مجلة الرسالة/العدد 801/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 801/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 11 - 1948


الهجري: 4 - اردان حلة الإحسان في الرحلة إلى جبل لبنان

لمصطفى البكري الصديقي

(1099هـ - 1162هـ - 1687م - 1748م)

للأستاذ أحمد سامح الخالدي

سنة 1411هـ وفيها قدم الرحالة المصري الشيخ مصطفى

أسعد اللقيمي إلى بيت المقدس:

(تمت علينا بركات سنة (1143هـ) فعملنا عاشورا وتألفنا للسير إلى الزيارة، وتأهب معنا جمع أخيار منهم الأخ الأمجد العديم الأنظار الشيخ أحمد المراغي سالف الإعصار، والأخ محمد سعيد البصري البار، وزكريا النسيبي السيار، وجملة حضار وبتنا في السيد (شمويل) ومن حماه كمن للأوكار طار، وإن استقر منا للراحة في بعض العمار قدار إلى بلدة (لد) المعمورة الجهات والأقطار، بالمدرات المسرات المار من أخطار، واجتمعنا بصديقنا الفاضل المسعود الشيخ أبي السعود، فأكرم وحيا، وزرنا أخاه المرحوم الشيخ حسين رحمه الله، وسرنا صباحا إلى يا زور ونزلنا دارا تعزى إذ تنسب للملاح وبتنا ليلة الخميس يبسط ما عليه مقيس، وفي ذلك اليوم الجالب التعيس، سادس عشر محرم توجه الأخ زكريا (نسيبه) ليغتسل في البحر، وما درى السباحة يقيس، فغاب فيه روحا وجسما عن العين، وما ظهر إلا يوم الجمعة فكدر رائق وقت أنيس، ثم أنا استرجعناه ودفناه في مقبرة الجامع الجديد التأسيس، وسرنا إلى الحرم نترحم على المفقود وعملنا له ختمة قدها يميس، وأهديناه تهليلة جليلة، وكان الحاج حسن المقلدي (الجيوسي) وفد علينا الاسكلة، وأقمنا في الزيارة ليلتين، وودعنا وسرنا إلى أن دخلنا قرية المذكور (كور) ومنها تعلقت بنا حمى الربيع الجالية الأجور، لسابق قضاء وقدر مسطور، وولجنا نابلس المحروسة الطلو والدور، وأقمنا ثلاثة أيام أنسها يمور فلا يغور، وأتينا (جامعين) ونزلنا المحلة الفوقية ومنها عمدنا (الزاوية) ونزلنا منها إلى دير غسان لإلحاح الإخوان بها ووقفنا على تلك الآثار، وفي الصحاح وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الزاد فنسبوا غليه، منهم بنو جفنة، رهط الملوك، ويقال غسان اسم قبيلة. انتهى. وفي لب الألباب في تحرير الأنساب للسيوطي، الأزدي بفتح فسكون فمهملة إلى إزد شنوءة بن الغوث. . . إلى إسماعيل وفي اللب، الغساني بالفتح والتشديد إلى غسان بن جذام بطن من الصدف، قال فيه الصدفي بفتحين وفاه إلى الصدف، بكسر الدال قبيلة من حمير. انتهى.

وأهلها المقيمون فيها الآن ينتسبون إلى جدهم برغوث ولذا لقبوا بالبراغثة، وهم مشايخ بني زيد الآن وجباة وقف الصخرة والخليل، وفي تلك الأوطان، لكنهم بقلة الحكم وضعف ولاة الزمان جبوا لأنفسهم، وأكلوا ما للوقفين استبان حتى مال منهما القبان، إلى الخفا بعد العيان، وتوجهنا إلى (عابود) بلدة سيد الأكوان الداخلة في وقف الحرمين من غابر أوان، ومنها ختمنا مقابلة (العرائس القدسية) المفصحة عن الدسائس النفسية بحضور إخوان في واديها المصان وعدنا إلى الأوطان، وسلينا والد المفقود بما أمكن وبشرناه بحلوله جنة الأمان. وأرسلت كتابا إلى الشيخ محمد المكتبي، وأرسلت آخر إلى الأخ الأمجد الشيخ أحمد نجل سمية خطيب الخسروية. وكتبت آخر للأخ الحميم عبد الكريم الشراباتي، وقلت:

سر للمنازل يا نديمي ... تسقى من الخمر القديم (الخ)

ولما دخل شهر ربيع الأول ورد علينا من صديقنا الروحاني الشيخ مصطفى أسعد اللقيمي كتاب يطلب فيه التداني من حينا القدسي، ويتشوق لقي النفسي الحسي الأركاني، وطلب كتابة كتاب لوالده نترجى منه الإذن بالمسير فأجبته وصدرته بقولي:

راح الحشا والروح والريحان ... وصل سما روحا مع الريحان

وكتبت له، ولوالده، طلبا لإذن للولد بالزيارة وأن يعود أن شاء الله في أقرب مدة.

(وقدم علينا الديار عقب هذا المكتوب الصديق القديم الشيخ داود الدمياطي وسألناه عن المكاتبة فأخبر بوصولها، وأن الأخ المكاتب عن قريب يجوب، وفي هذه الديار يتملى بالأنوار ولوطنه يؤوب، ولما عزم على المسير إلى الشام، طلب إجازة، فكتبت له. ثم ورد علينا من الصديق الشيخ مصطفى كتاب يعلم بقرب الجواز. فأرسلت له كتابا وقلت: سلام على أهل وادي الهوى ... أناس فؤادي إليهم هوى (الخ)

وأرسلت للصديق السيد أحمد الأدهمي نجل السيد صالح الطرابلسي السمي، جواباً عن كتابين أرسلهما إلي بحال همي والمذكور له صحبة تؤذن بمدد نمى في دمياط لما أتيتها والفؤاد محتمي فقلت.

لفتى الصبابة يا سعاد ترحمي ... مضني لغير جمالك لا ينتمي (الخ)

وجواب الكتاب الثاني، صدرته بقولي.

أيها النفس باختيارك موتي ... واخرجي عن ملابس الناسوت

الحمى تنتهك الشيخ، وينتظر مولودا جديدا:

(ولما تمادت الحمى في غيها، وزادني كرب عيها الواصل إلي، ولم يفد فيها ساعة دواء، ولا أنجع قلم له وصف ارتوى، ورد على الفؤاد وارد، وهو امتداح جناب الخليفة السيد المعمود سيدي داود، فقلت غب زيارته يوم الخميس المشهود.

إن قلبي نحو الحظائر نودي ... حين فوجي بلمع نور وبودي

إلى أن قال.

فلهذا ناديت والجسم أضحى ... ضمن نار كالنار ذات الوقود

يا حبيبي داود كن لي شفيعا ... إن دائي قد كاد يفنى وجودي

وقد استجاب الله دعاء الشيخ ثم يقول:

وكان أواخر ذي القعدة الحرام من سنة (1142هـ) تبين حمل وفي ذي الحجة عاد كاليقين، وفي محرم اتضح ذلك الإبهام، وكانت البنية السعيدة الجنانية الفريدة، بلغت عاما ونصف أو أقل بأيام، فخفنا عليها الغيلة، فحميناها بالفطام.

وكنت كثيرا ما أسمع قصيدة شيخنا جناب الشيخ عبد الغني (النابلسي) التي مطلعها البسام:

يا أشرف الرسل ضاقت فأرسل الفرجا ... فإنني فيك قد أملت ألف رجا

فأحببت أن أقتدي بهذا المولى فقلت:

يا سيد الخلق أن القلب مبتهجا ... أضحى بحبك للتقريب منتهجا

المولود الجديد محمد كمال الدين: ولما هل هلال شعبان المبارك، ومضى منه ثلاث ليال، ولد الولد المحمود محمد كمال الدين وكنيته أبا الفتوح، منح الرفد التام السعيد أن شاء الله تعالى وتبارك، أنشأه الله نشوء عبد الله بن المبارك.

وعندما دخل شهر الصيام كنت أبيض الجزء الثاني من (شرح الورد السحري). فنجز في يوم الاثنين ختام العشر الثاني من شهر رمضان سنة 1143هـ.

قدوم الشيخ مصطفى أسعد اللقمي الدمياطي الرحالة:

وحين دخل العيد الصغير، ومضى منه يوم أول وثاني وثالث توجهت لزيارة سيدي داود، وبت في جوار الخليفة داود، مع أنفار أمنوا العمار كل خيفة، وذلك في أواخر القعدة، لداع دعا للمبيت في تلك الخيام، وفيه قدم الأخ الشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، ولما تلاقينا معه بسطنا بساط المباسطة، واختلينا واجتلينا عرائس الأنس وما بيننا واسطة، في بيتنا المعمور. ولما أخذ وانتسب وأقبل ما احتجب أقام في خلوة حرمية واستقام في حلوة كرمية، مشمرا ذيل الاجتهاد، معمرا اللب بالاستمداد. وكنت في أواسط شوال المبارك، شرعت في عمارة دارنا الفوقية فتم منها المراد، ونزلت أشطح معه في السطح الحرمي، وتارة أسبح ناحية المهد في يم البسط البهمي، وما برح يتلقى ويستقي سلاف الأسلاف ويسقى ويأتي المنزل مجدا لم يهزل، فنحيك معه ثوب المؤانسة ونغزل، ونطلب له من ربه الجميل عطاء يجزل بكل بر جميل.

وصف الشيخ مصطفى أسعد اللقمي لقاءه الشيخ البكري

والاجتماع به:

وإننا ترك الآن الشيخ اللقيمي الحسني بسط بن غانم المقدسي السعدي الخرجي يصف لنا في رحلته (كتاب سوانح الأنس برحلتي لوادي القدس سنة 1143هـ) اجتماعه بالشيخ البكري ببيت المقدس قال (ثم دخلنا المدينة من باب الخليل، وجاء الأنس بالسعد لنا دليل، فنزلنا بمنزل دائرة الأفلاك الحسنية، واسطة عقد الهصابة الهاشمية، خلاصة السادة الأشراف، وصفوة بني عبد مناف، من قال بحسن سيرته النجوم الزواهر، وبجميل طلعته البدور النواضر، الراسخ في العلم الآلهي، المكاشف عن أسرار الحقائق كما هي أستاذ