مجلة الرسالة/العدد 809/حداء الركبان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 809/حداء الركبان

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 01 - 1949



للأستاذ محمد عبد الغني حسن

مَنْ هؤلاء الصامتون؟ تَكلموا! ... مَن هؤلاء المحجبون؟ تقَدَّموا!!

ما بالكم تُقضَى الأمورُ بغيركم ... ويكونُ دونكم القضاءُ ويُبرم؟

تتكلم الأسَلاتُ فوق رؤوسكم ... وتعج حولكم الوغى وتُدمدم

وتكاد كفُّ الطامعين تصيبكم ... وتنال ما ترجو المطامع منكمو

الغانمون الأرض بعد محمدٍ ... أضحوا وهم في كل أرض مغنم

مَن هؤلاء الحائرون. كأنما ... طال الطريق بهم فلم يتقدوا

فعَلى غوار بهم ضَنىً وتُّهدمٌ ... وعلى ملامحهم أسى وتجهُّمُ

وكأنهم من سُوء ما صنعتهم ... أقدارُهم في الكون لم يبتسموا!.

صبراً إذا مشت الرياح بِركبكم ... وأناخ كلكلَه الزمانُ عليكمو

صبراً إذا الحادي استبان سبيلهَ ... فإِذا الطريق على الرواحل مُظلم

صبراً إذا انبهر الحداةُ فلا تَرى ... في الركب من يشدو ومن يترنم

هذى سبيلٌ سار فيها قبلَكم ... مترسم في إِثرِهِ مترسم

غَلبتْ وتَغْلبُ كَّل من سئم السُّرى ... ويكاد يغلبها الذي لا يسأمُ

ما هذه البيداء أنها ... تِيْه يضل به الدليل المقدمُ

ما هذه الصحراء إلا أنها ... ساحٌ يَخُور بها الكمىُّ المعْلمُ

ما هذه المومَات إلا أنها ... ليل تحاَرُ به النجوم فُتعتم

ما هذه الفيفاءُ إلا أنها ... بحْرٌ تحيط بشاطئيه جهنم

هي قبر كلِّ مجاهد لم يَطوِهِ ... في خمسة الأشبار كونٌ أَعظَمُ

أكلت لحومَ الخالدين الأيام تزل ... يعتادها النَّهم القديم فتنهمُ

بالأمس كان وقودها في حرِّها ... جيشٌ من الشِّرك لأثيم عرمرم

فإذا دعاء الجاهلية خافت ... وإذا ثَراء الجاهلية مُعدم

وإذا الطواغيت التي قد أشركوا ... بالله فوق رؤوسهم تتحطم

مَن هؤلاء الهائمون كأنما ... لم يَهْدِ نَهْجَهُمُ الكتابُ المحكم يبدو العياء من الليالي فوقهم ... ويُرى الغبارُ من السنين عليهمُو

فكأنهم أَنضاءُ ركْبٍ لم يَبِنْ ... للواحة الخضراء فيهم مَعلمُ

تتخبط الأحداث بين صفوفهم ... وتموجُ بالخطب الجسيم وتُفعَمُ

أعياهمو خَبَبُ الطريق فوقفوا ... وأخافهم فَزَعُ الطريق فأحجموا

ما بالهم لم يُجْدِ في أسقامهم ... طبٌّ ولم ينفع لديهم مرهم

عجباً أتبرأُ علةٌ في أمة ... ويصحُّ جسم والطبيبُ المسقِم؟!

يا أيها الركبان أن سبيلكم ... للمجد والعلياء أن تتقدموا

لا يُيئِسَّكم الطريقُ إذا بدا ... وعليه أشواك وفيه تَجَشُّمُ

يكفى الصياحُ فما الحياة عبارةٌ ... جوفاء فارغةٌ يرددها الفمُ

الحق تحميه الصوارم والقنا ... والعدل تحفظه الضحايا والدمُ

والقوة الغلباء ليس يردها ... إلا القوىُّ الغالب الممغلم

محمد عبد الغني حسن