مجلة الرسالة/العدد 811/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 811/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 01 - 1949



مستقبل الشعر:

تساءل الأستاذ (توفيق الحكيم) في عدد أخير من (أخبار اليوم) عن مستقبل الشعر والشعراء. وهل آن لدولة الشامخة أن تودع العالم بين صخب التطور وجلبة الاندفاع إلى المستقبل الذي تهرول نحوه الشعوب في سرعة لا تعرف البطء، وعزم لا يدركه الكلال.

والذي رفع الأستاذ (الحكيم) إلى هذا التساؤل هو ما يراه من أفول يصيب نجم تلك الدولة الهرمة، ثم حاول أن يعلل له بما كان من أمر هذه الديمقراطية التي جعلت الآداب موجهة إلى الطبقات الوسطى والدنيا قبل أن تكون موجهة إلى الخاصة، وهذه الطبقات في رأي الأستاذ غير موجهة لتلقي هذه الرسالة الرفيعة، وأخيراً هذه السرعة المجنونة التي تلوذ بالسطح وتنفر من الغوص إلى القرار. والشعر فن يعتمد على التركيز والإيجاز، فهو في حاجة إلى شيء من الذكاء وشيء من الاستقرار يهيئان لفهمه والاستمتاع به.

والأستاذ (الحكيم) بعد هذا العرض وذلك التدليل متشائم، ينظر إلى مستقبل الفن الجميل نظرة الأسف المتحسر. فهل لهذه النظرة من أساس؟ وهل منطق الحوادث وأدلة الماضي والمستقبل تقف إلى جانبه؟

يخيل إلي أن الحق بجانب هذه النظرة التشاؤمية. فما هي الدعائم التي ينهض عليها الشعر؟ وما هي الروح التي تنفخ في جذوته المقدسة فتشعلها وتذكي لهيبها؟ وهل آن الدعائم أن تتقوض، أو لتلك الروح أن تلفظ الأنفاس في المستقبل الغريب أو البعيد؟

إذا استطعنا إذا نجيب على هذا السؤال كان لنا في الإجابة غناء عن تشاؤم الأستاذ أو تفاؤل غيره.

دعائم الشعر في نظري تنقسم قسمين:

قسماً يخص الشاعر الذي ينشئ الشعر. وقسماً يتصل بالقارئ. أما فيما يخص الشاعر فأن الدوافع التي تدفعه إلى قول الشعر لن ينضب معينها إلا إذا نضب معين الحياة، واستجابة الأحياء لما تلقاهم به من ألوان الحوادث والتجارب التي تمتنع على العد، وتستعلي على الإحصاء؛ فدوافع الشعر ستظل خالدة خلود الطبيعة والإنسان. وعلى هذا فالشاعر ضرورة إنسانية باقية، وحاجة روحية خالدة. وإن أقفرت بعض الفترات من وجود العبقريون من الشعراء، فليس معنى ذلك أن الزمن سيظل بأمثالهم عقيماً.

وفي التاريخ الإنساني لجميع الأمم شواهد ناصعة على ذلك، وهي شواهد لا تقبل الجدل ولا اللجاج.

ففي الأدب العربي والإنجليزي والفرنسي وسائر الآداب ما يقيم الدليل على أن الشعر لم يمت وإن مرت به عصور أوشكت فيها روحه أن تفيض، وأنفاسه أن تخنق.

وهنا تتراءى لنا مشكلة لا بد من أثارتها في هذا المجال. فقد كان الأسلوب الشعري هو الغالب في العصور القديمة، وكان النثر تقعد به مكانته دون التعبير عن العواطف الجائشة، والإحساس المتدفق الفوار. أما في العصر الحديث فقد نهض النثر نهضة عظيمة، وراح يزاحم الشعر مزاحمة ظاهرة في هذا المجال. فأدب المقالة اليوم هو في الذروة من حيث استيفاء أغراضه؛ وهي أغراض تشترك في كثير من الأحيان مع الشعر

وما يقال عن المقالة يقال عن القصة في هذا الباب. فالأدب التمثيلي عند (شكسبير) قد حلت محله مسرحيات (برناردشو) النثرية، ومسرحيات (شوقي) حلت محلها مسرحيات (توفيق الحكيم)

وهناك شيء آخر له خطورته على تضييق دائرة التعبير الشعري وهو ما شاع في العصر الحديث من وسائل الثقافة الفنية المختلفة التي زاحمت الكتاب سواء ما كان منه شعراً أم نثراً، وأخطر هذه الوسائل هي السينما والصحافة والمذياع.

وهكذا نلاحظ أن مجال الشعر قد أخذ يضيق ويضيق حتى أصبحت دائرته لا تكاد تجاوز التعبير عن الحالات التي لا يغنى فيها التعبير الموزون تعبير سواه.

أما دعامة الشعر الثانية وهي التي تتصل بالقارئ فيبدو أنها الظاهرة التي أخافت الأستاذ (الحكيم) وجعلته يتساءل هذا التساؤل الوجل في (أخبار اليوم)، فنسى أن يذهب بالتعليل إلى أصوله القريبة والبعيدة

فالقراء اليوم مدبرون عن الشعر منصرفون إلى أدب السطوح لا الأعماق - إن صح هذا التعبير -.

وهذا حق. . ولكن هذا لا يعود باللائمة على القراء (الأغبياء!)، لأن المسالة راجعة في أصولها إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي يحياها العالم اليوم، فنحن نجوز فترة المخاض التي يضطرب لها كيان البشرية، وتميد معها دعائمها وأركانها. فالمشاكل الاقتصادية اليوم تحتل المكان الأول في نفس الإنسانية المعاصرة، وحتى يجيء اليوم الذي تحل فيه هذه المشاكل على نحو يرضي سنة التقدم، ويشبع رغبة التطور، فستظل مشاكل الفن وحاجات الروح مسائل ثانوية في (جدول الأعمال).

إن الإنسان في هذه الحقبة من الزمن محتاج ليكسب عيشه إلى ساعات لا تقل عن الثمان، هذا في الطبقة الوسطى، أما في الطبقات الدنيا فهو في حاجة إلى أكثر من هذا القدر بكثير أو قليل. فكيف نطلب إلى أمثال هؤلاء أن يخلوا إلى ديوان ليتذوقوا فيه قصيدة عصماء؟ وهم مازالوا يكافحون من اجل رغيف (أغر)؟! إننا نطالبهم بالمستحيل. فهل من أمل في تغيير هذه الحال؟ يخيل إلى أن الجواب هنا يجب أن يكون بالإيجاب، فنحن مقبلون - على رغم العوائق - على العصر الاشتراكي ما في ذلك شك. والاشتراكية هي الأمل المرموق الذي نتطلع إليه شعوب العالم، وتتنزى شوقاً إلى تحقيقه.

ويوم يعم العالم النظام الاشتراكي، فأن هذا الصراع من أجل العيش سينتهي إلى قرار، وعندئذ تنطلق القوى الروحية المطمئنة لتعمل في كل أفق من الآفاق، وإنها لرحيبة بعيدة الأغوار.

فنحن نستطيع بعد هذا كله أن نطمئن الأستاذ (الحكيم) على مستقبل الشعر، لأن الرجاء في مستقبل روحي باهر هو رائد الإنسانية المكافحة في هذا الجيل الذي نعاصره، وإن كنا إلى جانب ذلك نعتقد أن الشعر سيضيق مجاله عند الحد الذي لا يغنى فيه إلا القول الموزون. ولا خسارة هناك من هذا الأمر، فأن النقصان في هذا الفن سيزيده في ذاك، وسيظل الشعر مشعلاً من مشاعل الفن المضيئة الملألئة التي يبهر بريقها الأنظار، وإن علاه في هذه الحقبة شيء من الغبار.

ماهر قنديل

بطلخا الابتدائية

صورة طبق الأصل!

كثيراً ما أقرأ مقالاً بعينه أو قصيدة بعينها في أكثر من مجلة واحدة في زمان واحد، ومكان واحد، كما وقع في كلمة الأستاذ أنور المعداوي حول كتاب (زوجات) للأستاذ الصاوي؛ فقد تفضل الأستاذ الناقد فكتب كلمة حول هذا الكتاب في مجلة (العالم العربي) عدد ديسمبر الجاري، ثم أردفها بصورة أخرى (طبق الأصل!) نشرها في (الرسالة) الغراء عدد (807)، وهذا عين ما وقع في قصيدة الشاعر توفيق عوضي (حب المنطق) فقد تفضل بنشرها في (الرسالة) عدد (806)، ثم في (الثقافة) عدد (521). وبعد، فلست أدري الحكمة من هذا التقليد الجديد، كما أجهل أسبابه ومبرراته ودواعيه ونكتة البلاغة فيه

قد يجوز أن أنشر قصيدة في مصر، ثم أنشرها بعينها في الحجاز، أو في أي رقعة من رقاع (الجامعة العربية)، وذلك لبعد الشقة، ونزوح المحلة، ولتوثيق الصلات الأدبية بين أبناء الضاد. . . أما أن ينشر مقال، وتنشر قصيدة، في المكان الواحد والزمان الواحد، في أكثر من مجلة واحدة، فذلك ما لا يجوز، أو قد يجوز، ولكني على كل حال لا أعرف عبرة جوازه. . . فأكون لمن يتفضل بالعبرة من الشاكرين!

(الزيتون)

عدنان

حننت إلى ريا:

قرأت الرسالة الغراء في العدد 806 ص 1397 في مقال الأستاذ أحمد أحمد بدوي قصيدة الصمة بن عبد الله التي مطلعها:

حننت إلى ريا ونفسك ساعدت ... مزارك من ريا وشعباً كما معاً

منسوبة إلى القشيري، والمعروف أنها للصمة بن عبد الله بن طفيل بن الحرث بن قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير بن كعب، كما ذكر أبو تمام في ديوان الحماسة (ص54 الجزء الثاني الطبعة الثانية)، وهو شاعر غزل مقل من شعراء الدولة الأموية قالها في بنت عم له هويها يقال لها (ريا)، فخطبها إلى عمه، فزوجه إياها على خمسين من الإبل، فسال أباه ذلك، فساق عنه تسعاً وأربعين، فأبى عمه إلا الخمسين كاملة، فلج أبوه ولج عمه فتركها مغاضباً ورحل إلى الشام فتبعتها نفسه، وجاش صدره بهذه القصيد

عبد الجليل السيد حسن تصحيح كلمة:

لاحظت أن الأديب المتمكن الأستاذ عدنان أسعد في تتبعه عشرات الأفلام وتطبيعات الصحف ألف أن يجعل من كلمة - مانع - صفة للشيء المستحسن الجميل حتى لقد ذكرها في تعقيباته أكثر من مرة. في الجزء الخامس من المجلد الأول من مجلة (الكتاب) الزاهرة وفي العدد 782 من (الرسالة) النيرة ويبدو لي أن التوفيق أخطئه إذ وجدت أبا الفرج الأصفهاني في أغانيه ج 2 ص 50 ط دار الكتب المصرية يروي شعراً على لسان المجنون يقول فيه:

أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا ... من السيف يوم لافح الحر مانع

وقد ذكر الشراح أن المانع هو الطويل خلافاً لما ذكره الأستاذ، وله مني تحية إعجاب.

(السباعية)

محمد الشاذلي حسن