مجلة الرسالة/العدد 801/كتاب البرهان في وجوه البيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 801/كتاب البرهان في وجوه البيان

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 11 - 1948



للدكتور علي حسن عبد القادر

(تصحيح خطأ علمي، وتحقيق شخصية كتاب ورد اعتبار

مؤلف طغى على اسمه الزمان)

كتاب (البرهان في وجوه البيان) لأبي الحسن اسحق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، طبع جزء منه قدر ثلثه باسم (نقد النثر)، حرره وأخرجه الدكتور طه حسين، والأستاذ عبد الحميد العبادي، منسوبا إلى أبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي المتوفى سنة 337 هـ. وقد اعتمد مخرجا (نقد النثر) على مخطوطة بمكتبة الأسكوريال رقم 243 من فهرس درينبرغ.

وقد عثرنا على مخطوطة لهذا الكتاب بمكتبة تشسترببتي رقم تحت عنوان (كتاب البرهان في وجوه البيان)، وعند المقابلة بينها وبين كتاب (نقد النثر) المطبوع وجدناهما يتفقان في القدر المطبوع، وتزيد المخطوطة التي بأيدينا على المطبوعة بمقدار ثلثي الكتاب تقريبا. ولم نشك في أن هذا هو جزء أصلي من الكتاب قد سقط منه في المخطوطة الأمكوريالية، وذلك أن المؤلف قد بنى كتابه على أربعة وجوه للبيان: -

البيان الأول الاعتبار، البيان الثاني الاعتقاد، البيان الثالث العبارة، البيان الرابع الكتاب. والبيان الرابع (الذي هو الكتاب) غير موجود في النسخة المطبوعة، وقد علل محقق هذه النسخة المبتورة هذا النقص بادعائه أن المؤلف قد ضمن الباب الثالث (وهو العبارة) الكلام على الوجه الرابع وهو الكتاب.

وجعل بهذه الدعوى الكتاب كاملا بذاته، وهي دعوى قد فرضها المحقق على الكتاب فرضا وجزم بها من غير فحص له، فإنه لو كان قد فحص الجزء الذي بيده من الكتاب لرأى أن المؤلف قد نبه في أثناء الكتاب على أشياء سيذكرها بعد، ومع ذلك لم يأت لها ذكر. فمن ذلك قول المؤلف (صفحة 118 من طبعة دار الكتب): (وأما الحديث، فهو ما يجري بين الناس في مخاطبتهم ومناقلاتهم ومجالسهم، وله وجوه كثيرة: فمنها الجد والهزل والسخف والجزل، والحسن والقبيح والملحون والفصيح، والخطأ والصواب والصدق والكذ والضار والحق والباطل والناقص والتام والمردود والمقبول والمهم والفضول والبليغ والعيي؛ ثم جاء الكلام بعد ذلك عن الجد والهزل والسخيف والجزل والحسن والقبيح والملحون والفصيح والخطأ والصواب، ولكن القول في الخطأ والصواب لم يتم، كما أن القول في الصدق والكذب والوجوه الأخرى الباقية لم يأت قط. ومن أمثلة ذلك أيضا ما جاء في باب تأليف العبارة (ص44 - 45 من طبعة دار الكتب): (وقد ذكر الخليل وغيره من أوزان الشعر وقوافيه ما يغني من النظر فيها. . . إلا أنا نذكر جملة من ذلك في باب استخراج المعمي تدعو الضرورة إلى ذكرها فيه أن شاء الله).

وليس في نقد النثر كما نشر أي ذكر أو إشارة إلى باب المعمي وذكر العروض والقافية. ومن أمثلة ذلك أيضا أنه جاء في آخر النسخة المطبوعة هذه العبارة: (وأما مراتب القول ومراتب المستمعين له، فقد تقدم القول فيه وبالله التوفيق).

وإذا تصفحنا كل ما جاء في النسخة المطبوعة لم نجد ذكرا أو إشارة (لمراتب القول) ولا (لمراتب المستمعين له) على الحقيقة؛ وبهذا يظهر أن المخطوطة الأسكوريالية والكتاب كما طبع ناقصان نقصا كبيرا، وأن محقق الكتاب لم ينتبه إلى هذا النقص الواضح أو لعله أغمض عينيه عن هذا النقص، وتلمس في بعض الأحيان تعللات لا تقوم وفرضها في الكتاب، وبدليل أننا نجد كل هذا المفقود قد جاء بالنسخة المخطوطة التي بأيدينا، فقد جاء فيها ذكر البيان الرابع وهو الكتاب، واستغرق من اصل الكتاب جزءا كبيرا أصليا، كما جاء فيها الكلام على باب المعمي وذكر العروض والقافية بتفصيل كامل واف. وكذلك جاء فيها ما بقي من وجوه الحديث وجهاً وجها. وكذلك مراتب القول ومراتب المستمعين له مرتبة مرتبة، فكانت مخطوطتنا بهذا التحقيق هي النسخة الكاملة للكتاب. ويظهر أن مخطوطة الأسكوريال كانت ناقصة أو نسخت من أخرى ناقصة فزاد فيها كاتبها ما يشعر بالتمام وهو قوله (وقد تقدم القول فيه وبالله التوفيق)، وهي عادة معروفة عند الوراقين كما حصل مثل ذلك في كتاب الوزراء والكتاب للجهشياري مثلا.

وأهمية مخطوطتنا لا تنحصر في أنها النص الكامل للكتاب كما كتبه مؤلفه (أي أكثر من ضعف النص المطبوع)، بل أن لها أهمية أخرى أكبر من ذلك، وهي معرفة مؤلف هذا الكتاب على التحقيق. فقد ذكر المؤلف في مخطوطتنا اسمه كاملا في أثناء كتابه على عادة المؤلفين القدامى، فقال في أول البيان الرابع، وهو الجزء المقود من النسخة الأسكوريالية: (قال أبو الحسن اسحق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا بنعمة الله. . .). وهو تصريح يبطل نسبة الكتاب إلى قدامة بن جعفر، ويضع حدا فاصلا للنزاع في مسألة مؤلف الكتاب، كما أن مخطوطتنا زيادة على هذا تحمل الاسم الصحيح للكتاب، وهو كتاب (البرهان في وجوه البيان).

وإنه وإن كنا لم نعثر على اسم هذا الكتاب، أو اسم مؤلفه مذكورا في أي مرجع من المراجع المعروفة عندنا، فقد وصلنا إلى أن هذا الكتاب ليس لقدامة وتحققنا من نسبته لأبي الحسين، وليس ذلك فقط من اجل أن المؤلف قد ذكر اسمه في أثناء كتابه بل من اجل أدلة أخرى مضمومة إلى هذا الدليل:

أولا: يذكر مؤلف الكتاب في أثناء كتابه أربعة كتب له: وهي: الإيضاح، وأسرار القرآن، التعبد، الحجة. وهذه الكتب الأربعة لم يذكرها أحد من مؤرخي قدامة في فهرس كتبه أو ما يشبهها في الاسم أو الموضوع، كما أنهم لم يذكروا له كتابا باسم (نقد النثر).

ثانيا: وقد نسب إلى قدامة كتاب في الكتابة، ولكن هذا الكتاب لم يسمه قدامة باسم (البرهان) أو (نقد النثر) وإنما سماه (كتاب الخراج وصناعة الكتابة)، وهو غير الكتاب الذي بأيدينا، فإن كتاب قدامة هذا، أو على الأصح النصف الثاني منه معروف، وأوجد مخطوطة منه بمكتبة كويرلي بالآستانة، وقد استنسخ شارل شيفر هذا المجلد الباقي من كتاب قدامة، وهذه النسخة محفوظة بدالا الكتب الوطنية بباريس وقد استخرج دي فويه نبذا منها وطبعها تحت عنوان (كتاب الخراج) وهذه النبذ هي الأبواب الثاني والثالث والرابع والخامس والحادي عشر من المنزلة الخامسة، والبابان السادس والسابع من المنزلة السادسة. واسم هذا الكتاب في هاتين النسختين (الأصلية والمنقولة) (الخراج وصناعة الكتابة)، وقد وصف ياقوت هذا الكتاب في ترجمة قدامه بقوله: (وله كتاب الخراج وصناعة الكتابة)؛ وله كتاب الخراج رتبه مراتب وأتى فيه بكل ما يحتاج الكاتب إليه، وكان على تسع منازل، وكان ثمانية فأضاف إليه تاسعا). ويقول المطرزي في كتاب الإيضاح شرح مقامات الحريري (مخطوطة المتحف البريطاني) (وله تصانيف كثيرة منها كتاب (الألفاظ) وكتاب (نقد الشعر)، وهو حسن للغاية طالعته ونقلت منه أشياء، وقيل هو لوالده جعفر. ومنها كتاب صناعة الكتابة ظفرت به وعثرت فيه على ضوال منشودة، وهو كتاب يشتمل على سبع منازل، وكل منزلة منها تحتوي على أبواب مختلفة ضمنها خصائص الكتاب والبلغاء: (وقال ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة 337 بمناسبة موت قدامة ما نصه: (وله كتاب حسن في الخراج وصناعة الكتابة).

ويتضح من كل ذلك أنه كان لقدامة كتاب على منوال كتابنا، وأن هذا الكتاب يسمى (الخراج وصناعة الكتابة) وأنه كان على تسع منازل أو سبع منزل وفي كل منزلة أبواب. وهذا الوصف لا يتفق مع تبويب كتاب (البرهان) أو (نقد النثر) إذ أنه على أربعة أبواب تناولت كل ما قصد المؤلف كتابته عن الخراج وصناعة الكتابة؛ وفضلا عن هذا فنحن إذا قارنا الجزء المطبوع من كتاب قدامة الخاص بالخراج ألفيناه مختلفا عن القسم الخاص بالخراج في كتابنا (البرهان) والنتيجة البديهية هي أن قدامة وأبا الحسين كتب كل منهما كتابا في الموضوع ولكن كلا منهما سلك مسلكه الخاص في علاج الموضوع.

ثالثا - وقد رجح دي غوبه في مقدمته الفرنسية لكتاب الخراج المستخرج من كتاب قدامة في صناعة الكتابة أن قدامة ألف كتابه هذا بعد سنة 316 بقليل، وذلك أن قدامة تحدث في أثناء كتابه عن مليح الأرمني على انه معاصر له، ويشير أيضا إلى إغارة أسفار الديلمي على قزوين في سنة 316، وإلى الشنائع التي جرت على يد مرداونج وأتباعه في السنين التالية كحوادث قريبة الوقوع. ونحن نعلم مما يقوله أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة (ج3 ص145 - 146) أن قدامة عرض كتابه هذا سنة 320 على علي بن عيسى حيث يقول (وما رأيت أحدا تناهى في وصف النثر بجميع ما فيه وعليه غير قدامة بن جعفرفي المنزلة الثالثة من كتابه. قال لنا علي بن عيسى الوزير عرض علي قدامة كتابه سنة 320 واختبرته فوجدته بالغ وأحسن وتفرد في وصف فنون البلاغة في المنزلة الثالثة بما لم يشاركه فيه أحد من طريق اللفظ والمعنى). فهذا الكتاب قد تم الفراغ من تأليفه قبل سنة 320 قطعا. أما كتاب (البرهان) فلم يكن موجودا في هذا الوقت ولنا على هذا ثلاثة أدلة.

أ - يقول أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم في البرهان: (وقد رأيت شيخنا علي بن عيسى رحمه الله يكاتب أم المقتدر) وإشارة أبي الحسين في كتابه إلى وفاة علي بن عيسى تدل قطعا على أن علي بن عيسى لم يعش حتى يرى هذا الكتاب، وقد مات علي بن عيسى سنة 235، وهو أمر يدل على أن أبا الحسين ألف كتابه بعد سنة 335.

ب - ويقول أبو الحسين أيضا (ومنه ترجمة لآل مقلة ولأبي الحسن بن خلف بن طياب رحمه الله) وقد كان أبو الحسن بن خلف هذا حيا إلى سنة 330 (راجع أخبار الراضي والمرتضى للصولي ص230 - 231).

ج - ويقول أبو الحسين في (البرهان) أيضا مشيرا إلى مقتل المقتدر على يد غلامه مؤنس: (وكان نتيجة هذا الإهمال وثمرة هذه الأفعال أن خرج السلطان في جيشه على أحسن زينة لقتال غلام من غلمانه فقتل وحده من بين أهل عسكره وتفرق عنه الباقون ورجعوا موفورين). وقد حدث هذا في سنة 320 (راجع المنتظم ج6 ص243) وأبو الحسين يقص هذه الحادثة على أنها قصة معروفة للعبرة وضرب المثل فيما يصيب ولاة الأمر عند إهمالهم، ولا بد أن تكون قد مرت عليها سنوات أصبحت بها مثالا للعظة وضرب الأمثال، فكتابه لا بد أن يكون قد ألف بعد هذا التاريخ.

والنتيجة التي نجمعها من كل ذلك هي أن قدامة ألف كتابه قبل سنة 320 وأن أبا الحسين ألف كتابه بعد سنة 335 حسب ما جاء من نصوص تاريخية في ثنايا الكتابين.

رابعا - من الكتب المعروفة على وجه التحقيق لقدامة كتابه (نقد الشعر) وقد عالج فيه الشعر وفنونه بوجه خاص. وقد عالج صاحب (البرهان) في كتابه الشعر أيضا، فلو أنه كان لقدامة لما احتاج إلى معالجة هذه الموضوعات مرة أخرى بمثل هذا البيان الكافي، وفضلا عن ذلك فإن معالجة الشعر في (البرهان) تختلف اختلافا جوهريا عنها في كتاب (نقد الشعر) من الناحية الفنية والموضوعية، وما قصيدة الأستاذ العبادي في تحقيقه من مقارنات إنما هو مجرد افتراضات لا تقوم أمام الفحص. ومما يستحقأن نذكره من المقارنات أن قدامة في (نقد الشعر) حينما يسوق أقوال المتقدمين من الفلاسفة يذكرها مجملا: (فلاسفة اليونان)، في حين أن صاحب (البرهان) يذكرهم بأسمائهم كأن يقول (قال أرسطوطاليس).

خامسا - وقد كان مؤلف (البرهان) فقيها شيعيا من غير شك. ودليل ذلك منشور في أثناء الكتاب. فمن ذلك اهتمامه بنقل أقوال أئمة الشيعة وذكره لهم دائما عند كل استشهاد بما يشعر بتشيعه كقوله (الأئمة عليهم السلام. الأئمة الصادقين. الأئمة المستودعين علم القرآن. وروى عن الصادق عليه السلام) اهتمامه بنقل فقه الشيعة كاملا في تعرضه لأقوال الفقهاء، وترجيحه لآرائهم في بعض الأحيان ظاهرة تدل على تمكنه في نحلته الشيعية. وقدامة بن جعفر لم يكن من الشيعة ولا من فقهائهم كما هو معروف وكما يدل عليه ما كتبه عن الخراج، وإنما كان نصرانيا في الأصل وأسلم على يد الخليفة المكتفي بالله، وإذا أسلم نصراني على يد خليفة عباسي - وذلك إنما يكون عادة طمعا في مناصب الدولة - فمن المستبعد أن يصير علويا متشيعا مرة واحدة. وما أورده الأستاذ العبادي في توجيه مسحة التشيع الظاهرة في الكتاب من أن قدامة قد جارى بني بويه بعد دخولهم بغداد سنة 334 يرده النقد التاريخي، وقد كتب قدامة كتابه في الكتابة قيل هذا التاريخ بأربعة عشر عاما على الأقل، ومات بعد دخولهم بغداد بوقت قصير.

سادسا - وصاحب كتاب (البرهان) يصر في كل مناسبة على ذكر الرجال المشهورين من آل وهب معظما لهم فخورا بهم كأن يقول (وقد كان شيخنا أبو علي الحسن بن وهب رحمه الله. . .) وقال أبو أيوب رضي الله عنه: (وقد ذكر أبو أيوب رحمه الله رجلا مشهرا بالبلاغة. ولو لم تتقدم من ذكر البلاغة إلا بهذا القول من شيخنا رحمه الله لكفى وأجزى) وأبو أيوب هذا هو سليمان بن وهب عميد آل وهب وجد المؤلف.

سابعا - وهناك أمر يجب التنويه إليه وهو أن البطليوسي في كتابه (الاقتضاب شرح أدب الكتاب) قد كتب فصولا طويلة بنى عليها مقدمته في شرح الكتاب (ص66 - 90) وهذه الفصول تتفق في لفظها في معظم الحيان تمام الاتفاق مع بعض فصول كتاب البرهان، وفي بعض الأحيان تتفق معها مع تعديل طفيف، ولكن البطليوسي لم ينسبها إلى أبي الحسين ولا إلى قدامة، وإنما اشعر بنسبتها إلى علي بن مقلة (المتوفى سنة 327)، ولا يمكن أن يقال أن هذا الكتاب (البرهان) هو لابن مقلة، وأن البطليوسي نقل عنه بعد أن أثبتنا أن (البرهان) ألف بعد سنة 335 وبعد وفاة ابن مقلة بنحو ثماني سنين، كما أن شيوخا لعلي بن مقلة ولم تكن له بهم صلة قريبة ولم يكن علي بن مقلة شيعياز والقدر المتيقن أن البطليوسي لم يحتسب على أي حال قدامة بن جعفر مؤلفا لهذا للكتاب الذي نقل عنه على فرض أنه نقل فصوله من كتابنا هذا. ومن المحتمل أن يكون البرهان قد نسب مرة إلى علي بن مقلة كما نسب إلى قدامة بن جعفر وجهل أمر صاحبه. ومن المحتمل أيضا أن يكون البطليوسي ومؤلف كتابنا هذا من قبل كلاهما قد نقل نقولا من كتاب لابن مقلة في هذا الموضوع، وهو أمر لم تساعدنا الظروف على تحقيقه.

وجملة القول أن مؤلف كتاب (البرهان) يجب أن تتوفر فيه الشرائط:

(1) كونه شيعيا. (2) أن تجمعه أواصر القربى بآل وهب. (3) أن يكون قد ألفه بعد سنة 335. (4) ألا تزيد أبواب كتابه على أربعة أبواب كاملة.

وهذه الأحوال لا تجتمع في قدامة بن جعفر، ولكنها يمكن أن تجتمع في مؤلف آخر. وفي يدنا مخطوطة قديمة كاملة للكتاب ذكر المؤلف فيها اسمه في متن الكتاب، هكذا (أبو الحسين اسحق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب) فنحن على أن ننسب الكتاب إليه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك. ولم نجد ذكرا لهذا الكاتب أو لمؤلفاته في المراجع والمظان المعروفة لنا. ومن غريب الأمر أن هذا الكتاب قد نسب إلى قدامة بن جعفر في طرة المخطوطة الإسكوريالية، وكذلك في طرة المخطوطة التي بأيدينا مع ورود اسم المؤلف في أثناء الكتاب وهو أمر غفل عنه الناسخ، وتفسير هذا التناقض يسير، فإن الوراقين كانوا يعرفون قيمة قدامة الأدبية ويعرفون شهرة كتابه في الأدب فلا يستبعد عليهم أن يضعوا اسمه على هذا الكتاب ذلت سهيل بيعه وتداوله، وهذه طريقة معروفة عند النساخ والوراقين لا تخفى على المحققين. ونذكر مثلا قريبا لذلك كتاب (أسرار البلاغة) نشر بمصر وجاء في خاتمة الكتاب أن مؤلفه أتمه في سنة 855 ومع ذلك نسب طرة الكتاب لبهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1003 وعرف باسمه لذي الوراقين. وفي كتب الفهارس، وغير ذلك كثير.

وبعد فإنصافا للعلم والعلماء، وإنصافا لأنفسنا كذلك، لا يسعنا إلا أن ننوه في ختام هذه الكلمة بأن عالمين جليلين كانا قد أظهرا الشك في نسبة كتاب (نقد النثر) إلى قدامة بن جعفر، وإنه لا بد أن يكون لكاتب آخر مجهول من أهل القرن الرابع. فهذان العالمان الفاضلان هما الدكتور طه حسين بك والأستاذ محمد كرد علي، فاستحقا منا التقدير والثناء. زها نحن أولاء قد قمنا بما تمليه علينا الأمانة العلمية بتقديم أدلتنا على أن الكتاب اسمه (البرهان) وأنه من تأليف أبي الحسين اسحق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، وأن الجزء الذي نشر منه تحت اسم (نقد النثر) ليس إلا ثلث الكتاب الأصلي الذي قد حررناه ونقدمه للطبع الآن ليكون بين أيدي العلماء في القريب أن شاء الله ليصبح موضوع بحثهم ونقدهم.

ولست أنسى هنا أن أقدم للعلماء الأستاذ مجتبى مينوي بلندن زميلي في تحقيق هذا الكتاب وإعداده للنشر، فهو يشاركني مسئولية إخراج الكتاب بما يتبعها من قبول أو نقد.

علي حسن عبد القادر.