مجلة الرسالة/العدد 789/الأرواح والأشباح
مجلة الرسالة/العدد 789/الأرواح والأشباح
للأستاذ حسين مهدي الغنام
(بقية المنشور في العدد 787)
هذا بعض ما يتعلق بوجود الأشباح
أما موريس باربائل فقد كتب حديثا مقالاتعديدة تتعلق بتحضير الأرواح، وعن جلسات روحية حضرها، وعلى الأخص في تجسد الروح.
ونلخص بعض هذه المقالات فيما يلي:
قال عن جلسات تحضير الروحق أن في هذا الجلسات تتركز الخليقة في ثوان معدودة، وأن الأرواح تتشكل في هيئات الخلق، ويمكنك أن تراها مجسمة أمامك وتخاطبها وتلمسها. وأن قلوبهم لتخفق ونبضهم يضطرب، وأجسامهم وأطرافهم كاملة، حتى لترى أظافرها. ونظراتهم طبيعية، وشعورهم تختلف ألوانها كشعور الأحياء، ففيها الأشقر والذهبي والأشيب. أما أصواتهم فهي نفس الأصوات التي كانت لهم وهم أحياء. وفي بعض الحالات تتجسد الأرواح وترتدي بعض الملابس التي كانوا يلبسونها في حياتهم، ولكنه عادة يظهرون في أردية طويلة تبرز أشكالهم.
وتتجسد الأرواح بواسطة مادة (الإكتوبلازم)، التيحللت في المعامل، وهي مادة لدنة مطاطة جداً
وكما أن (البروتوبلازم) أساس مواد البناء، فإن (الإكتوبلازم) هي المادة التي تتجسد بواسطتها الأشباح.
والتجسد هو أعلى مراحل الظواهر الروحية، التي تقدم دليلاً ماديا، الغرض منه إيجاد قرينة تدل على وجود الروح.
وإذا قدر لك أن تشاهد علميات التجسد كما شاهدتها بنفسي، فستفهم سر بعض (المعجزات) التي ذكرت في العهد الجديد (الإنجيل).
ولقد وقع بين الدكتور بارنس، مطران بيرمنجهام، وبين بعض زملائه مناقشات حامية، لأن ثقافته العلمية دفتعه إلى إنكار (معجزات) الإنجيل، ولو كان له نصيب من الإلمام بالظواهر الطبيعية الحديثة، لم يكن هناك باعث لهذا الإنكار.
إن ظهور المسيح بعد الموت، الذي ينكره الدكتور بارنس ويعتبره من أساطير الأولين، لا أستبعده شخصيا، ولا يستبعده غيري من الذين أتيح له أن يشهدوا بعض الظواهر الروحية في هذه الأيام.
فإن ظهور المسيح في الحجرة العليا لتلاميذه معقول؛ لأنه في الوقع ظهر في نسخة أخرى من جسده الدنيوي، وكان جسدا صلبا كاملا، حتى إن تلميذه (توما) تشكك في حقيقته، فسئل أن يتحسس الجسد بنفسه ليتأكد.
ولم يكن في هذا معجزة إطلاقاً، لأنه ظاهرة من ظواهر التجسد الروحي.
فقد قمت بنفسي - منذ أعوام قليلة - في ويلز الجنوبية بملامسة أجسام موتى متجسدة. وكان الوسيط - آلك هاريس - وسيطا هاويا، ولم يكن محترفا يتناول شيئا عن جلساته.
وتكلم المستر باربانل بعد ذلك عن حضوره مع السيدة هيلين هيوز الوسيطة الشهيرة، بعض جلسات روحية تتجسد فيها الأرواح، وكان الوسيط ذلك الرجل.
وكان قبل كل جلسة يقوم بفحص الحجرةفحصاً دقيقاً جداً
ثم أخذ يصف الحجرة المعدة لذلك، وما فيها من أثاث بسيط جمع لهذا الغرض. . وقد ضمته الجلسة مع ستة وعشرين شخصاً آخرين، أما هو وهيلين هيوز - باعتبارهما ضيفي الشرف - فقد جلسا في مقدمة الوزارة - كما يسمون هيأة الجلسة - حتى أن أرواحا كثير متجسدة كانت تسير على قدميه!
واستمرت إحدى هذه الجلسات ساعتين ونصف ساعة، شاهدوا فيها ثلاثين روحاً متجسداً، وجلس بعضهم على مقاعد وتحادثوا مع الحضور.
أما الروح، راعي هذه الجلسة، فقد كان يسمى الكيمائي ثم قال: (وكنت في فترات متعددة أتحسس هذه الشخوص المتجسدة، فكنت أجد ذلك (الإكتوبلازم) ذا ملمس حريري ناعم، ولكنه ليس كالحرير، فإلى لي من خبرتي بالمنسوجات - إذ عملت سنين طويلة في صناعة النسيج - ما يجعلني أستطيع التمييز بين المنسوجات الحريرية بمقدرة.
ولما هززت بعض هذه الأيدي مسلما، رأيتها ثابتة وطبيعية، حتى إنني تحسست أنسجة الجلد والعظام تحته. وكانت أيديا دافئة نابضة. . .).
ثم ذكر الكاتب مشاهدات أخرى، ثم قصة الطيار دوجلاس هوج الذي قتل في معركة بريطانيافي الحرب الأخيرة. فلما تجسدت روحه عرفتها هيلين قبل أن يذكر اسمه، إذ شاهدتها قبل ذلك مرات عديدة.
وهو شاب جميل، وقد طلب من هيلين أن تقف ليحادثها وجها لوجه، فشكرها على ما قامت به من خدمة لوالديه، إذ كانت الوسيطة بينهم، وقبل أن يذهب قبلها في جبينها، وقالت هيلين إن أنفاسه كانت حارة. . .
وكان لدى هيلين مفاجأة أخرى.
فقد ظهر دليلها الروحي، وهو من الهنود الحمر، بزي الهنود الحمر كاملا. . . وإنه لمن العسير أن يكون في هذا شيء من التلاعب.
وكان أروع ما في هذه الجلسة ظهور روح متجسد خرج وانحرف مسافة عشر أقدام، ثم حيا الحضور، ورفض أن يذكر اسمه وشخصيته قائلا أنهم لا بد يعرفونه من هيئته وصوته.
وقد عرفناه فعلا، فقد كان موظفا كبيرا ومن أكابر رجال الحركة الروحية في حياته.
ومن المستحسن أن أذكر لك أنه من النادر أن تظهر هذه الأرواح المتجسدة من وراء مثل هذه الهيئة، أو المجلس، لأن هناك حبل حياة خفيا يربطهم بالوسيط، في مثل (خلاص الطفل) الذي ذكرته التوراة، ويقطع عند الموت.
وسار هذا الموظف الميت مع آخرين إلى زاوية الحجرة، وجلس على مقعد، وبدا نقاشاً طويلا، بدا طبيعيا جدا حتى كان من الصعب أن تعتقد أنك تصغي إلى حديث بين الأحياء الموتى وكان بعض هذه الأرواح المتجسدة يقول أن عليه أن يعود إلى المجلس - أو الوزارة - ليأخذ (تموينا) آخر. . . ثم يتقهقرون ويختفون خلف الستارة الموضوعة، ثم يظهرون بعد دقائق قليلة، ويحتلون مقاعدهم التي تركوها.
ولكننعتقد أن هذه الأرواح لم تكن فراغا، فقد كانوا يستديرون لنرى ظهورهم.
وكان لهم وزن جسمي. . فقد انحنى أحدهم بساط (يعدله) بعد أن زحزحه روح مضى.
وجاء روح صيني بسحنته الشرقية وشواربه الطويلة المدلاة، وحيا سيده كان يعالجها بطريق الوسيطة.
وتجسد روح فتاة، ولكنها لم تقل شيئا، وكان الغرض من حضورها إزالة كل شك في هذه الحقائق بطريقة صامتة، فقد كشفت عن تكوينها النسوي.
وإذا كان أحد المتشككين حضر هذه الجلسة، وبقى متشككا كان من الذين يصدق عليهم وصف الإنجيل بأنهم لا يؤمنون حتى إذا رأوا الموتى يستيقظون.
ومن العجيب أن يعزز الكاتب مقالاته بصور (فوتوغرافية) لأرواح تجسدت. ومنها روح الملكة أستريد، زوجة ليوبولد ملك البلجيك، وكانت ولية عهد السويد، وهي ابنة عم ملك السويد الحالي. وقد أخذت هذه الصورة باستعدادات فينة خاصة.
والأعجب من ذلك أن روح هذه الملكة أحضرت ووعدت الوسطاء بتجسدها بعد أيام وحصولها على صورة لها.
ثم حضر، وقالت له سيكون لكم صورة جميلة، ولما تم لهم تصويرها اختفت.
وبعد دقائق قليلة عادت فتجسدت ثانيا ووقفت مع الوسيط - وهو القسيس مارتن ليلجيبالد، وهو شخصيه محترمة جداً - وكانت وقفتهما بجانب فتحة الستار، حتى يستطيع أحدهما مشاهدة الآخر.
ولما قابل هذا القسيس ملك السويد وحدثه عن تجاربه في الجلسات الروحية، قال الملك: إن هناك أشياء اكثر في السماوات وفي الأرض.
ومن الأشياء العجيبة كذلك التي قدمها بارانل، توقيع روح باسمه، كتوقيعه أيام حياته، ودلائل مادية أخرى كتصوير الروح فوتوغرافيا. . .
ومن هذا القبيل أيضا الكتاب الضخم الذي وضعه الصحافي الإنجليزي الأشهر - هاتي سوافر - بعنوان قصتي الكبرى وقد ترجم بعضا منه الدكتور مصطفى الديواني.
هذا إلى جانب عشرات العشرات من الكتب والمجلات التي تبحث في الروح وكل ما يتصل بها، في الغرب المادي. أما تحضير الأرواح في مصر فقد قرانا عنه كثيرا، وسمعنا عنه كثيرا من بعض أصدقائنا المشتغلين به، ولكن لم يتح لنا إن نحضر إحدى جلساته.
وأما وجود الأشباح هنا، فنسمع عنها مئات من الحكايات المصرية. ولكني أذكر الحكاية التالية التي وقعت لنا شخصيا ولم نستطع لها تعليلا حتى اليوم:
كان ذلك منذ سبعة وعشرين عاما. وكان والدي وابن عمته مدعوين في زواج ابن عمدة إحدى القرى التي تبعد عن بلدنا حوالي عشر كيلومترات. فصحبني والدي معه وصحب ابن عمته ولده وكان في مثل سني، وكانت ثماني سنوات.
وطالت السهرة، وكان المدعوون كثيرين جدا من مختلف القرى المجاورة، وكان لدى بعضهم مطايا، والبعض بدون مطايا وكانت مطايانا عادت إلى البلدة.
وبعد انتصاف الليل أراد ابن عمة والدي أن يعود إلى بلدنا، فقال أبي لننتظر حتى الصباح إلى أن تيسر لنا مركب. فقال الحاج لوالدي: إن الوقت صيف، وإذا عدنا سائرين على أقدامنالم نشعر بتعب فالجو جميل جداً. . .
ولم يستطع والدي إقناعه بالعدول عن الرجوع في تلك الساعة. وسرنا، ولكن بعد خروجنا من القرية قال والدي: (أمرنا الله. . . من استخف عقله تعبته رجليه!)
وكان على بعد ثلاثة كيلومترات أو أقل من بلدنا، (وأبور مياه) مهجورة، وعلى بعد منه مقبرة للمسيحيين. والجسر مرتفع، وأراضي منخفضة على كلا الجانبين انخفاضا يبعث في النفوس شيئا من الرهبة، وكان أعواد الذرة في كل مكان مرتفعة بين الأشجار البعيدة، والدنيا ساكنة. . .
فلما اقتربنا من ذلك (الوابور)، وكان القمر بدار تقريبا، وكان الوقت حوالي الساعة الثالثة صباحا، رأينا امرأة قميئة متشحمه بالسواد تصعد من بين الحقول إلى الجسر، وتتجه إلينا من بعيد، وكانت تلف وجهها، وتضع على رأسها (طشتا) كبيرا جدا من النحاس، لا يتناسب مع حجم جسمها الصغير
وقابلتنا وهي ما زالت تخفي وجهها، ولكني لاحظت أن والدي لم ينقطع عن قراءة القران منذ لمحها. ولما مرت بنا ومررنا بها سمعناها تقول نفس الكلمة التي قالها والدي عند خروجنا من تلك القرية: (من استخف عقله تعبته رجله!)
وأراد الحاج أن يقف ليخاطبها وهو يصيح: ماذا تقولين يا ست؟ ماذا تقولين؟
ولكن والدي جذبه، وهو ما زال يقرأ القرآن بصوت مسموع، وقال الحاج: أنها حماة (مبيض النحاس) في البلدة
فقال والدي: وما الذي يأتي بها إلى هنا في هذه الساعة، وفي ذلك المكان بالذات؟ يا شيخ، أسرع بنا!
وعاد إلى قراءة القرآن. . . .
ونظرنا خلفنا فرأينا تلك السيدة قد جلست وسط الجسر، وأخذت تجمع التراب من الجسر وتضعه في (الطشت) الكبير.
ولم يكن هناك مساكن قريبة، بل كانت المسافة بيننا وبين أقرب مسكن، ما بين اثنين أو ثلاثين كيلومترات.
وأخذ والدي بعد أن وصلنا بلدنا، يتكلم عن كثير من الأشباح والعفاريت في ذلك المكان. . . وعما شاهد من قبل فيه وفي غيره.
ولكن لم أفهم تعليلا آخر لهذه الحادثة حتى الآن!
وبعد. . . . فقد قدمنا بعض ما قرأنا في هذه الأيام عن وجود الأشباح والأرواح.
فهل وجود الأرواح، وبالتالي تحضيرها واتصالها بالآدميين، حقيقة أم وهم؟
وهل معقولة كل هذه الأشياء؟
وإن لم تكن معقولة، فما هو تعليلها وبعض العلماء الماديين أنفسهم يجزمون بصحتها؟
وإذا صح كل هذا، فما هو التأثير الذي سيكون له على نظرية فرويد في تفسير الأحلام؟ أنه سيقلبها رأساً على عقب، فلن تعود تلك الأحلام تفسر على أنها صورة من شهواتنا في اليقظة تتراءى لنا في عالم الأحلام، لأنها هنا اتصالات روحية، وليست مادية.
وسيؤثر ذلك أيضاً على المتواتر من علم تفسير الأحلام، والرؤى الذي يتاجر به بعض (الفلكيين وقراء الكف وعلم التنجيم!)
ومن يدري؟
منذ آلاف السنين، منذ أن كان الإنسان يعبر عن نفسه وفكره بالإشارة والنحت - في العصر الحجري - إلى عصرنا هذا الذي استطاع فيه العلم المتقدم أن يصور الروح بآلة التصوير ما زال العلم يتخبط في إدراك ماهية الروح وكنهها. وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، صدق الله العظيم.
حسين مهدي الغنامأأاا