مجلة الرسالة/العدد 792/أنقذوا اللاجئين أولا!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 792/أنقذوا اللاجئين أولا!

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 09 - 1948


للأستاذ نقولا الحداد

يا للعار!. . . عدد العرب في الممالك العربية السبع يناهز الأربعين مليوناً، وعدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز ثلاثة أرباع المليون! أفليس عجيباً أن اليهود يطردون نحو نصف عرب فلسطين من بلادهم في حين كان العرب يتحفزون لطرح اليهود في بحر الروم!.

أو ليس مخجلاً أن يفر أطفال عرب فلسطين ونساؤهم وشيوخهم من أمام فصيلة الحيوانات الشرسة الطاغية، ورجال العرب لا يقفون في وجه هذه الفصيلة المتوحشة لكي يردوا طغيانها عن الأطفال والنساء؟!.

يعتذر العرب بأن الانتداب الإنكليزي المشؤوم حال دون الجنود العرب بحجة أن الانتداب كفيل بحفظ الأمن، فهو الذي كان مسؤولا عن طغيان اليهود، ولكن إذا كان هذا الانتداب لم يستطع حماية الإنكليز أنفسهم فهل يحمى العرب؟ لم يكترث اليهود بقوة الانتداب ولا بقوة الانتداب ولا بقوة جنوده التسعين ألفاً، فكانوا يعتدون على الإنكليز والعرب على السواء، وكان الإنكليز المتكفلون بحفظ الأمن يستخذون المرة بعد المرة!.

فلماذا كان العرب يتهيبون قوة الانتداب؟ ماذا كان يحدث لو هب الجنود العرب لحماية الأطفال والنساء غير مبالين بالقوات الإنكليزية كما كان يفعل اليهود؟ فهل كان الإنكليز يرتدون عليهم ويقاتلونهم وثمت يظهر تحيزهم واضحاً؟ وهب أن التسعين ألف جندي إنكليزي غلبوا العرب، أفليس هذا أشرف من أن يذلوا اليهود؟!.

دعنا من هذا التثريب فيما مضى، نحن الآن أمام كارثة قد تكون أفظع من كارثة ضياع فلسطين: إن ثلاثة أرباع مليون مشردون لاجئون إلى إخوانهم في الممالك العربية السبع!.

حكومة شرقي الأردن تقدم كل يوم 2200 جنيه أي 66 ألف جنيه كل شهر وهي أصغر الدول العربية، فإذا كانت كل دولة تبذل مثل هذا المبلغ بنسبة عدد أهلها كان في وسعها أن تقدم في الشهر 5 , 280 , 000، ونحن لا نريد أكثر من ثلث هذا المبلغ، فأين النخوة العربية التي (كلما دق الكوز بالجرة) تبجحنا بذكرها وفاخرنا جميع أمم الأرض بها.

عندنا مئات المليونيين في مصر والشام والعراق الخ، فإذا كان هؤلاء يوفون الزكاة التي بدون وفائها لا يكون المسلم مسلماً أمكنهم أن يجمعوا كل شهر القيمة المطلوبة ضعف ثلاثة. . . فأين أنتم أيها المؤمنون توفون دينكم لله؟ وإلا فأنتم منكرو نعمة الله!

إن بترول الحجاز والعراق والبحرين ليس لأهل العراق ولا لأهل الحجاز ولا لأهل البحرين، إنما هو ملك الله، لأنهم لم يزرعوه حتى يستغلوه، ولا صنعوه حتى يتاجروا به، فيجب عليهم أن يدفعوا ضريبة ثقيلة عليه الله!!.

يجب أن نحاسبهم، أو أن الله يحاسبهم، وحسابه صعب جداً!.

أو ليس عاراً أن ننتظر من الجنرال جلوب والمستر سبيرز وغيرهما من أنصار العرب أن يتسوّلوا لكم مائة أو بضع مئين من الجنيهات وهي (لا تقيم حجة ولا تقلي عجة) في إغاثة المنكوبين؟ ألا تكفيهم هذه النجدة أسبوعاً أو أسبوعين؟ وبعد ذلك بمن يلوذون؟ أبكم أو بالموت؟؟!!.

أتستسيغون أن تحذوا حذو اليهود في أمريكا وهم أغنى أغنيائها حتى كانوا يتسولون المال من نصائرها بلا خجل ولا حياء، حتى جمعوا من هذا التسول نحو 172 مليون ريال. ولما سئل عميدهم أين يذهب هذا المال؟ قال 42 بالمائة منه يذهب إلى فلسطين، والباقي إلى منكوبي اليهود في أوربا.

فبغت ذلك النصراني الذي كان قائماً بجمع المال لهذا الغرض الذي يسميه إنسانياً، وما شعر إلا حينئذ أن اليهود لا يقدرون هذا العمل الإنساني، بل يحسبونه ربحاً جزاء الحيلة التي احتالوها على ذلك الرجل الإنساني لكي يحض إخوانه النصارى على هذا العمل الإنساني. فأجاب: لا. لا. هل أنا أجمع المال لكي ينفقه اليهود في حرب العرب، أم لكي ينفق على المتشردين اليهود! هنا أكف عن هذا المسعى. السلام عليك.

عار يا قوم وأي عار أن تتدفق خزائنكم بالأموال وأنتم ناعموا البال، ثم تصموا آذانكم عن صراخ إخوانكم وتغضوا أبصاركم عن شقائهم!!.

يا ناس! إن إنقاذ اللاجئين أهم من إنقاذ فلسطين الآن! فلتهتز أريحيتكم ولتتحرك عواطفكم قبل أن تبتلوا بما ابتلي به إخوانكم عن يد يهود فلسطين أنفسهم! المصيبة مصيبتكم! والويل ويلكم! أما أحسستم بالألم والشقاء؟ أم أن أعصابكم مخدرة؟ أم أن عقولكم سكرى؟ أم أنتم في غيبوبة؟ أم في سكرة الموت أو حشر جته؟!.

وأما الجامعة العربية الموقرة. . . فحتى متى تصبر على مراوغة برنادوت والوقت يأكل من لحم فلسطين ويمتص من دمها. . . بل ينهم من مهج العرب أجمعين، وكل يوم يقولون لنا إن اليهود خرقوا الهدنة 18 مرة. . . فحتى متى أنتم صابرون؟!.

إن هذا الصبر مضيع القدس أولا، ثم فلسطين ثانياً، ثم البلاد العربية كلها آخراً. . . أفما تحسون؟!.

كفى تواكلا وتماهلا وتخاذلا! إن الله يرذل المتخاذلين!.

إن إنقاذ اللاجئين قبل إنقاذ فلسطين! أيمكن ألا يكون هذا ولا ذاك؟!.

نقولا الحداد