مجلة الرسالة/العدد 792/لقد طار لأول مرة. .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 792/لقد طار لأول مرة. .

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 09 - 1948



للكاتب الايرلندي لام أفلا هيرني

للأستاذ محمد سعد الدين وهبة

وقف العصفور الصغير وحيداً أمام عشه. . . لقد تعلم أخواه وأخته الطيران في اليوم السابق، ولكنه لم يجرؤ على الطير معهم. . . وحينما كان يجري على فرع الشجرة الممتد أمام العش وحينما يبلغ نهايته ويوشك أن يرفع جناحيه يحس بالخوف فيجمد في مكانه. . . كان البحر منبسطاً هناك في أسفل. . . عدة أميال بينه وبين سطح البحر. . . كان يشعر بشعور مؤكد أن جناحاه لن يستطيعا حمله فكان ينكس رأسه في ذلة ثم يعود إلى عشه الصغير. . . وكان أخوته يحومون حوله يحثونه على الطيران. . . فكان أبوه وأمه يدوران حوله يؤنبانه على خوفه وجبنه، ويهددانه بحرمانه من الطعام وتركه في العش يموت جوعاً إذا لم يطرح عنه الخوف ويبدأ في الطير. . . ولكنه كان يريد الاحتفاظ بحياته فلم يغادر العش. . . ومر أربع وعشرون ساعة ولم يقترب منه أحد. وفي اليوم التالي أخذ يرقب أباه وأمه يطيران مع أخوته يصححان لهم أوضاعهم، ويعلمانهم كيف ينقضون على البحر إذا شاهدوا سمكة طافية. . . وكيف يتناولونها بمنقارهم ثم يرتفعون في سرعة. ورأى أخاه الأكبر يصطاد سمكة ثم يأخذها إلى حجر ناتئ بعيد حيث جلس يلتهمها وحوله باقي أسرته يصيحون في فرح وزهو. ثم طار الجميع إلى الصخرة البعيدة بعد أن مروا به يسخرون منه ويعيرونه بجبنه وخوفه. . .

وأخذت الشمس ترتفع في السماء وترسل أشعتها المتألقة وحرارتها الوهاجة. . . فأحس بالدفء. . . إنه لم يذق طعاماً منذ المساء السابق. . . أخذ يرتعد ثم فكر في طريقة يصل بها إلى أسرته طريقة تستوجب الطيران. . . ولكن لم يكن هناك سوى البحر الوسيع يمتد من تحته. . . وأراد أن يلفت نظرهم إليه فوقف على رجل واحدة ووضع الثانية تحت جناحه. . . ثم أغمض عينيه وتظاهر بالنوم. . . وفتح عينه فشاهد أخوته يتمرغون على الصخرة فرحين. . . أما أبوه فكان ينكش ريشه بمنقاره. . . وأمه. . . كانت هي التي تنظر إليه. . . ومن لحظة تنهش قطعة من السمك ملقاة تحت رجليها. . . وأثاره مرأى الطعام حتى كاد أن يجن. . . كم يحب أن يذوق السمك. . . ولم يلبث أن صاح صيح ضعيفة يستعطف أمه أن تحضر له بعض الطعام. ولكنها أجابته بالرفض. . . ثم انطلقت من حنجرته صيحة فرح. لقد شاهد أمه تقبض على قطعة السمك بمنقارها ثم تطير متجهة إليه. . . وجرى إلى نهاية الفرع في شغف وأخذ يدق الفرع في سرور. . . وحينما قربت أمه منه توقفت عن الطيران ثم حلقت في الفضاء وقطعة السمك في منقارها. . . وانتظر أن تقترب منه. . . ولكنها لم تفعل. . . وعضه الجوع. . . وفجأة قفز إلى قطعة السمك ولكنه. . . أخذ يسير إلى الهاوية وحينما مر بأمه سمع صوت أصطفاق جناحيها. . . ثم لم يعد يسمع شيئاً. . . بقيت لحظة. . . لحظة واحدة بعدها سوف يسقط في البحر. . . ففرد جناحيه. . . وأحس بالهواء يدفعه فحرك جناحيه. . . إنه لا يسقط الآن. . . ولكنه يرتفع. . . وغادره الخوف. . . لم يعد يهاب شيئاً. . . إنه يطير. . . إنه يطير. . . وأطلق صيحة فرح. . . ورأته أمه يطير فأخذت تصيح فرحاً. . . ثم رأى أسرته وقد التف أفرادها به ونسي أنه لم يكن يعرف الطيران فأخذ يحلق في السماء. . . يطير مرتفعاً ثم ينخفض. . . يطير مشرقاً ومغرباً. . . والسرور يملأ نفسه. . . ولكن. . . لقد صار فوق البحر. . . والمسطح الأخضر تحته تماماً. . . ورأى أبوه وأمه وأخوته وقد حطوا فوق البحر. . . وأخذوا ينادونه في سرور. . . أخذ ينخفض حتى بلغ سطح البحر فأسقط رجله على المسطح الأخضر ولكنها غاصت فيه. . . وصاح من الخوف وأراد أن يرتفع ثانية. . . فأخذ يضرب بجناحيه. . . ولكنه كان تعباً. . . ضعيفاً من الجوع. . . لم يستطيع الارتفاع فترك أرجله تغوص. . . ثم شعر بالماء يلمس جسده فارتعد. . . ولكنه لم يغص أكثر من ذلك. . . لقد طفا جسده فوق الماء، والتف حوله أفراد أسرته يصيحون فرحين ثم تقدموا منه وبمنقار كل قطعة من السمك. . . فرموها إليه ثم أخذوا يعودون فرحين. فقد طار صغيرهم لأول مرة. . .

محمد سعد الدين وهبة