مجلة الرسالة/العدد 797/إميل لودفيج
مجلة الرسالة/العدد 797/إميل لودفيج
للأستاذ عمر حليق
مات إميل لودفيج في 18 من هذا العام بعد أن ترك ثروة أدبية في نوع فريد. ولودفيج من الكتاب الألمان القلائل الذين احتفظوا بسمعة عالمية بالرغم من الويلات والمصائب التي ألمت بالحياة الأدبية في نصف القرن الحالي في تلك البلاد التعسة.
وثروة لودفيج خليط من المقالات السياسية في قالب التراجم وفي المسرحيات السياسية والتاريخية والاجتماعية، وله كتاب من نوع فريد أرخ فيه تاريخ ثقافة في حياة نهر، فكتابه (النيل) يجمع بين الطرافة الأدبية والدقة التاريخية ولمحات من التحليل العميق للحضارات العتيقة والحديقة التي أوحى بها هذا النهر الأزلي. وقد أختار لودفيج تراجمه من الشخصيات المعقدة التي تحتاج إلى تعمق في الدراسة، لا بسبب ما بها من عقد نفسية فحسب، بل للظروف والملابسات التي أحاطت بها، وبالأدوار التي لعبتها في تاريخ الحضارة والانسانية. فكتبه عن السيد المسيح، وعن جوته وبيتهوفن وبسمارك أثارت مناقشات في الأوساط السياسية والأدبية والدينية معاً، وهذه من مزايا الأعمال الخالدة التي لا تنفرد بطابع التفكير الذي لا يتقيد بالمألوف ولا يجاري الاتجاهات التقليدية. وليست هذه الكلمة تحليلا لأعمال لودفيج ولا هي تعريفاً بإنتاجه الأدبي، وإنما هي عرض لحياة رجل من المثقفين الذين تركوا لمكتبة الأدب والتاريخ ثروة حافلة بالإبداع الفني والتعمق الفلسفي ولمحات صادقة من تطورالسلوك الفردي وتباينه في مراحل نمو العظماء والبارزين الذين جعلهممواضيع لآثاره الفنية.
ولد إميل لودفيج في برسلو بألمانيا عام 1881 ثم رحل إلى سويسرا وأصبح في سن الثانية والثلاثين مواطناً سويسرياً وأعلن أنه أختار سويسرا منفى له طواعية بعد أن أثار بعض الجدل في المحافل الأدبية والسياسية بسبب كتاباته عن بسمارك والعقلية الألمانية.
وكان والد لودفيج أستاذاً في جامعة برسلو، وهو يهودي أسمه هرمان كوهين اختار لأبنه أميل كنية غير يهودية ليدفع عنه أذى المعادين لليهود في ألمانيا.
والواقع أن يهودية لودفيج التي كان يفخر بها قد أفادته في حياته الأدبية إلى أبعد حد، فإن سيطرة اليهود في كل دولة أوربية وفي أمريكا الشمالية على ألسنة الرأي العام ودور النشر وتجارة الكتب كانت سبباً هاماً في توفير الإمكانات للودفيج ولعشرات الكتاب اليهود في ألمانيا وغير ألمانيا وتقديمهم إلى الأسواق العالمية ورعاية نموهم الأدبي كأحسن ما تكون الرعاية. وندر أن تجد في الأوساط الأدبية العالمية من يتعرف أو يتعرف بالأدباء والمثقفين الألمان من غير اليهود وندر أن تجد في مكاتب أوربا الغربية وأمريكا من المنتجات الألمانية إلا إذا كانت صادرة عن أدباء يهود أو يمتون إلى اليهودية بصلة - كما هي حال الكاتب الألماني الشهير توماس مان الذي ساعد زواجه من امرأة يهودية على كسب رعاية اليهودية العالمية التي تعمل في الحقل الأدبي والأوساط الثقافية الدولية. ومن الجدير ذكره بهذه المناسبة أن الأوساط الأدبيةوالفنية في أمريكا تشعر بهذا التكتل اليهودي وتنفر منه؛ فإن سيطرة اليهود في أمريكا على الحياة الأدبية في مصادر الإنتاج جعلت حظ الأمريكان من النجاح مقيداً بالنعرة اليهودية الضيقة التي تسهل الرقي والنجاح للأدباء والفنانين من اليهود الأوربيين الذين يستوطئون الولايات المتحدة على حساب الناشئة من الكتاب والشعراء والفنانين الأمريكان. إنفرد لودفيج من بين الكتاب المعاصرين بمعالجة أدب التراجم فكتب دراسات عميقة عن نابوليون، وهند نبرغ رجل ألمانيا العسكري، وعن مازاريك السياسي التشيكوسلوفاكي، وعن كليوباترا، وعن فرانكلين روزفلت، والرئيس بوليفار أحد كبار الشخصيات السياسية في أمريكا اللاتينية، وله مؤلفات عن ستالين وسيجموند فرويد - صاحب نظرية التحليل النفساني المعروف. ولم يقتصر لودفيج على التراجم فعالج القصة والرواية والموضوعات الأدبية البحت في النقد الأدبي ومشكلات السلوك الفردي، فمن قصصه (الفن والقدر) (هبات الحياة) و (ديانا) و (عطيل). وله أيضاً دراسة في (العبقرية والخلق). ودون تاريخ حياته في كتاب دعاه (نظرة إلى الوراء).
ومن بحوثه السياسية كتاب (أحاديث مع موسوليني) (والغزو الأخلاقي لألمانيا) (وكيف تعامل الألمان).
ومن مؤلفاته الأخيرة كتاب عن (البحر الأبيض المتوسط) ودراسته لنهر (النيل).
وكان لودفيج يشتغل في وضع كتاب عن الملك داود عندما وافته المنية. ولم يترجم إلى الإنجليزية إلا القليل من أشعار لودفيج ومسرحياته التي أستهل بها مطلع حياته الأدبية حتى سن الثلاثين.
وكان لودفيج من مناصري الحركة الصهيونية في سويسرا وإيطاليا لتسهيل النشاط الصهيوني عبر القارة الأوربية في تجنيد الرجال والعتاد للغزوة الفلسطينية ملتقى رؤساء حركة التهريب الصهيونية كما ذكرت بعض الصحف الإيطالية منذ بضعة أشهر.
(نيويورك)
عمر حليق.