مجلة الرسالة/العدد 81/الصورة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 81/الصورة

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 01 - 1935



قصة تمثيلية في فصل واحد بمنظرين

بقلم حسين شوقي

الأشخاص

الزوج. الزوجة. الحماة (أم الزوجة)

المكان: حجرة نوم الزوجة

المنظر الأول

الزوجة منهمكة في وضع حوائجها في الحقيبة، بينما أمها تجلس أمامها على كرسي (فوتوي) تروح على نفسها بمروحة

الأم - أصغي إلى يا ابنتي، بالله لا تهجري زوجك. إنك لن تجدي أفضل منه. صحيح أن فيه عيوباً مثل مغالاته في الشرب، أو تأخره في السهر، ولكن أين الزوج الكامل؟

الزوجة - هذه ليست عيوباً في نظري يا أماه، بالعكس إني أبغض الزوج الذي يقضي كل وقته في المنزل متعلقاً بأهداب زوجه. لا يعرف ما يحدث في الحياة خارج محيط البيت

الأم - إني لا أفهمك يا ابنتي. إذا هجرك زوجك غضبت، وإن بقي بجانبك غضبت أيضاً، فماذا تريدين في النهاية؟ لماذا تهجرينه إذن؟

الزوجة - لأنه يكذب، والكذب أبغض الأمور لدي، فهو مرآة النفس الجبانة

الأم - ابنتي، تريثي. فكري ملياً في الأمر

الزوجة - أسف يا أماه. لا أستطيع البقاء. . . آه من النذل! يخدعني أنا؟ ومع مَنْ؟ مع أعز صديقة لي!

الأم - ليس الذنب ذنبي يا ابنتي. . . المسئولة هي صديقتك العزيزة. أليست هي التي غازلته؟

الزوجة - أه منها الماكرة! كم تظاهرت لي بالوفاء! إنها كانت تشاركني دموعي في أوقات أحزاني! (بعد لحظة) ولكن ما الذي حببها إليه يا ترى، وهي خلو من كل جمال؟ أعلق بأنفها المقوس مثل أنف الحاخام؟ أم اشتهى شفتيها الغليظتين كشفتي الزنجية؟ الأم - الآن فقط تجدينها دميمة!. . . وكنت إذا ذكرت لك هذه العيوب نفسها عارضتني قائلة: إن هذه العيوب تكسب صديقتك ما تسمونه أنتم يا شباب اليوم: الجاذبية الجنسية. . . . حقاً! ما أبعدكم عن إدراكُ مثل الجمال الحقيقية!. . .

الزوجة (في ضحك) - يا أماه. . أمثالكن نساء قبل الحرب، يرون الجمال عبارة عن غرائر من الشمم رُسمت لها حواجب وعيون وأفواه. . . . .

الأم (في غضب) - وما أوقحكن أيضاً يا بنات اليوم! (بعد لحظة) والآن لنعد إلى موضوعنا. . بالله سامحي زوجك يا ابنتي. . . . أنت تعرفين أنني لا أميل إليه كثيراً. . . . . ولن أنسى له هديته التافهة حينما عاد في الخريف الماضي من روما. . . ولكن هذا لا يمنعني بصفتي أمك التي تحب لك الخير أن أشير عليك بالبقاء معه. . . سامحيه، إن التسامح أفضل معاني الكرم. . .

الزوجة (في تهكم) - آسف يا أماه. . . لستُ قديسة لأتسامح. ولستُ أعيش في زمن المسيح، حتى إذا لطمني شخص على خذي الأيمن أدرت له الخد الأيسر. .

الأم - سامحيه يا ابنتي. . . إنها هفوة واحدة منه. . . (في حسرة) رب! كم سامحتُ أنا والدك عن هفوات لا هفوة!

الزوجة - لأنك كنت بلهاء يا أماه. . .

الأم - (في غضب) - حقاً! إنك وقحة! (بعد لحظة) كلا! يا ابنتي لم أكن بلهاء حينما سامحت والدك، غفر الله له! بل كنت على ثقة أنه سوف يمل حياة المغامرات التي كان يحياها، وانه سوف يدرك في النهاية أن السعادة الحقيقية للزوج هي داخل منزله. . . طبعاً تألمت كثيراً من أجل هذا، ولكنب ظفرت في النهاية. . . (بعد لحظة) ولو كنتُ هجرتُ والدك إذ ذاك، أكانت ترى الوجود هذه الفتاة الرشيقة الحسناء الماثلة أمامي اليوم؟. . .

الزوجة - (تترك جمع حوائجها فجأة وترتمي في أحضان أمها باكية) آه يا أماه، إنني أتألم. . .

الأم - إنك ما زلت تحبينه يا ابنتي. . . هذا هو الحب، هذا هو قلبك يحتج بدوره على هذا الخصام. .

الزوجة - أجل إني أحبه. . . ولكن كرامتي يا أماه، ماذا أصنع لها؟ الأم - ماذا تقولين؟ الكرامة؟ الحب يا ابنتي قبل كل شيء. . . الحب هو الحياة. . صدقي أمك العجوز المجربة. .

الزوجة (وكأنها عادت إلى نفسها) - كلا! لن أصفح عنه! لقد صممتُ على هجره. . . إن الضعف الذي أظهره الآن ليس خليقاً بفتاة مثلي شاهدت الحرب الكبرى

الأم (في غضب) - ها قد عدت إلى جنونك! (تنهض) افعلي ما شئت. . ولكن اعلمي جيداً أنك ستندمين على عملك هذا. . . أما أنا فقد سئمتُ من إسداء النصح إليك. . .

(تخرج، فيدخل الزوج من باب آخر وبيده بعض الأوراق

المنظر الثاني

الزوج - آسف لو كنتُ أزعجتك، ولكني أتيتُ لأرد لك بعض مستندات لك كانت محفوظة في الخزانة الحديدية. . .

الزوجة - (دون أن تلتفت إليه) حسن. . أشكرك. . . ضعها هناك. . . (تشير إلى مائدة بجوار السرير)

الزوج (في تردد) - هل صممتِ على الرحيل؟

الزوجة - أجلْ. . .

الزوج - هل نسيت كل شيء!: عهد خطوبتنا السعيد. . . نزهاتنا الطويلة في الخلاء. . . الورد الأحمر العجيب الذي كنتُ أقطفه لك خلسةً من حديقة الجار البخيل. . . ثم شهر العسل في ربوع إيطاليا الجميلة. . ثم مقامنا في نابولي تحت أقدام بركان (الفيزوف) المخيف. . . ثم نبيذ إكيا الذهبي. ثم موسيقاها الشجية. . ثم ليالي البندقية الشعرية فوق مياهها الساكنة. . . . . . هل نسيت كل ذلك الماضي البعيد القريب؟. . . . .

الزوجة (متململة) - ثم خيانتك. . . ثم كذبك. . . ثم. . . أرجوك دعني الآن أجمع حوائجي

الزوج - أنت تعلمين أني أسفتُ كثيراً على فعلتي الشنيعة. . . . عزيزتي. . . هلا صفحت عني؟

الزوجة - آسف لا أستطيع. . (في هذه الأثناء تضع خلسة صورة زوجها في الحقيبة فيراها) الزوج - عزيزتي. . . هل تأذنين لي بأن أدخن سيجارة في هذه الحجرة الظريفة ونحن مجتمعان لآخر مرة؟ (ويجلس على معقد)

الزوجة (في تردد) - فليكن. . .

الزوج - عزيزتي. . . هل تأذنين لي في سؤال واحد؟

الزوجة - لست مستعدة الآن للإجابة على أسئلة، فإني أجمع حوائجي على عجل حتى لا يفوتني قطار المساء. . .

الزوج (ملحاً) - سؤال واحد فقط

الزوجة (متململة (- إذن قل ولكن اقتصد!

الزوج - هل أنت واثقة أنك لم تعودي تحبيني؟

الزوجة - أجل أنا واثقة من ذلك كل الثقة. .

الزوج - ألم يبق في قلبك شيء من العطف؟

الزوجة (مقاطعة) - لا لزوم لهذا الكلام. . . .

الزوج - هو سؤال واحد أريد الإجابة عليه. . . ألم يبق لك شيء من العطف. . . . لا علي. . . . بل على ذكرى الماضي؟. . .

الزوجة - لا

الزوج - لنستبدل إذن كلمة العطف ونعود لى الحب

الزوجة - أبداً. .

الزوج - بل أنا أقرر أنك تشعرين نحوي بالحب!

الزوجة - لا، بل أمقتك!

الزوج - إن المقت والحب قريبان جداً، بل هما متصلان، فهما طرفان، والطرفان لابد أن يتماسا. . .

الزوجة - دع هذا الكلام. . . ألم تنته من سيجارتك؟

الزوج (مستمراً) - إن لدي شاهداً على صحة هذا القول. . . على صحة الحب. . وعبثاُ تحاولين إنكاره. .

الزوجة - دعك من هذا الهراء!. . .

الزوج - (ضاحكاً) إن شاهدي هو في تلك الحقيبة. . هي الصورة التي خبئتها الآن خلسة. . لماذا تحملين صورتي معك إذا كنت لا تحبين صاحب الصورة؟

الزوجة (تخرج الصورة من الحقيبة فتلقى بها على المائدة) - إليكما خذها. . احتفظ بها. .

الزوج (يخف إلى زوجه فيطوقها بذراعيه) - عزيزتي، هذا إقرار منك بأنك ما زلت تحبينني. . . .

الزوجة (في ضعف) - ابتعد عني!. . .

الزوج - هل صفحت الآن!

الزوجة - (مستسلمة) - لا، أبداً، ربما أصفح أنا، ولكن هذا (تشير إلى ناحية القلب) هل يصفح؟

الزوج (ضاحكاً) - هذا؟ لقد سامحني منذ هنيهة حينما حرضك على اغتصاب الصورة!

(ستار)

كرمة ابن هاني

حسين شوقي