مجلة الرسالة/العدد 787/أيها العرب اعلموا أن العالم كله يحاربكم
مجلة الرسالة/العدد 787/أيها العرب اعلموا أن العالم كله يحاربكم
للأستاذ نقولا الحداد
أشرف لكم أن تشرب الأرض دماءكم من أن تنزف نزفا بطيئا بين براثن الصهيونية.
رأينا أن الدول في لايك سكسس ترجمنا بالحجارة كلما بسطت قضيتنا في مجلس الأمن أو هيئة الأمم. ونحن نتمرمر من أن هذه الدول عميت عيونها عن حقنا في حين أن حقنا ناصع كالشمس راد الضحى في هذه الاجتماعات الدولية. وكلما شددنا أنفسنا قلنا (سننتصر لأن الحق معنا).
لا يا سادتي. لا تعتمدوا على الحق. لأن الحق لا يكونسلاحا ماضيا إلا في عالم الأخيار حيث يتجلى الحق الإلهي فيسجد له الأبرار. وأما عالمنا هذا فهو عالم الشرار حيث يتجلى الظلم والاستئثار. فلا تعتمدوا على سلاح الحق فهو سلاح الخيال ولا وجود إلا لحرفيه (ح. ق). وما هذه الاجتماعات التي تعقد في لايك سكسس إلا مؤتمرات شيطانية يعقدها أبالسة السياسة فيما هم يتقاسمون مغانم الحرب من دماء الأمم الصغيرة. والحمد لله إن الدول المتناهبة الغنائم غير متفقة فيما بينها وإلا سحقت جميعالأمم الصغيرة سحقا في بطونها الكبيرة.
فلا تعتمدوا يا سادتي على سلاح الحق. لا سلاح لكم إلا عزمكم وحزمكم وأنفتكم وحصافتكم ثم سواعدكم. فإن انتصرتم فزتم بكيانكم الشريف. وإن هلكتم سلمتم من مذلة العبودية لشياطين الصهيونية ويا لها من مذلة أليمة وعبودية لجنس ليس من البشر وليس له رحمة ولا رأفة ولا إنسانية.
رأيتم أن مجمع المتآمرين في لايك سكسس قد عرف واعترف أن الهدنة كانت في مصلحة اليهود، وأنه لم يحترمها إلا العرب. وقد ثبت أن اليهود غنموها فرصة لإدخال فريق من المهاجرين إليهم ولاستقبال أسلحة وطائرات ودبابات لم تكن موجودة عندهم، والطائرات الضخمة التي غزت القاهرة بالأمس ما كانت إلا إحدى الطائرات التي دخلت تل أبيب في شهر الهدنة. وظهر لكم جليا أن الهدنة الثابتة تقررت لأجل غير معين - أستبقى إلى أن تتوطد دله إسرائيل المزيفة ولو طالت اشهرا وسنين؟ وقد ظهر لكم أن برنادوت كان أخبث من صل وأروغ من ثعلب؛ فكان يغض نظره عن اليهود فيما هم ينقضون الهدنة ساعة بعد ساعة، وما وسعه إلا أن يقول إني لم أذهب إلى فلسطين لكي أوطد حقا أو أقيم عدلا، بل لكي أوفق بين فريقين مختلفين. ولكنه أخفق في عمل هذه الأعجوبة، لأنها أعجوبة مزج الظلمة بالنور. وما تورع أن يطلب من مجلس الأمن 2500 جندي لكي ينفذ الهدنة بالقوة. وإن لم يكف هذا العدد طلب أيضاً عدداً مثله. ويظل يطلب إلى أن يصير عنده مائة ألف. أو يأتي أخيرا بقوات أمريكا وإنكلترا. وربما طلب أخيرا قنابل ذرية.
أفليست كل هذه التصرفات والاستعدادات لإقامة دولة صهيونية بالقوة القاهرة؟ فإذا ليستالهدنة هذه هدنة بالمعنى الحقيقي المفهوم ولا سيما أن أحد الفريقين لا يريدها، وما طلبها إلا الفريق الذي رأى نفسه مغلوبا على أمره.
وما جرى في لايك سكسس ليس كل ما تفعله الدول الكبرى اللئيمة ضد العرب. بل هناك مساع إبليسية لمنع بعض الدول الصديقة للعرب من مساعدتهم في الحصول على سلاح.
فأولا: إن الدولتين الكبيرتين اللئيمتين تهددتا تركيا بأن تكفا عن مساعدتها ماليا إذا كان تسهل للعرب الحصول على السلاح. ولكن هل يمكن إنكلترا وأمريكا أن تقطعا المساعدة المالية عن تركيا وهما قد ترجتاها أن تقبل هذه المساعدة لكي تكون ترسا لهما ضد روسيا. فهل جنت هاتان الدولتان حتى تضيعا هذا الترس لأجل سواد عيون اليهوديات أو زرقتها؟ لا نظن أن تركيا تخاف هذا التهديد.
ثانياً: تهددتا اليونان بأن تجعلا بلادها أتون ثورات إلى أن تضمحل فيه إذا كانت تسهل للعرب الحصول على السلاح. ولكنا لا نحن ولا اليونان نصدق أن إنكلترا وأمريكا تتخليان عن اليونان لكي تقع في إحبولة السوفيات.
ثالثا: أغرتا فرنكو سيد إسبانيا أن تزيلا الجفاء الذي بينه وبين هيئة الأمم لكي تقبله الهيئة في حظيرتها. هذا إذا كان لا يساعد العرب في الحصول على السلاح، ولكن هل يعبأ فرنكو بوعدهما، وهل هو لا يعبأ بهيئة الأمم أكثر مما أعبأ بمؤتمر الدول الخمس حين دعته هذه الدول لكي تفاوضه بشان موقفه فهز كتفيه وقال لا أحضر مؤتمركم. فمن يريدني فليأت إلي. لا ثقة لفرنكو بعدالة هذه الهيئة أكثر من ثقته بقوة جمعية الأمم المرحومة.
هذا بعض ما ظهر من لؤم الدولتين الكبيرتين في مقاتلة مصلحة العرب وفي معاونة صهيون. زد على هذه المساعي الشريرة التي تسعاها الدولتان الكبريان ومن مالأهما فإنهما تهدداننا بالعقوبات الاقتصادية. هل إحداهما الأكثر نفاقا تعلم أننا لا تعبأ بالعقوبات الاقتصادية لأن عندنا عقوبات لهما أقوى منها. وتعلم أيضاً إننا نستغني عن استيراد أي شئ من الخارج. فعندنا أرض تنتج الغلال، وإن احتجنا إلى غذاء نأكل الحجارة. وعندنا قطن وصوف ومعامل لغزلهما ونسجهما. وإن احتجنا إلى كساء ننسج من الخيش ملابس. وعندنا النفط والقطن وهم لا يستغنون عنهما. فواحدة باثنتين.
أيها العرب لا تيئسوا فلكم من الله ما يقيكم شر أولئك الأشرار. اصمدوا ولا تجبنوا ولا تحسبوا حسابا لتهديدهم لا تتكلوا على سلاح الحق فخصومكم لا يقيمون للحق وزنا. ومجلس الأمن ليس محكمة لوضع الحق في نصابه، ولا هو ميزان العدالة.
إني أكاد أنشق غيظا حين أرى أعداءنا يقيمون بيننا يقاسموننا رزقنا، ولهم النصيب الأوفر منه. وهم يكيدون لنا ويغدرون بنا. وكل يوم عندنا ببينات على خبثهم وغدرهم، ليس في فلسطين فقط بل في سائر البلاد العربية. وقد تمادى كيدهم حتى رموا القاهرة بقنابلهم.
كيف نسمح لألد أعدائنا أن يعيشوا بيننا ويغدرون بنا ونحن سكوت لا نتكلم ولا نعمل؟! يجب طردهم ومصادرة أموالهم. فهم قوم لا إنسانية عندهم ولا رحمة ولا شفقة. لقد رأيتم ما كان من توحشهم في دير يس وطبريا وغيرهما. فاعلموا إنكم سترون أضعافه إذا ثبت لهم قدم في وسط البلاد العربية.
أما أنتم أيها الأمريكان المغفلون والإنكليز البلداء وأمثالكم فبعد عشرين سنة ستقولون: حقا أننا عادينا العرب ظلما وعدوانا. وستكرهون اليهود كما كرههم الألمان قبلكم. وسيقوم فيكم هتالرة يفعلون بهم أكثر مما فعله هتلر الألمان فيهم - غفر الله له!
نقولا الحداد