مجلة الرسالة/العدد 800/القصص
مجلة الرسالة/العدد 800/القصص
الطالع
قصة للكاتب الإنجليزي اندروز روبرتسن
قال له وهو يعد له طعام إفطاره - هذه رسالة لك.
- أشكرك ولكن ما الذي أعددته لي هذا الصباح؟
- كما ترى، بعض الكعيكات والبيض والخبز والشاي.
وجعل يتناول الطعام وهو يتساءل، من الذي بعث بهذه الرسالة؟ وتأمل الغلاف، لقد حول إليه من محل إقامته السابق. من الذي يراسله في هذه الساعة؟ لعله أحد الدائنين يطالبه بما له من مال. أن مثل هؤلاء لا يتركون الإنسان في راحة أبدا!
ولكنه كان قد عزم على أن لا يفسد عليه شيئاً لذة تناوله الطعام لكم تحسن الطهي عن أيامه السابقة. وتذكر، كان لا يعتقد أنه سيستسيغ هذا الطعام يوما ماز ولكن، كم كانت دهشته عندما وجد معدته قد تهيأت له واعتادت عليه.
وانتهى من طعامه، فقرر أن يقر الرسالة. ففض الغلاف وقرأ:
(سيدي الفاضل - أبعث إليك بطالعك كما أردت. وقد اختصرت من المصطلحات الفلكية قدر استطاعتي، وجعلت رسالتي قاصرة على مستقبلك.
(حقا إنك رجل مجدود. ذلك ما أثبته طالعك. وأود أن أقول أنه قل أن أجد مستقبلا باهرا بين من اكشف عن طالعهم مثل مستقبلك. فدعني أهنئك تهنئة حارة.
إني شديد الأسف لتأخري في الرد عليك. ولكن رسالتك كانت قد وصلتني متأخرة، ولعل ذلك يرجع إلى خطأ من البريد.
أخيرا دعني أشكر الفرصة التي واتتني لدراسة مستقبلك المخلص. . . أستاذ علم العرافة.)
كان قد انتهى من شرب قدح الشاي، فأشعل لفافة بعد أن قدم غيرها لآخر، ثم جعل يقرأ طالعه وهو ينفث الدخان من صدره.
(أن تاريخ ميلادك وهو، 4 فبراير كما تقول رسالتك تدل على انك من مواليد برج (الدلو) تحت علامة (حامل الماء)، العلامة الحادية عشرة من منطقة الأبراج. وهي علامة تصاعدية ترمز إلى الجيل المقبل، الجيل العظيم.
(وأهم ما يميز مواليد هذا البرج أنهم لا يبالون بالتقاليد، بل كل همهم ينصب في البحث عن الحقائق. ولذلك تجدهم يتحلون بشجاعة لا نظير لها، وعقلية مرنة متزنة. ويميلون إلى العمل جماعة، وفي اتحاد متين.
(وهم مثاليون في علاقاتهم الغرامية، وأسخياء في حبهم، يجودون بكل شيء في سبيل ذلك الحب.
(ومواليد هذا البرج يفضلون العمال الذهنية ويبرزون في أعمال الجيش والحكومة. وهم معرضون للنقد، ولكنهم يواجهونه في شجاعة فائقة.)
(واكتفى من قراءة هذا القدر من الرسالة. ثم أعطاها إلى الآخر، فألقى عليها نظرة، وأخيرا أعادها إليه قائلا - إنها لا تفيدني في شيء، فأنا من مواليد شهر يوليو.
وتناول منه الرسالة وعاود القراءة) لقد اجتزت حياتك الأولى في مشقة. ويبدو أنك الآن في مركز حرج. ولكنك سرعان ما ستتغلب على المصاعب، وتبدأ في طلب ما تتمناه من الحياة. . .
(إنك تميل إلى الناحية العلمية. والعمل الجدي في هذه الناحية سيولد لك العجائب. لقد سبق لك أن فكرت في ذلك، واهتممت بالمخترعات. إن النجوم تشير إلى انك ستقوم باختراع ما، يغير من مستقبلك. وستأتيك الثروة بعد أن تجتاز الكثير من الصعاب. وسيأخذ منك اختراعك بعض الوقت. ولكنك ستصبر وتصبر لأنك تدرك بأنك ستصل حتما إلى ذروة المجد. وعندما تعتقد أنك فقدت الأمل ويتملكك اليأس ينقلب كل شيء انقلابا مفاجئا في صالحك، وعندئذ تقبل عليك الثروة، ويأتيك الجاه.
لقد شقيت كثيرا في حياتك الأولى، ولذلك ستحافظ على كل قرش تكسبه. وفي الحق، فإن المال يجلب المال. وستهتم بالناحية الصناعية اهتماماً يؤدي بك إلى أن تصبح ملك الصناعة.
أما عن حياتك الخاصة، فإن علامتك تدل على أنك في صحة جيدة. ولكنك في حاجة إلى الرياضة لتظل كما أنت. ولحسن الحظ يبدو انك تقوم بذلك عن طريق التعود. ولكن يجب أن توجه عنايتك إلى عينيك وعنقك وقدميك والدورة الدموية في جسمك. وستنتابك بعض السقام وسرعان ما ستتغلب عليها. وهناك من الدلائل ما يشير على أنك ستعيش عمراً مديداً.
(وأما عن حياتك الغرامية فإن النجم يشير إلى إنك ستتزوج خلال شهر يونيو، وهو الشهر المفضل لديك. أن حياتك الزوجية ستكون في مد وجزر، ولكنها - على أية حال - ستغمرك بالسعادة. والنجوم تشير أيضاً إلى أنك ستكون رب عائلة وستنجب ذرية - أربعة أولاد - سيكون لها شان كبير في الحياة. وستفتخر بك عائلتك، وستعيش زوجك من بعدك، ولكنك ستعيش حتى ترى ذريتك في أوج شبابها.
(وستسمع أثناء حياتك الطويلة عن حروب ولكنك لن تشترك وعائلتك فيها. وستتغير أحوال العالم الاقتصادية ولكنها لن تؤثر عليك.
(وعندما يحين الحين وتقابل باريك، فالنجوم تبين أن نهايتك ستكون نهاية هادئة. أن كل الدلائل تشير إلى أنك ستموت أثناء نومك.
(وأخيرا دعني أهنئك تهنئة حارة بحسن طالعك)
وانتهت الرسالة، وانتشرت على وجه قارئها ابتسامة فاترة. ثم أشعل لفافة أخرى، وأخيرا ناول الآخر الرسالة قائلا - ما رأيك في هذه الرسالة؟ فقرأها ثم أجاب - أنها مسلية للغاية!!
وما أن انتهى من كلامه حتى سمعنا صوت وقع أقدام تسير في الممر، ثم فتح الباب ودلف منه حاكم السجن ورئيس حراسة والطبيب والكاهن. وخاطب صاحب الرسالة قائلا - هل أنت على استعداد للقيام بنزهتك الأخيرة؟
فأجابه وهو يرمقه بنظرة باردة عميقة من عينيه الزرقاويين نعم، إني على استعداد.
وسار وبجانبه حارسه الذي كان يلازمه في سجنه وقد أحاط بهما الركب حتى أدى بهما السير إلى فناء السجن في صباح يوم من شهر يونيو، واقتربوا من تلك المنصة الخشبية التي أقيمت عليها. . . المشنقة؟
(الإسكندرية)
محمد فتحي عبد الوهاب