مجلة الرسالة/العدد 799/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 799/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

مجلة الرسالة - العدد 799
رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر
ملاحظات: بتاريخ: 25 - 10 - 1948


الهجري: 2 - اردان حلة الإحسان في الرحلة إلى جبل لبنان

لمصطفى البكري الصديقي

(1099هـ - 1162هـ - 1687م - 1748م)

للأستاذ أحمد سامح الخالدي

كان صديقنا والد الأولاد المرحوم مراد توفي في شهر ربيع الأول فعملنا عند قبره خثما، وطلبليلة المسيير الكبير الاندراج في السلك مع أخواته فأجبته، فأخذ صالح الدأب على الخير، وتبعه أخوه خير وأخوتهما ومصطفى وعلي وخالد وعمر وأولاد صالح، وسرنا بعد أن ودعنا الإخوان وصلينا الجمعة في (سحمواته) وجاءنا من صفد، من له الغرام بالتحريك أوثق صفد، وبتنا في (قلعة معليا) الرفيعة، وفي الصباح عاد أهل صفد وصحبهم الأخ الشيخ عمر البقاعي وأرسلت معه كتاباً للصهر. ومنها توجيهنا بمن معنا إلى الساحل، وقبلنا لدى النون المصري المقيم الراحل، فقلت:

ومررنا بلصق جدران (عكة) ... بلدة في الثغور ثورت عكه

وحديث بمدحها فضعيف ... بكها الجسم لا تقسه ببكة

وقطعنا نهر الدعائم سرعاً ... وأصبنا لدى المقطع ركة

ونزلنا قريب قلعة حيفا ... وصككنا الجفا على العنق صكة

وسألنا الإله تقريب قدس ... وارتحالا لطيبة ثم مسكة

وبتنا في قرية (صدفند) بعد مشقة، ومنها أتينا حمى (عتيل) وعزمنا في الصباح على الرحيل، ونلنا من أهلها إكراما له حال ثقيل، وحثثنا المطي بلا وقوف، إلى (الطيبة) الخلوف، وهذه القرية من قرايا بني صعب التي يأمن بها الخائف ويهون الصعب، وهم بطن من كندة ومن بجيلة، وكندة بالكسر، قبيلة من اليمن، وقيل الكندي لقب ثور بن عفير أبي حي باليمن لأنه كند أباه النعمة ولحق بأخواله. قاله القاموس. وفي الصب يجعله قبيلة من اليمن والنسبة إليها بجلي بفتحتين، مثل حنفي في النسبة إلى بني حنفية، وبجلة مثل تمرة قبيلة، والنسبة إليها على لفظها انتهى. ومنها حول نبأ الدليل السلفيتي، إلى قرية (كور) فقدر بها مبيتي، لدى الأخ الحاج حسن بن مقلد وسرنا إلى الخربة الطيبة الماء والتربة، وفيها ورد علينا الأخ الشيخ نور الدين (الهواري) ضحوة النهار، وفي صباح يوم الخميس، أول ذي الحجةالأنيس، سرينا حتى أتينا (صنبر)، عازمين أنا بعد الغدا نسير، والقصد التوجه إلى جنة (الذاوية)، لدعوة رضوانها المنتمي لهلال مرابعها المداوية، فبتنا لديه، وأدخلنا صهره السيد محمد الطياري على ابنته الصغيرة. وبايع بعد العشاء جماعة تفوق على العشرين، وتقدمنا إلى (دير غسان)، وبتنا فيها بليلة حسان، ودعانا الشيخ إبراهيم الرابي للغداء، فتوجهنا لزيارة (الخواص) سيد أبراهيم وافر الندى، فقلت:

أيها الواردون للخواص ... إن هذا المقام نزل الخواص

وتوجهنا صبحا إلى قرية (عابود) لدعوة أهلها ففتحنا باب الوفود، ورقينا تلك المنازل ذات الصعود، وبتنا فيها وحبل السرور ممدود، ومنها سرينا نجد في السير إلى (بيتلو) للاصطباح ولم نبت إلا لدى (نبي الله شمويل) ولما أرسينا بشطه وأمسينا فيه، وفد علينا من المقادسة من نصطفيه، فكانت الوراد من المنزل المقدس نتوف على العشرين، وفي ضحوة نهار الثلاثاء سادس الحجة عمدنا الديار المقدسة صحبة الأحباب، وتلقانا أناس أطهار أخيار، وإخوان صفا أولى ادكار وأذكار، ودخلنا مصاحبين الفاقة والذلةوالانكسار، رجاء الانجبار نتلو البردة الشريفة على عادة أهل الديار، إلى أن وصلنا السلسلة المرفوعة الأطوار، وزرنا بعد ختم الذكر المغارة والصخرة الشهيرة الأنوار، واجتمعت بالأهل والبنية صانها الستار، وحصل بالاجتماع كمال السرور للحضار).

وقد استغرقت هذه الرحلة من دمشق إلى القدس عن طريق البقاع ولبنان تسعة عشر يوما. وأخذ الشيخ بعد ذلك يدور في فلسطين، يزور مشاهدها ويدون لنا في رحلته ما شاهده من الآثار، ومن اجتمع به من السادة الأخيار.

ويقول الشيخ: (ودخل العيد ونحن في صفاء ما به أكدار، ووردت علينا بعد أيام مكاتبات من أحباب أخيار فخام، وأرسلنا الجواب البار، إذ شاقنا التذكار لأهل حلب والشام، وبقية خطاب كرام، وحصل بعد الحضور فتور قريحة فلا نثر ولا أشعار، وكان الأخ السلفيتي توجه إلى مربعه، وبعد أيام من الإقامة وجمع جامعه لكل مرة مداحة، حصل رمل عين، أورث نكد عين، ثم اتبعها أختها وحصل الشفا. وحين هل هلال محرم الحرام، سنة (1140هـ) استقمنا على نظام واحد في الخيام، هاجرين منهج النظام قهرا ولما آن أن يدنو منه التمام، بشرت بحمل وقيل أنه غلام، قلت ما جاء هدية من السلام، فهو لدينا مقبول ولا ملام، وعسى أن تكون بنية ذات حال سما، لا سميها باسم والدتي الشريفة علما. وفي صغر الخير اتضحت البشارة، وزال في شهر المولد لبس الستارة، وكان الأخ السيد محمد (السلفيتي) وعد بالعود، لأجل أن يرافقنا في الزيارة العليلية فعزمنا على المسير إليها، ورافقنا الأخ الشيخ رضوان نجل رضوان الزاوي، والأخ الشيخ نور الدين الهواري، وغيرهم من الإخوان ما لهم مساوي. وذلك نهار السبت السادس من شهر ربيع الأول شهر المولد).

الزيارة العليلية:

(حين واجهنا سيدنا (شمويل) قرأنا لجنابه فاتحة الكتاب، وبعد هنيهة في المسير، أنشد رضوان الزاوي:

شوش الجمال قلبي ... حين نادى بالرحيل

قلت للجمال خذني ... قال لي حمل ثقيل

(وما زلنا على نجد نحب الأرض حبا والوقت أدلى اردان بسطة علينا وذوقنا قضباً وحباً وفاكهة، ونزلنا للاستراحة وقت الضحى، ولم نعقل الدار طي تلك المسافة إلا في (عابود) ونزلنا غب استقبالهم المضافة. وفي يوم الاثنين غلساً سرنا وللاستراحة في (نزلة) نزلنا، وانعطفنا على زيارة سيدنا يهودا وهو أحد أولاد سيدي يعقوب. فقلت:

يا خليلي متلف الوجد عودا ... وانشقاني نداً عهدت وعودا

وبتنا بقربته المأنوسة، في دعوة الصديق الشيخ إبراهيم الخليلي القاسمي، وفي الصباح أتينا (يا زور) وزرنا مقام سيدنا حيدرة المنسوب لسيدناعلي بن أبي طالب، ودخلنا (ساقية). وفي الضحى سرنا إلى (يافا)، وقد تلقانا أحبة، لهم صدق خلوص وفي (الجامع الجديد) حلينا به، إذ الرفاق جمعهم جمع، ودعانا الأخ السيد صالح محرم الدار، وبتنا عند أخينا العواد، نافين الأكذار، وتوجهنا للحرم العليلي، وحضره قبلنا الأخ الحاج حسن مقلد، وجاءنا نفر من أهل يافا، وصحبتهم الشيخ خاطر المجذوب، وختمنا بعد العصر الربعة الشريفة، وعملنا المحيا ليلة الجمعة وأقمنا فيه يومها).

العودة عن طريق نابلس

وبعد العشا، وبعد الغشا، توجهنا إلى (بنيامين) وقرأنا الورد السحري لديه، وأتينا (كور) وأقمنا بها ليلتين، ثم وردنا نابلس المحمية، ونزلنا بساخة (الدرويشية) ودعانا المحب، الحاج حمدان الطويل، وأخذ ولده الدخيل الشيخ يوسف وصالح للتكميل، وقام بما يلزم من إكرام جانب صالح باشا بن توقان (طوفان)، وزرت مع الأخ السلفيتي في جبلها الشرقي سيدي الشيخ غانم المقدسي، وتوجهنا بمن معنا إلى قرية (عينبوس)، وأخذبها العهد الشيخ عمر مملوء الطسوس، وحضر الأخ المأنوس السيد محمد وقال ما أثرت في مبايعة أحد من أخواني، مثل ما أثرت في مبايعة هذا الأخ الجناني، ولا سمعت ذكرا أحلى من ذكرك حال التلقين الاحساني، فاني بمجرد قراءتك الآية الكريمة خشعت أركاني، وهمت أجفاني، فقلت (كان الوقت طيبا مغمورا بحضور أهل النور الصمداني.

(وسرنا إلى قرية (جماعين) وبتنا بها ليلة الأحد ذات السحاب المعين، وقرأنا الورد السحري في الجامع على جمع من الأعيان. ونحونا نحو (مردا) لم نجد عنها مردا، وبعد ما أظهرنا مضينا إلى قرية (كفر عين) راجين صلح بين زيد، عسى المعين عليه يعين، وبتنا بها في دار على جلباتها السرور دارا، ونهجنا منها إلى (دير غسان) بوجد نام، وقلب رهين منهان، وأقمنا فيها لأجل الإصلاح، إذ بدا شربتلك البطاح، وأخذنا عطوا شهر للراحة، وسرنا للمنازل بنفوس مرتاحة، ولدي (بيت ريما) أنزلنا قصراً للإكرام، وفي (تبتلو) نمنا وبها مدت موائد أنعام، ولم نصل الظهر إلا في بيت الحرم، الكائن عندي في الدار المعدود من النعم، ورجع أخونا السيد محمد ومن معه للمنازل وأرسلت للصهر المحترم كتابا جعلته عن كتب جوانا. وصدرته بقصيدة.

سيف الهوى ما أفله ... بعد بلى ذاك سله

وأرسل جواب هذا الكتاب مصدرا بنظم مستطاب مطلعه

غضب الهوى ما أسله ... يا ويح من رام سله

به الفؤاد عليل ... ياليته ما أعله فصار جسمي نحيلا ... من الضنا كالأخله

وقد سرى في عروقي ... مثل الدما وأحله

حتى كساني وجداً ... قد صار للقلب حله الخ

وجاءني منه كتاب ثان ينبئ عن الحب الرفيع الشأن، وذكر فيه موشحا للسيد يعقوب الكيلاني، نجل السيد عبد القادر الحموي الداني، وهو على طريقة الأندلسيين. وبعد أيام من ورود الكتاب القندي، وجاءني الدرويش الحاج يعقوب السندي، وطلب مني حال عزم على السفر مكاتبات أربعة أحدها لشيخنا الشيخ عبد الغني (النابلسي) ومطلعه:

يا لقوم من لصب ما غفا ... طرفه فدام نادي القدس

صافعا هم الثنائي في العفا ... إذ تملى بالجمال الأنفس الخ

وكنت أجبت الدرويش يعقوب لما طلب المكاتبات الأربعة إني منذ أتيت هذه الديار، أتكلف لكتابة مكتوب حروفه مجمعة وأن أردت النظم والنثر العادي، أراه متعسرا علي، ولو تعمل له فؤادي. فما زاده الاعتذار إلا إلحاحا وإلزاما في الطلب، فدفعت له مكاتبة الأستاذ الملاذ (أي الشيخ عبد الغني النابلسي) فقال إنه يهديك هدية سنية تفوقي لديك الملاذ، ثم كر على طلب البواقي، فعملت له مكتوبا لشيخنا الساقي ياسين الحموي الجيلاني فقلت:

وكذا نهدي تحايا قد سمت ... وزكت أين ذكا منها أخي

وثنايا سحبها فيضاً همت ... بسطها للقبض يزوى أي وي الخ

وأرسلت للصهر الأمجد كتابا مصدرا بموشح:

أصبحي أريجي أرجحي ... لو ذعي المعي أجمعي

أفوجي أروحي أنجحي ... ارفعي اشجعي ارتقي

أنصحي إبطحي إسمحي ... أبدعي اطوعي اجرعي

ثفرة بن البخاري وأنا ... مسلم كأس الموطأ محتسى

ولكم اذهب عنا من عنا ... وعياء وعلى ذا فقس الخ

وكتبت كتابا للأخ الحميم الشيخ عبد الكريم المشهور بنسبه الكريم، بالشراباتي وصدرته بموشح:

أيها السيار سر بي للحمى ... واسقني من صرف صافي الاكؤس وإذا ثنيت ثلث فالظمأ ... قد غابي للمقر الأنفس الخ

ولما أتممت المكاتبات المطلوبة، وأحضرتهم على كيفية مرغوبة، تأخر الدرويش يعقوب عن السير، منظراً للأذن المحبوب للقلوب عند الطروب، وكان قدم علينا غب العودة من الزيارة رجل مصري يدعى موسى انتمى إلينا فيها، وقصده التجارة لكنه مغلوب نفس، منهوب حدس، محجوب عبارة، ملسوب حية أمارة؟ (وفي يوم الأربعاء من أواخر شهر ذي الحجة توفي الأخ الأمجد الأوحد السيد محمد السلفيتي وسيأتي تاريخ وفاته وبعض ترجمته في حال زيارة ترتبه ومرثية قلتها فيه، ما زالت الرحمات توافيه).

(يتبع)

أحمد سامح الخالدي