انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 825/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 825/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 04 - 1949



الموالي في العصر الأموي

تأليف الأستاذ محمد الطيب النجار

بقلم الدكتور محمد يوسف موسى

كنت دائما أرى أنه من الخير أن نغير من فهمنا للتاريخ عامة والإسلامي خاصة، ومن الغاية التي ندرسه من أجلها، ومن المنهاج الذي نصطنعه في دراسته. فقد أعتاد الباحثون في التاريخ العناية التامة بالأحداث السياسية في كل تفاصيلها، ولكنهم يهملون تماماً أو يكادون التأريخ للنواحي الاجتماعية والفكرية ونحو ذلك من مقومات الحضارة الإسلامية، هذه النواحي التي توفر على دراستها واستخراج النتائج والعبر منها نفر من أفاضل المستشرقين.

كنت دائماً إذاً أن أنقد طريقتنا في دراسة تاريخنا الإسلامي، وأدعو إلى الأخذ بطريقة أخرى تكون غايتها الأولى دراسة الحضارة الإسلامية؛ بمعنى ألا نسرف في العناية بالناحية السياسية، هذه الناحية التي لا يجب أن يكون القصد من دراستها إلا بالقدر الذي يتيح لنا أن نفهم تماماً ما كان من تطور في نواحي الاجتماع والفكر وما يتصل بذلك من ألوان الحضارة.

من أجل ذلك أراني مسروراً حقاً إذ أقدم لقراء (الرسالة) كتاب (الموالي في العصر الأموي) لمؤلفه الفاضل الأستاذ الشيخ محمد الطيب النجار أحد أساتذة التاريخ الإسلامي بالأزهر، والحائز لدرجة الأستاذية في التاريخ. أن هذا الكتاب، في الغاية التي قصدها المؤلف، وفي المنهاج الذي سار عليه، يحقق ما كنت أرى أن يكون في دراسة التاريخ الإسلامي.

بحث الأستاذ - ؤ قد أخذ نفسه حقاً بالحيدة التامة إزاء صراع الأحزاب والمذاهب، وبأن يكون غرضه البحث عن الحقيقة وحدها - في الفصل الأول من الكتاب نشأة الرق في الإسلام والعصبية العربية التي تحولت فيما بعد إلى عصبية إسلامية، وحالت الموالي الاجتماعية قبل العصر الأموي. وفي الفصل الثاني توفر في بحثه على تصوير حالة الموالي في العصر الأموي، هذا العصر الذي كان يموج بالعصبية موجاً حتى كان نافع بن جبير بن مطعم إذا مرت به جنازة قال: (من هذا؟ فإن قالوا قرشي قال وا قوماه! وإذا قالوا عربي قال وا بلوتاه! وإذا قالوا مولى قال هذا مال الله يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء)! ص35.

وفي الفصلين الثالث والرابع تناول البحث سياسة الدولة الأموية نحو الموالي، وكيف وجد الأمويون أنفسهم في هذه المشكلة بين تيارين عنيفين: الإسلام وما يدعو إليه من عدالة عامة ومساواة بين الأجناس، والعصبية الجنسية العربية الحادة التي لم تقبل هوادة إلا في عهد عمر بن عبد العزيز. وأنتهى البحث بالإشارة إلى أن الموالي لم يجدوا لأنفسهم فرجاً إلا في التوفر على العلم والسيطرة على الحركة الفكرية فكان لهم من الرفعة من هذا السبيل عوض ما فاتهم بسبب التعصب عليهم من الدولة والأفراد؛ ثم مقاومة تيار العصبية العربية بتيار آخر قوي هو تيار الشعوبية؛ وأخيراً مؤازرة الحركات الثورية، التي انتهت بزوال الدولة الأموية، وذلك لكي ينتقم لأنفسهم، وتكون دولة جديدة يكون لهم فيها مركز السيادة والقيادة.

هذه الوسائل الثلاث، التي حاولوا بها استرجاع مجدهم الذي قضى عليه الإسلام، هي موضوعات الفصول الأخيرة من الكتاب. وبعدها كانت خاتمة ونتيجة البحث كله، ثم بحث خاص بالرق والولاء في الإسلام لصلة هاتين المسألتين بموضوع البحث العام الأصيل.

هذا هو موضوع الكتاب الذي نقدمه الآن للقراء؛ وقد رجع المؤلف في بحثه إلى أمهات المراجع الأصيلة العربية والأجنبية، وسار في معالجته على نور وبصيرة وفي أسلوب علمي واضح؛ وإن كان النقد الدقيق يجد في لغته وأسلوبه أيضاً بعض الهنات.

وهنا أجهر مرة أخرى بكل قوة بضرورة أن يخرج الأزهر من بقية الجمود الذي يلابسه فيعني عناية شديدة باللغات الغربية، ويقرر دراسة بعضها دراسة جدية منذ أول مرحلة الدراسة الثانوية، بحيث لا ينتهي الطالب من الدراسة العالية حتى يكون أجاد لغة واحدة على الأقل وألم بلغة أخرى. ذلك ضروري وبديهي لطلاب الأزهر، إذا أردنا أن يكون منهم علماء حقاً، وإذا كنا حقاً جادين في دراساتنا.

محمد يوسف موسى