مجلة الرسالة/العدد 783/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 783/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 07 - 1948



الهدنة ووقف القتال:

الهدنة حلف سياسي وعسكري يعقده مندوبون سياسيون، ولا يبرم إلا بموافقة الحكومات علي، ما لم يكن المندوبون مفوضين في ذلك. والغرض من الهدنة التمهيد لعقد الصلح.

والهدنة نوعان: عامة وخاصة فالعامة توقف القتال في كل الجهات، والخاصة توقفه في بعض الجهات.

وهي سواء أكانت عامة أم خاصة لا مندوحة عن تحديد وقت لها تنتهي بانتهائه. وقد تبرم الهدنة الخاصة لساعات موقوتة. ويجب العناية التامة في تحديد الأيام والساعات تحديداً لا يحتمل التأويل، ذلك لان الحرب تستأنف بال إنذار عند مضي الزمن الموقوت.

وعلى الحكومات أن تخبر قوادها بالهدنة فوراً خشاة أن يقع خطاً منهم لا يمكن استدراكه.

وإذا وقعت معركة بعد عقد الهدنة وقبل أن يصل خبرها إلى القواد ردت الأسرى وأعيدت الغنائم، على ما في المادة 36 من معاهدة لاهاي.

وتوجب الهدنة عادة وقف الهجوم ومنع إطلاق النار وإرسال الجنود، إذا لم يكن في صك الهدنة ما يخلف ذلك. ولا يمكن حصر الأعمال الممنوعة في غضون الهدنة لان النظريات والعمليات متضاربة في هذا الشان. فبعض رجال القانون يوجبون الامتناع عن كل عمل فيه منفعة للعدو، وعلى ذلك فلا يجيزون ترميم الحصون المحاصرة أو زيادة المدافعين عنها ولا نقل الجيوش من مكان إلى احسن منه. وبعضهم لا يرون تحريم هذه الاعمال، بل يسمحون بنقل الجيوش وحشدها وإنشاء الخنادق ونحوها والتهيؤ لهجوم مقبل وغير ذلك من الاستعدادات، على أن يكون ذلك وراء خطوط الحرب.

ونظريتهم هذه هي المتبعة في الحروب.

فعلى الدول التي تريد تحريم عمل من العمال الحربية في غضون الهدنة أن تنص عليه في صك الهدنة.

ويجب أن يعاني بأمر تنظيم العلاقة بين الجيوش والآهلين أثناء الهدنة. ولا عادة أن تعين بقعة منعزلة (حيادية) بين الجيشين منعاً للهجوم، وان تكون المسافة بين المخافر الأمامية بعيدة، وان يمنع المرور فيها.

وأما الميرة والذخيرة فلا يسوغ إرسالها إلى الحصون المحاصرة عند رجال القانون الذين يوجبون المحافظة على الحالة الحاضرة، ولكن حرمان الجيوش المحاصرة من الميرة جعل الهدنة بلاء عليهم، وقد قيل أن الهدنة واحدة تكفي لتسليم اعظم القلاع. فالأنصاف ولا عدل يوجبان أن يرسل المحاصر إلى الجيش المحاصر ما يحتاج أليه من القوت أثناء الهدنة، لتكون حاله عند انتهاء الهدنة كما كانت عند إبرامها، فألمانيا سمحت بإرسال الميرة إلى حصون بوهميا سنة 1866 ولكنهم لم يبيحوا إرسالها إلى باريس سنة 1870.

وإذا نقض أحد الفريقين الهدنة حق للفريق الآخر أن ينقضها، على رأي بعض رجال القانون. ويرى غيرهم، أن على الفريق الآخر أن يدفع العدوان ثم يخبر عدوه بفسخ الهدنة ويستأنف الهجوم عليه إذا لم يكن هناك داعٍ للإسراع. ونقض الهدنة خيانة، على ما في الشرع الدولي كما في المادة 40 من معاهدة لاهاي؛ أما إذا أخل بضعة جنود بأحكامها فأنها لا تفسخ بل يعاقب المخالفون، على ما في المادة 41 من العاهدة المذكورة.

وهنالك ما يسمى (وقف القتال) وهو حلف يعقد لمدة قصيرة بين قوات الجيوش والفيالق بواسطة رسل الحرب، وينحصر في مواضع محدودة، وذلك لدفن القتلى ورفع الجرحى من ساحات القتال، ونحو ذلك.

صهيون كبرذون:

ينطق (صهيون) بعض كبار الأدباء في المذياع وغيره بفتح الصاد وضم الياء. وفي القاموس المحيط: صهيون.

في استجار الخراج:

من وصايا أهل الحكمة للملوك: المال قوة السلطان وعمارة المملكة، ولقاحة الأمن ونتاجه العدل وهو حصن السلطان ومادة الملك. والمال أقوى العدد على العدو، ومن حقه أن يؤخذ من حقه ويوضع في حقه. ولا يؤخذ من الرعية إلا ما فضل عن معاشها مصالحها، ثم ينفق ذلك في الوجوه التي يعود عليها نفعها. أيها الملك! مر جباة الأموال بالرفق ومجانبة الخرق، ومن جاوز في الحلب الدم، ومثل السلطان إذا حمل أهل الخراج حتى ضاعفوا على عمارة الأرضيين مثل من يقطع لحمه ويأكله، فهو وان قوى من ناحية فقد ضعف من ناحية ومن ادخل على نفسه من الوجع والضعف اعظم مما دفع عن نفسه من ألم الجوع.

وما زال أهل الإسلام ظاهرين على عدوهم في الأندلس وأمر العدو في ضعف وانتقاض لما كانت الأرض مقطعة في أيدي الأجناد فكانوا يستغلونها يرفقون بالفلاحين ويربونهم كما يربي التجار تجارته، وكانت الأرض عامرة والأموال وافرة والأجناد متوافرين والكراع والسلاح فوق ما يحتاج أليه، إلى أن كان الأمر في آخر أيام ابن أبي عامر، فرد عطايا الجند مشاهرة بقبض الأموال على النطع، وقدم على الأرض جباة يجبونها فأكلوا الرعايا وأجتاحوا أموالهم واستضعفوهم، فتهارت الرعايا وضعفوا عن العمارة فقلت الجبايات المرتفعة إلى السلطات، وضعفت الأجناد وقوي العدو على بلاد المسلمين حتى اخذ الكثير منها. ولم يزل أمر المسلمين في نقص وأمر العدو في ظهور إلا أن دخلها المتلثمون فردوا ألا قطاعات كما كانت فبي الزمان القديم.

من شؤون الحرب في الإسلام:

درأت حرب في الأندلس بين المسلمين والكفار، ثم افترقوا فوجدوا في المعترك قطعة من بيضة الحديد قدر ثلثها بما حوته من الراس، فحملتها الروم وعلقتها في كنيسة لهم، فكانوا إذا عيروا بانهزامهم يقولون: لقينا أقواماً هذا ضربهم، وكان أبطال الروم يرحلن إليها ليروها.

قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وهذا مشتمل على كل ما في مقدور البشر من العدة والأدلة والحيلة، وأول ذلك أن يقدم بين يدي اللقاء عملاً صالحاً من صدق ورد مظلمة وصلة رحم ودعاء مخلص وأمر بالمعروف وتغير منكر وأمثال ذلك وكان عمر راضون الله عليه يأمر بذلك ويقول: إنما تقولون بأعمالكم. وروي أن بريداً ورد عليه بفتح للمسلمين فقال له عمر: أي وقت لقيتم العدو؟ قال غدوة، قال ومتى انهزم؟ قال عند الزوال. فقال عمر أنا لله وأنا إليه راجعون! وقام الشرك بالأيمان من غدوة إلى الزوال!! لقد أحدثتم بعدى حدثاً أو أحدثت بعدكم حدثاً.

والشأن في استجادة القواد وانتخاب الأمراء وأصحاب الولاية فلا ينبغي أن يقدم على الجيش إلا الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة ولا جرأة، ثبت الجنان صارم القلب جريئة، رابط الجأش صادق البأس ممن قد توسط الحروب، ومارس الرجال ومارسوه ونازل الأقران وقارع الأبطال عارفاً بمواضع الفرص خبيراً بمواقع القلب والميمنة والميسرة من الحروب، وما الذي يجب شحنه بالحماة والأبطال من ذلك، بصيراً بصنوف العدو ومواقع الغرة منه ومواقف الشدة، فأنه إذا كان كذلك وصدر الكل عن رأيه كان جميعهم كأنهم مثله.

وليخف قائد الجيش العلامة التي هو مشهور بها، فأن عدوه أن يستعلم حيلته وألوان خيله ورايته، ولا يلزم خيمته ليلاً ونهاراً، ولبدل زيه ويغير خيمته ويعمي مكانه كي لا يلتمس عدوه. وإذا سكنت الحرب فلا يمشي في النفر اليسير من قومه خارج عسكره، فأن عيون عدوه قد انكبت عليه، وعلى هذا الوجه كسر المسلمون جيوش أفريقيا عند فتحها.

وقالوا: حسم الحرب الشجاعة، وقلبها التدبير، وعينها الحذر، وجناحها الطاعة، ولسانها المكيدة، وقائدها الرفق، وسائقها النصر.

وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون. أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتنشلوا وتذهب ريحكم، واثبروا أن الله مع الصابرين) وهذه جماع آداب الجرب.

وقد أوضح الله لنا في كتابه العزيز علة النصر وعلة الهزيمة والفرار، فقال تعالى (أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) يعني أن تنصروا رسوله ودينه. وأما الهزيمة فعلتها المعاصي، قال تعالى (أن الذين تولوا منكم يوم التقي الجمعان إنما استذلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) أي بشؤون ذنوبهم.

واستوصوا قوم أكثم بن صيفي في حرب أرادوها فقال: اقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح فشل، ولا جماعة لمن اختلف. وتثبتوا فأن احزن الفريقين الركين.

أسامة