مجلة الرسالة/العدد 792/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 792/الأدب والفنّ في أسبوُع

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 09 - 1948



للأستاذ عباس خضر

الدكتور طه حسين أيضاً:

يوم أشرت إلى ما نمت عليه مقالات الدكتور طه حسين بك، من شعور بعدم الارتياح إلى حاله في مصر وتعزيه عن هذا بمكانه في فرنسا - لم ألتفت إلى ناحية ينبعث منها هذا الشعور، إذ قصرت الأمر على ما عساه أن يكون بينه وبين الدولة من أشياء لا ترضيه؛ وهذه الناحية وقفت عليها من كتاب (رحلة الربيع) الذي أخرجته له أخيراً (سلسلة اقرأ) والذي تحدث فيه بخواطر خطرت له في أثناء سفره إلى فرنسا وإقامته فيها وعودته منها إلى مصر في الربيع الماضي.

يقول في موضع في أوائل الكتاب (وكنت قد تركت في مصر شراً ونكساً وإثاً، وخرجت وفي نفسي شئ من شرها ونكرها وإثمها) ويقول في موضع آخر: (إني لظالم للحق ولنفسي حين أحفل بهذه الضفادع البائسة التي تملأ جو مصر نقيقاً. وما الذي يمنعني حين تثقل على عشرة الضفادع أن أنسل من بينها كما تنسل الشعرة من العجين لأخلو إلى رائع القديم وأخلو إلى رائع الحديث، وأتعزى بجمال الأدب والفن والموسيقى عن قبح السياسة والمنافع وغدر الغادرين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين!) ويقول بعد أن يعبر عن اغتباطه بزيارة الأطلال اليونانية في (الأكروبوليس) في أثناء رسو السفينة في أحد ثغور اليونان، وبعد أن يعبر عن نشوته بسماع موسيقى بيتهوفن عند عودته إلى السفينة في المساء، يقول مخاطباً نفسه: (وقد أنكرتك مصر أو أنكرت مصر، فخرجت منها ذات يوم مع الصبح، ولم تكد تنأى عنها حتى غمرك جمال القديم اليوناني في الضحى، وجمال موسيقى بيتهوفن في المساء، فنسيت مصر وأهلها، ونسيت مكر الماكرين، ولهوت عن غدر الصديق وعن جحود الجاحدين).

إذن فالذي استشعره الدكتور طه من الشر والنكر والإثم في مصر، مبعثه غدر الأصدقاء ونفاق المنافقين؛ وليس هذا غريباً، بل هو أمر طبيعي لم يكن من الممكن - في طبيعة الأحوال عندنا - غيره. . . فقد كان الرجل في منصب كبير من مناصب الدولة، وكان له سلطان، وفيه أريحية، فنثر حوله حباً تساقط عليه طير كثير، ولصق به كثيرون م محترفي الصداقة. فقدم ورفع وأعطى ومنح. وهؤلاء (الأصدقاء) اللصقاء يعرفون كيف يلبسون لكل حال لبوسها، كما يصفهم الدكتور، وقد بلغ الغاية في هذا الوصف، ومن ذلك مخاطبته لأي منهم: (وأي شئ أيسر من أن تصفو لي اليوم وتكدر لي غداً، ثم تعود إلي مثل ما كنت فيه من الصفو، ثم ترتد إلى مثل ما كنت فيه من الكدر، وتجعل نفسك على هذا النحو كرة تقذفها من الصلة إلى القطيعة ومن القطيعة إلى الصلة).

وقد تغير هؤلاء المراءون على الدكتور، لأنه أصبح لا يملك ما كان يملك لهم من المنافع، فتحولوا عنه إلى غيره يلتمسونها عنده.

ولا شك أن من فوائد هذه المحنة النفسية (الطبيعية) هذا التحليل الرائع لتلون المتلونين ورياء المنافقين، وتهوين أمرهم، والسخرية منهم وما إلى ذلك مما تضمنته فصول الكتاب؛ ومن المحقق أن هذه المحنة صبغت - وستصبغ - أدب طه حسين بلون جديد.

ويتعزى الدكتور طه عما ترك في مصر من الشر والنكر والإثم بما يلقى في فرنسا من كثير يعبر عنه تعبيراً يشيع فيه الارتياح والاغتباط. وقد عاد إلى فرنسا بعد هذه الرحلة، رحلة الربيع، ولا تزال بها إلى الآن، يعالج نفسه بما يحب هناك، وما ينسيه ما لقي في مصر. . . ومن حق الدكتور طه حسين على فرنسا أن تيسر له كل ذلك، فقد أحبها وتغنى بها، وها هي ذي تستأثر بقلمه، دون مصر وما فيها من شؤون وشجون. . . ومن حق مصر على فرنسا أيضاً أن تشفى لها نفس الدكتور طه وتأسو جراحه، فقد أنبتته مصر وأنجبته ولم تبخل به على فرنسا. . . وهى - أي مصر المسكينة - حائرة بين إسراف (الفتى) في التدلل وبين غدر الغادرين به، وترجو أن يعو إليها سالما معافى موفوراً.

أدب الهروب:

قرأت في العدد الأخير من مجلة (الأديب) اللبنانية، كلمة للأستاذ حسن حمام من اللاذقية، حمل فيها على الأدباء (الذين غرقوا بين أمواج الحب المصطنع وبين زبد أمواج الرمزية الغامضة وبعدوا عن ساحل الحياة المضطرب الجياش الثائر) وناشد أدباء العرب أن يرفعوا من القومية العربية ويعلوا شأنها، ودعا إلى أن يشعر الأديب بما يضطرب في بيئته ويستوحى أدبه من الحياة وقلبها النابض.

وقد استرعى انتباهي قوله: (إن أدبنا الحاضر أيها الأدباء بحبه وغزله، بشكواه وأنينه، ببكاه ونواحه، بضعفه وتخاذله، لا يمثل بيتنا ولا يصور حياتنا الاجتماعية والسياسية والقومية. وسيقف أحفادنا في المستقبل من هذا الأدب مقبلين أكفهم متسائلين عن معنى هذا الأدب يحاولون أن يستنبطوا حياتنا الاجتماعية منه فلا يفهمونها) استرعت هذه الفقرات انتباهي، فجعلت أتصور أدبنا الحاضر وأجول بفكري في نواحيه المختلفة، وأسأل نفسي لأحقق قول الكاتب الفاضل: هل يصور هذا الأدب حياتنا بحيث يستدل به عليها الآتون من بعدنا أو بحيث يصدق عليه ما هو مقرر معروف من أن الأدب مرآة المجتمع وصورة الحياة؟

إن أكثر الكتاب والشعراء مشغولون بالدراسات والبحوث والتعبير عن المشاعر المترفه، أو بالسياسة الحزبية، أو بالتوافه المسلية؛ فأين الحياة التي يحياها الناس من كل هذا؟.

والدراسات الأدبية مطلوبة ولابد منها للبناء عليها، ولكن لا يجوز أن يعكف عليها، ولكن لا يجوز أن يعكف عليها كلنا، أو أن نستهلك فيها كل جهدنا، ولا نضيف إلى أدب الذين ندرس أدبهم أدباً يدل على أننا كنا هنا. . .

لقد قال الكاتب في مستهل كلمته إنه تناول عدداً من مجلة الأديب فلم يجد به تعبيراً عن مثل ما يجيش بنفسه من المشاعر القومية. والعدد الذي نشرت به الكلمة زاخر بالفصول الأدبية الدراسية والأبحاث الفلسفية العالية، ولكنه يكاد يخلو مما يدعو إليه. وليست الزميلة كذلك وحدها فهذا طابع عام للإنتاج الأدبي في جميع البلاد العربية في هذا الوقت الذي يتوثب فيه الوعي العربي الجديد وينظر شزراً إلى الأدب الذي أنبت عنه.

وقد سمى السيد حمام هذا الإنتاج الذي يهرب أصحابه من الحياة (أدب الهروب) وقد أعجبتني هذه التسمية فأثبتها على رأس هذه الكلمة.

أهذا جزاء النيل؟:

أرادت إدارة الإذاعة أن تشارك في الاحتفاء بوفاء النيل، فأذاعت شيئاً مما تسميه (برامج خاصة) اسمه (النيل) من تأليف حضرة مراقبها العام، جمع فيه كل محفوظات الإذاعة مما يتعلق بالنيل من مثل (النيل نجاشي حليوة أسمر) و (يا بحر النيل يا غالي). . .

وقد بدأ البرنامج بمناجاة شعرية من الشاعر القديم (حابى) يلقيها بين يدي النيل ويتحدث فيها عن الآلهة القديمة، وقد أقلق مؤلف البرنامج روح (حابى) وأرواح تلك الآلهة إذ أثارها من مستقرها في كتاب الأستاذ حسن سليم بك، حيث يليق بها أن تكون، لأنه كتاب علمي؛ وأكرهها على الظهور أمام جمهور مستمعي الإذاعة الذين لا يألفونها. . .

ويدور الحوار في البرنامج بين النيل ومصر على نسق كتب المطالعة للمدارس الابتدائية، كالمناظرة بين الدراجة والحمار. . . وكان الممثلون يلقون كما يطالع التلاميذ، والتي مثلت مصر مثلت بها!.

واستغرقت إذاعة ذلك البرنامج نحو ساعة قضيتها متجشما الإصغاء لأرى نهاية ما يصنع بالنيل. . . فقد كان كلاما يتلو بعضه بعضاً على كره، لا أثر فيه لأي عمل فني. وظاهر أن المقصود منه أن يكون حبلا يجر ما لدى الإذاعة من (الاسطوانات) القديمة التي ورد فيها ذكر النيل، وقد كان يمكن إذاعتها من غير هذا التكلف.

والنيل واهب مصر، وكل من فيها يعيش في كنفه وعلى ما يجود به غدواته، فهل يصح أن يكون هذا جزاؤه من مراقب الإذاعة العام؟ وماذا ترك للمراقب الخاص ومن دونه. . .!

لا تكتبوا عن أشياء:

شغل البريد الأدبي في الرسالة. . . منذ أكثر من شهر - ببحث نحوي أثاره الأستاذ محمود البشبيشي في كلمة (أشياء) ولا تزال المناقشة متصلة بين الأستاذ ومناظريه، وهى مناقشة لا طائل تحتها، فسواء أكانت أشياء على وزن أفعال أم على وزن فعلاء، وسواء أكانت جمع شئ أم جمع (لا شئ) وسواء أكانت ممنوعة من الصرف أم ليست ممنوعة منه ومستعملة كالممنوع.

كل ذلك لا أثر ولا نتيجة عملية له، لأن الكلمة (أشياء) تنطق وتكتب وتقرأ وتفهم، فلا تختلف في شئ من ذلك على أي وجه من تلك الوجوه. وأنا لا أنكر النبذ النحوية واللغوية التي يتعقب بها كاتبوها زلات الأقلام، فهذه رقابة لغوية مفيدة، على أن يكون (الرقيب) جيد التحصيل حسن التصرف غير متشدد ولا متعسف. أما الجدل في التعليلات النحوية وما يماثلها فلا غناء فيه. ثم أريد أن أسأل الأستاذ أحمد أحمد العجمي: أيهما أولى بالتأمل والتثبت، إحصاء المقاطع (إن إن) أو ملاحظة الفرق بين الماضي والمضارع؟ وأرجو أن يكون قولك: (ولا يقال أنا لا أزال أقول كما قال الأستاذ إلا في الدعاء كقول ذي الرمة: ولا زال منهلا بجرعائك القطر) أرجو أن يكون هذا الكلام الذي يريد أن يمنع دخول لا النافية على (أزال) المضارع من هفوات العلماء. . .

وبعد فلم لا يترك أستاذنا البشبيشي هذه (الأشياء) ويعود إلى الروض؟

مسابقة القصة في الإذاعة:

كانت إدارة الإذاعة قد أعلنت عن مباراة في القصص، وألفت لجنة للتحكيم فيما يقدم أليها برياسة الأستاذ عباس محمود العقاد وعضوية الأستاذين محمد فريد أبو حديد بك ومحمد كامل المحامى. وقد انتهت اللجنة من عملها وأعلنت نتيجة المباراة كما يلى:

لم يفز أحد من المشتركين في المباراة بجائزة من المرتبة الأولى وفاز بالجائزة الثانية - وقدرها ثلاثون جنيها لكل فائز - ثمانية متبارين. وفاز بالجائزة الثالثة - وقدرها عشرون جنيهاً لكل فائز - اثنا عشر. وقبل عدد من القصص لتذاع بالمكافأ المعتادة، وعنيت قصص أخرى يختار منها للإذاعة.

وقد بدت في هذه المسابقة ظاهرة تكررت في غيرها من المسابقات الأدبية المختلفة التي أجريت في السنوات الأخيرة، وهى إحجام المعتدين بأنفسهم من ذوى الإنتاج الجيد عن دخول هذه المسابقات، وقد نشأ عن هذه الظاهرة خلو المرتبة الأولى في مباراة الإذاعة. ويحدث أن تسأل شاباً من المعروفين بالنشاط الأدبي: لم لم تدخل مسابقة كذا؟ فيجيب: قد تقدم إليها فلان وصلته بفلان (أحد المحكمين) وثيقة. . . وأنا لا صلة لي بأحد منهم. . . ومما يذكر - اعتباطاً - أن بين الفائزين في مسابقة الإذاعة موظفين فيها.

من طرف المجالس:

قال المتحدث: أرأيتم ما نشر بإحدى المجلات الشهرية من شعر شاعرين: ذكر وأنثى وصورة لهما؟

ولم يبد على الجالسين أنهم رأوا شيئاً من ذلك، فنظروا إليه متسائلين، وقال قائلهم:

وكيف كان ذلك؟

- عبرت الفتاة (ا) عن لواعج فؤادها في أبيات، ورد عليها الدكتور (اأيضاً) بأبيات ضمنها هواه، ونشر كل ذلك تحت صورة اضطجع فيها الشاعر على سرير، ووقفت الفتاة بجانبه.

- وما معنى هذا الوضع؟

- لا أدري، ولعل في بطن الشاعر. . . على أن الجدير بالسؤال هو أثار الفتاة هذا الشاعر وهو كما نعلم مثل من دعاه الغواني عمهن!.

قال ثالث: ألا يدل هذا على أن الأمر بينهما هوى شعر؟

قال آخر: ولم لا تقول إنها اختارته على طريقة فقراء الهند؟

عباس خضر