وزارة العلم والثقافة، جمع ذو عدد من الأدباء الذين يعرفهم الجمهور بإنتاجهم، وقد حشد أكثرهم في الإدارة العامة للثقافة مع من حشد فيها من غيرهم.
للقيام على ما تختطه للتثقيف العام من الوسائل الأدبية والفنية. يعيش هؤلاء الأدباء في غمار الموظفين، لا ينالون ما هم أهل له - بحكم مواهبهم وآثارهم النافعة - من وسائل العيش الكريم؛ ومما يتذرع به لتأخيرهم شيء اسمه (الأقدمية) يقدم عليهم من لم تقدمهم السنون في غير العلاوات والدرجات. . .
ومن أولئك الأدباء من أفسدت الحماقة عليه أقدميته، ومنهم من ألزمته حماقته العزلة اليائسة الساخرة، وجعلت هذه الحماقة بعضهم ينتظر ركب الزمن المتواني. والحماقة، بما فيها من الكبرياء، فنون. . .
والخطير في الأمر يا معالي الوزير، أن ما تجره حماقة أولئك الأدباء عليهم يكاد يستنفد الطاقات ويستهلك الكفايات. فهلا أنقذت الأدباء من حماقاتهم وأغضيت عن كبريائهم وبحثت عنهم. . . لتيسر من أمرهم ما يعسرونه على أنفسهم بحماقاتهم، وتقدمهم إلى ما هم خليقون أن ينهضوا به، إتماماً للعمل بتوجيه الفاروق العظيم نحو خير هذا الوطن العزيز.
الصحافة والفن:
ألقى الدكتور محمد صلاح الدين بك محاضرة موضوعها (الصحافة والفن) يوم السبت الماضي في قاعة فاروق الأول بنادي نقابة الصحفيين، فبين أهمية الفنون للمجتمع قائلا بأنها علاج روحي لأمراض الأمم النفسية، ثم انتقل إلى موقف الصحافة من الفن، فقال إن صحافتنا تقدمت تقدماً كبيراً في النواحي المختلفة، ولكنها مقصرة في حق الفن؛ حقاً إن أكثر الصحف يخصص كل منها صفحة أسبوعية للشئون الفنية وتصدر بعض المجلات خاصة بالفنون، وحقاً أيضاً إن النقد في هذه المجلات وفي تلك الصفحات قد تجرد مما كان يسوده قديماً من التأثر بالعلاقات الشخصية، إلا أن الصحافة على العموم تنظر إلى الفن على أنه شيء كمالي، لا تهتم به كما تهتم بالشئون السياسية والاجتماعية، ولا تضع لها فيه خطة تسير عليها كما تفعل في تلك الشئون، وهي لا تعني بالبحوث الفنية من الناحية العملية التطبيقية، فتنظر مثلا هل عناية الحكومة بالفنون كافية أو لا، وهنا ذكر المحاضر أنه تتبع خطب العرش من سنة 1924 إلى الآن فلم يجد بإحداها كلمة واحدة عن الفن، وقال إن الصحافة هي التي تستطيع أن تحمل الحكومة والشعب على النظر إلى الفنون باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة، تجب العناية بها كما يعنى بسائر الأمور.
وقد تحدث الدكتور صلاح الدين عن تقصير الصحافة والحكومة والشعب نحو الفنون، وبين خاصة موقف الصحافة من حيث أنها لا تختط لها خطة في خدمة الفن كما سبق، ولكنه لم يحدثنا عن أهل الفن وهل هم يؤدون رسالتهم الفنية أو هم أيضاً مقصرون، ولم يذكر لنا الخطة التي رسموها للغايات الفنية في هذا البلد، إن كانت لهم خطة.
ولست أدري أظلم الصحافة أم حاباها حين أخذ عليها أنها لم تتخذ لها منهجاً في خدمة الفن. . . والذي أراه أن خطة صحفنا ومجلاتنا إزاء الفن وأهله واضحة كل الوضوح، وهذه الخطة ترتبط بالإعلان عن الأفلام والروايات بها. . . وتقوم خطة صحافتنا الفنية على استغلال الرشاقة والجمال والفتنة والإغراء لدى الممثلات والراقصات وعلى ما يسود البيئات الفنية من الحرية في العلاقات وعدم التحرج من كثير مما يتحرج منه سائر الناس، فمن أخبار شخصية ماجنة إلى صور مغرية فاتنة، فهذه ممثلة تحافظ على رشاقتها بتمرين تنام فيها على قفاها وترفع رجليها إلى أعلى. وهذه راقصة تبادل ذاك الممثل قبلة عميقة يهتز لها كيان القارئ العزيز. وأيسر ما تشتمل عليه هذه الصحف هو النقد، وكثيراً ما يكون مرتبطاً بالاعتبارات التي قال المحاضر إنه تجرد منها.
ليلة الإسراء في سفارة الباكستان
دعا سعادة سفير الباكستان إلى الاحتفال بليلة الإسراء في دار قسم الصحافة والاستعلامات بالسفارة الباكستانية. وكانت ليلة تجلت فيها وحدة الشعور بهذه الذكرى الدينية المقدسة بين أمتين إسلاميتين، مصر والباكستان، وأثيرت فيها آمال العروبة والإسلام في حياة كريمة قوية تليق بسالف المجد وتبعثها عظمة الروح الكامنة في خير تراث على الأرض.
ابتدأ الحفل مدير قسم الصحافة بالسفارة، واختتمه سفير الباكستان، فرحبا وشكرا، وأشادا بجلال الذكرى ونوها بروح الإسلام وحاجة العالم إلى رسالته إزاء المادية المتفشية، وألقى صاحب المعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه باشا كلمة قيمة قال فيها إن لهذا الاحتفال مظهراً اجتماعياً وأدبياً إلى مظهره الديني، لما يشتمل عليه من تبادل الشعور وجمال التعبير، وأشار إلى الاتجاه القويم الذي تسير عليه دولة الباكستان من حيث ربط مصائرها بمصائر البلاد العربية الإسلامية.
وقال الأستاذ محمد مصطفى حمام في كلمته الظريفة إننا في هذه المناسبات: ليلة الإسراء، والمولد النبوي، والهجرة الشريفة، وما إليها، نحتاج إلى تجديد إيماننا بل إلى اعتناق الإسلام من جديد
وأنشد الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي قصيدة تحدث فيها عن قصة الإسراء والمعراج حديث الشاعر المفتن الممتع، وقد ختمها بقوله:
إن من شاقه السمو لواد الـ ... غيب فليحي ليلة الإسراء
يذهب الدهر ليلة بعد أخرى ... وهي فيه حنينه للبقاء
وقد أثار الدكتور منصور فهمي باشا مسألة فلسطين، من حيث مناسبة المسجد الأقصى في الإسراء، فعبر عن الألم لما يحيط به من القلاقل والمخاوف؛ وقد بدأ الدكتور كلامه بأنه لا يحسن الكلام على ليلة الإسراء لأنه ليس من رجال الدين، واستند إلى ذلك عندما أخطأ في إيراد آية من القرآن الكريم. ولا أرى هذا العذر خيراً من الذنب، فقد كان الدكتور عميداً لكلية الآداب وأستاذ الفلسفة الإسلامية بها وهو عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية، ومن كان في مكانه لا تبعد عنه مناهل العلم الإسلامي وأنا لا أحب هذه الكلمة التي جاءت إلينا من الخارج وهي (رجال الدين) فكل مسلم رجل دين.
وقد قفي الدكتور حسن إبراهيم حسن على أثر الدكتور منصور فهمي باشا فتواضع تواضعه. . . وقال قولته تلك، كما قال إنه إنما يعرض للأمر من ناحيته التاريخية البحتة. والدكتور حسن إبراهيم كان أيضاً عميداً لكلية الآداب ولا يزال أستاذاً للتاريخ الإسلامي بها. وقد سلك في حديثه عن الإسراء مسلك الرواية، أعني أنه روى عن فلان، كأنه كان يقرأ في كتاب من كتب السيرة النبوية فلم يقص القصة متماسكة ولم يقل شيئاً من عنده ولا من أسلوبه.
وتطوعت السيدة ملك في ختام الحفلة لغناء قصيدة (وحقك أنت المنى والطلب) فأبدعت فيما لم تخرج فيه عن التلحين المرسوم في غناء أم كلثوم. . . وقد بدت خفيفة مرحة، تضحك وتبادل الدعابة، مما حفز الدكتور زكي مبارك على إدناء مجلسه من المنصة وهو مبرنشق يبدي رغبته في اختطافها لولا أنها في حمى معالي الوزير. . .
عباس خضر