مجلة الرسالة/العدد 83/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 83/الكتب
ضحايانا الأطفال
تأليف أجنس دي ليما
ترجمة الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف
طبعته لجنة التأليف والترجمة والنشر وثمنه 10 قروش
تعتبر تربية النشىء وإعدادهم للحياة من أهم المسائل وأجدرها بعناية أولى الأمر وسواهم من المربين والكتاب؛ وتشعر مصر في نهضتها الحالية بشديد الحاجة إلى تقرير سياسة عامة تأخذ بها في تربية أبنائها، ذلك أنها قضت زمناً طويلاً تحت تأثير عوامل مختلفة امتد خطرها فشمل جميع نواحي الحياة، وفي مقدمتها أمور التربية والتعليم، فقد احكمت الأغلال وأقيمت العراقيل في تلك الناحية الجوهرية من نواحي التقدم، وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت سياسة التعليم عندا مهلهلة، وصارت ثقافتنا مذبذبة، وظلت مصر في لبس من الأمر تسير إلى غير قصد، ولا تستند في سيرها إلى مبدأ
لذلك يحق لنا أن نغبط بكل بحث في التربية يضطلع به من تأخذه الغيرة من أبناء مصر، ولقد اعتزمت لجنة التأليف والترجمة والنشر، أن تضم إلى مجهوداتها المتنوعة في نشر الثقافة إصدار سلسلة من كتب التربية بين معرب ومؤلف، تحت إشراف الأستاذ اسماعيل القباني تحاول فيها كما جاء في مقدمة الأستاذ في هذا الجزء الأول من السلسة، (أن تبسط على التتابع النظريات والاتجاهات السائدة في عالم التربية في الوقت الحاضر، والأسس الاجتماعية والسيكولوجية التي تقوم عليها، وأساليب تطبيقها في نختلف الظروف والبيئات، ونتائج التجارب التي أجريت عليها) وغاية القائمين بهذا العمل الجليل أن يمهدوا السبيل لأن (تكون لنا فلسفة للتربية توفق بين أحدث الآراء في العالم من جهة، وأغراض النهضة القومية التي لاح فجرها في مصر من الجهة الأخرى)
وهذا الكتاب، الذي أحدثك عنه هو الحلقة الأولى من تلك السلسلة المباركة اضطلع بترجمته الأستاذ الجليل محمد عبد الواحد خلاف مدير إدارة الجمعية الخيرية الاسلامية، فأخرجه على الرغم من شواغله الجمة على خير ما يرجى من جمال سبك وحسن نظام ولهذا الكتاب في موضوعه، وفيما انتهج من طريقة أهمية فريدة، ذلك أنه ليس من تلك الكتب التي تتناول موضوع التربية من ناحيته الجافة، ناحية النظريات العلمية المجردة التي تهتم بالقضايا دون الوقائع، أو بعبارة اخرى تهتم بمبادئ العلم دون من تنطبق عليهم تلك المبادئ من الاطفال، فان تلك الكتب النظرية في منحاها محصورة الفائدة ثقيلة في الغالب تتطلب من القارئ صبراً طويلاً، وجهداً كثيراً، لي يستخلص منها ما يرجو من فائدة، وإن كان ما يصيبه منها في النهاية معاقاً بقواعد العلم أكثر منه بغايته
وإنك لتستبين روح الكتاب من عنوانه، فمؤلفته تنكر النظم المدرسية التقليدية، وتعتقد أننا نضحي بأولادنا ونعاملهم كما لو كانوا أعداءنا بالقائهم في تل الأبنية التي هي أشبه بثكنات الجند، حيث يكتنفهم جو خانق بغيض من قوانين ونظم، يؤخذون بها أخذاً في كل صغيرة او كبيرة من حركاتهم، وحيث يجرعون من مواد الدراسة مالاً غنية فيه من معلومات يسأمونها وفنون من القول والعمل يساقون اليها في طرق عسكرية، توبق أرواحهم، وتطمس على قلوبهم وتغل نشاطهم، وتحول بينهم وبين الاستقلال الشخصي والنبوغ الذاتي
ولن تقف المؤلفة في كتابها موقف الهادم، بل إنها تسلك طريقة إيجابية، فتعرض على القارئ كثيراً من التجارب العملية في بعض المدارس الحديثة بأمريكا ومبلغ نجاحها، وما أنتجه من أثر في تغيير وجهة التربية تغييراً يمهد السبيل لناء هذا العلم من جديد على أسس عملية، تحل مشاكله وتضمن للطفل ما يرجى له من سعادة، وما يرجى منه للمجتمع
وتلك الروح العملية هي الميزة الفذة لهذا الكتاب التي سبق أن أسرت اليها، فهو خلاصة تجارب مربية متحمسة لمبدئها عاملة على إسعاد الطفل وإعداده لحياته خير إعداد. وهذه الميزة فضلاً عن عظيم فوائدها قد خلصت الكتاب من روح السأم وأنجته من الثقل، فأنت تطالعه في تشوق واستمتاع، وتقف منه على أمور كثيرة شيقة، كاستخدام مقاييس الذكاء واستكشاف الفرد، والسير وراء الطفل، وحالة بعض المدارس التجريبية، ومدارس العمل مع الدراسة واللعب، وتجارب بعض أساطين التربية في مختلف مراحل التعليم وسواها من المسائل العملية
والأستاذ المترجم بطويل خبرته، ونافذ بصيرته، وضلاعته في الانجليزية، كفيل بان يحفظ للكتاب روحه في لباسه العربي، وأنا وإن أقرأ الأصل، أحس من دقة الأداء ومن سهولة الفهم واستواء التراكيب العربية، على بعد ما بين اللغتين من الاختلاف في البناء والأسلوب، أن التعريب قد تم على خير ما يرجى اتباعه في تناول مثل هاتي الكتب الدقيقة، فاذا أضفت الى هذا أن الاستاذ خلافا متحمس لهذه النظرية، كثير الترديد لها في أحاديثه كلما تطرق الحديث الى نقد التربية في مصر، أيقنت معى أنه خير من يضطلع بنقل هذا الكتاب الى لغتنا
وإني لعظيم الغبطة، إذ أقدم هذه الحلقة الأولى، أو هذه الباكورة الطيبة من سلسلة التربية، الى جمهور المربين والمدرسين وعامة القراء، شاكراً للأستاذ خلاف حسن اختياره وحميد مجهود
الخفيف
الاسلام والحضارة العربية
تأليف لجنة التأليف والترجمة والنشر وثمنه 15 قرشاً
أصدرت لجنة التأليف والترجمة والنشر الجزء الأول من كتاب الاسلام والحضارة العربية، وقد طبع في دار الكتب ويقع في نحو ثلثمائة وستين صفحة
أوحت فكرة هذا الكتاب إلى مؤلفه الجليل الأستاذ كرد علي، أريحية عربية نبيلة، تتبينها في مثل قوله (وسبيل هذا الموجز الآن تصحيح هفوات من أساءوا وما برحوا يسيئون للعرب ودينهم ورسولهم ومدنيتهم وذكر ما أثرته الحضارة العربية في أمم الغرب والشرق، وما مني به الاسلام، لما غير أهله ما بأنفسهم، من خصماء غير رحماء، نالوا من روحه وجسمه فالتاثت أحواله وتنكرت معالمه والألماع إلى ما قام به المسلمون بعد طول الهجعة، يلبون على استعارة مجد أضاعوه، وعلقوا اليوم يقطعون إليه أشواطاً، حتى لم يبق أمامهم غير مراحل لبلوغ الغاية)
وما أحسب تسمية هذا الكتاب بالموجز إلا تواضعاً من صاحبه، فهو من الكتب الحافلة بشتى المسائل والبحوث. ثلثه الأول يدور حول الرد على مخالفي الاسلام وتفنيد مزاعمهم وبيان منازعهم في الخلاف، فتقرأ فيه كثيراً من التهم التي ألصقها المتعبون بالاسلام والرد عليها في قوة حجة وسلامة منطق، يصحبهما الهدوء والرزانة، كما يدعمهما سعة الاطلاع ونفاذ البصيرة، ومن أمثلة المسائل التي يتوق كل مسلم بل كل منصف إلى الوقوف على حقيقتها، والتي شرحها الأستاذ أحس شرح وفندها خير تفنيد، ما نسب إلى الاسلام من مذابح دينية وما اتهم به المسلمون من إحراق مكتبة الاسندرية، ومن بغضهم حرية الفكر وتعصبهم ضد العلم، وما يردده الشعوبيون من أباطيل وتهم كمسألة صدق الرسول في دعوته، والقضاء والقدر وتعدد الزوجات والطلاق والحجاب والاسترقاق والربا والتصوير والنقش. . . الخ.
ولم يقتصر الأستاذ المؤلف على ما ساق من براهين، بل لقد مكنته سعة اطلاعه من عرض أقوال المبطلين، مشيراً إلى ما ينهض منها حجة على أصحابها وما ينسخ منها بعضه بعضاً، كما أنه كان موفقاً غاية التوفيق في بيان العوامل التي أدت الى جفاء الغربيين في موقفهم من الاسلام، وفي بيان ما يقعون فيه من أخطاء وأسباب تلك الأخطاء، التاريخي منها والديني والثقافي، مما يعد بحق من أجل الخدمات التي يؤديها رجل نحو دينه ويضطلع بها عالم ابتغاء الحقيقة
وفي ثلثي الكتاب الباقيين، يستعرض الأستاذ كرد علي أحوال العرب منذ جاهليتهم، فيتكلم عن العرب قبل الاسلام وديانتهم وأثر المدنيتين اليهودية والنصرانية فيهم، ثم عن العرب في الاسلام، مبتدئاً بشرح عاداتهم وأخلاقهم وأثر الاسلام فيهم مورداً رأى لبون ودوزى في الفتوح العربية، ولقد عني ببيان ما عرفه العرب من علوم ومبلغ عناية خلفائهم بالعلم وتشجيع العلماء، وبين مواطن اللغة العربية وأثرها في اللغات الشرقية والغربية
وكان طبيعياً بعد ذل أن يتعرض لوصف حال الغرب في شباب الاسلام، فيقابل بين ما كان يتمتع به العرب من نور ونظام، وما كان يتخبط فيه الأفرنج من فوضى وظلام، وأشهد لقد كان معتدلاً منصفاً في هذا الباب، فلم يجر على سنن غيره من متعصبي الغرب، ولن تحس له حقداُ او تتبين في نقده سخيمة او ضغناً بل كان رائده الدليل والحجج التاريخية
ولقد قدم هذا الباب توطئة لبيان أثر العرب ومدينتهم في الغرب، فن له من هذا الوضع الطبيعي وهذا الترتيب المنطقي خير مساعد، وراح يعرض لنا ما كشفه العرب وما ابتكروه وما نقلته عنهم أوربا عن طريق اسبانيا وصقلية وجنوبي إيطاليا، ثم عقد في خاتمة هذا الجزء أربعة فصول هامة، قارن في أحدها بين موقف المسلمين وأعدائهم في الحروب الصليبية، وبين في فصلين منها غارات المغول والأتراك والمستعمرين من الغربيين على بلاد المسلمين وغيرهم، وشرح في الفصل الأخير اثر المدينة الغربية في البلاد العربية وما تخللها من خير وشر
وإني لأتقدم بجزيل الثناء إى الأستاذ كرد علي، موقناً أن من يطالعون هذا الكتاب من أبناء العربية سيشكرون له شدة إخلاصه وحسن بلائه
الخفيف