مجلة الرسالة/العدد 80/من روائع الشرق والغرب
مجلة الرسالة/العدد 80/من روائع الشرق والغرب
ذكرى
لشاعر الحب والجمال لامرتين
كان لامرتين (قد حبس نفسه شهوراً طويلة في شبه ناووس مع صورة من عبدها ثم فقدها) ثم (ألف الحزن واللم) وخرج من الفناء الذي ألفاه فيه موت جوليا حبيبته، وراح (يتحدث بالمناجيات والصلوات والأدعية والشعر الى شبحها الذي لايبرح ماثلاً في خاطره). وهذه القصيدة قد نظمها في ربيع 1819 (على مقعد من الصخر حول ينبوع متجمد في الغابات التي تكتنف قصر عمه في (أورسي)
عبثاً يتعاقب الجديدان،
فلن يتركا أثراً في حسي،
ولن يمحوا صورتك من نفسي،
يا آخر حُلم رآه الوجدانإني أ {ى أعوامي السريعة
تتراكم من ورائي هاوية،
كما ترى السنديانة الرفيعة
أوراقها من حولها ذاوية.جُمتي شيبتها السنون الجاهدة،
ودمي أبردته فلا يكاد يجري،
كأن هذه الموجة الهامدة
لفحتها ريح الجنوب فلا تسريولكن صورتك الوضيئة الحبيبة،
تلك التي يزيدها أسفي جمالاً لا تدركها في قلبي لشيخوخة الكئيبة،
لأنها كالنفس لا تعرف عمراً ولا زوالاًكلا، انك لم تزايلي بصري،
فاذا حيل بين عيني وبين رؤيتك
انقطع من هذه الارض خبري
واتصل نظري في السماء بصورتكوهناك تبدين لي في السماء
كما كنت في يومك الاخير،
حين طرت إلى مقامك الوضاء
مع الصباح المشرق النضيرجمالك النقي المؤثر يا حبيبتاه،
يتبعك حتى في ذلك الوجود؛
وعيناك اللتان تنطفيء فيهما الحياة،
يشعان ثانية بنور الخلودوأنفاس النسيم الهائمة،
تحرك أيضاً شعرك الطويل؛
وخُصله المتوجة الفاحمة،
تعود فتسقط على صدرك الجميلوظل هذا النقاب الحائر،
يحلي وجهك الوضاح، كأنما سدول الظلام الآخر،
تنحسر عن محيا الصباحإن اللهب السماوي لهذه الشمس،
يجيء ويذهب مع الأيام؛
وأنت تشرفين دائماً في النفس،
فحبي لا يعرف البرد ولا الظلامأنت التي أبصرها في السحاب والماء؛
فالموج يعكس صورتك في عينين
والنسيم يحمل أصواتك إلى،وإذا خشعت الأصوات ونام الليل،
وسمعت حينئذ همس الهواء،
حسبتني أسمعك تغمغمين في أذني
بكلماتك المقدسة العِذَابوإذا ما أُعجت بهذه المصابيح المنتثرة
التي ترصع رداء الليل الساكن،
حسيتني أراك في ل نجمة مزدهرة،
تسترعي بصري بلألائها الفاتنوإذا ما هب النسيم على الزهور،
فأسكر النفس بنفحات العطور،
كانت نفحتك هي الطيب الذي أنشقُه فيما يَنُشه هذا النسيم ويطلقهإن يد هي التي تجف دموعي
حين أذهب في حزن وبكاء
لأؤدي في السر صلاتي وخشوعي
في محاريب الدعاء والعزاءوإذا نمت سهرت على سهر الخائف،
وبسطت جناحيك على آلامي،
وأوْحيت إلي بجميع أحلامي
وديعةً كنظرات الخيال الطائفوإذا قطعتْ يداك أثناء منامي
مجرى حياتي واسباب أيمي
فسأصحو - يا نصف روحي العلوي -
بين حِضنك الحنون القدسيثم تصبح نَفْسانا نًفْساً واحدة،
كشعاعين متحدين من أشعة الفجرن
أو نفسين ممتزجين من الأنفاس الصاعدة؛
ولكني لا أرال أردد أنفاسي العمر!!
الزيات
مقطوعات شعرية
لشاعر الهند العظيم الدكتور محمد اقبال (من ديوان رسالة المشرق)
الملك لله
أضرم طارق النار في سفائنه على ساحل الأندلس، فقيل له هذا أفَنٌ ينكره العقل! كيف نرجع الى الديار، وقد شط المزار؟ إن الشريعة لا تجيز ترك الوسائل! فضحك وأصلت حُسامه وقال: كل مُلك ملكنا، لانه مُلك ربنا
الحياة
سألت حكيماً: ما الحياة؟ قال: حمر امرها أطيبها. قلت: إنها دودة تنشأ من الطين. قال: بل وليدة النار السمندل. قلت: إن الشر مضمر في فطرتها. قال: هي شر كلها إذا لم تعرف خيرها.
قلت: إن غرامها بالمسير لم يبلغها منزلاً. قال إن منزلها في هذا الغرام نفسه. قلت: إنها ترابية ومرجعها التراب. قال: إن الحبة إذا شقت التراب فهي وردة ناضرة
الشقيقة
أنا الشعلة التي اضرمت في أحضان العسب من فجر الأزل، قبل أن يٌخلق البلبل والفراس، أنا أعظم من الشي، ولكني منبثة في كل ذرة، وقد خلقت السماء شرارها من حرقتي: سقطت على صدر المرج لحظة فنبع من ترابي عصن ناضر فاستلب ناري وقال: تلبثي في أحضاني قليلاً، ولكن قلبي السليب لم يقر قراره، فاضطربت في ضيف الغصن حتى تجلى جوهري باللون والرائحة، فنثر الندى في طريقي جواهر متلألئة، وضحك لي الصبح، وأطافت بي ريح الصبا، وسمع البل من الورد أن ناري قد سُلبت، فتأوه وقال: لقد استرت ثوب الحياة غالباً
هأنذا أفتح صدري لضوء الشمس وأحتمل منتها، فمن لي بأن تعود ناري مشتعلة في صدري؟
الحياة الخالدة
لا تحسبين الحانة قد بلغت نهايتها. فلا يزال في عروق الكَرْم ألف خمر لم تُشرب ذل المرج جميل، ولكن لا يجمل ا، نعيش كالربعم! قضاء حياته ممزف بأنفاس الصبا. إن تكن بالحياة خبيراً فلا تطلب ولا ترض قلباً خلياً من وخزات الأمل. عش كالجبل محكماً مجتمع النفس، ولا تعش كالهشم، فان الريح عاصفة والنار لا تهاب
عبد الوهاب عزام