انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 765/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 765/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 03 - 1948



القومية العربية حتى تكون الجامعة:

كانت المحاضرة الأخيرة للأستاذ ساطع الحصري هي: (نشوء الفكرة القومية في البلاد العربية منذ الحرب العالمية الأولى حتى تكون جامعة الدول العربية)؛ وقد ألقاها يوم السبت في الجمعية الجغرافية الملكية، فختم بها بحثه القيم في نشوء القوميات في بعض البلاد الأوربية وفي تركيا وفي البلاد العربية، وقد استعرض في كل هذه البلاد الحوادث والتيارات الفكرية الدالة على أن القومية نشأت وتكونت في كل منها على أساس اللغة والتاريخ.

وقد أشار في بدء هذه المحاضرة إلى الاتفاق الذي تم قبيل الحرب العالمية الأولى بين العرب والأتراك، والذي يقضي بجعل التعليم في المدارس باللغة العربية بدل التركية وبإشراك العرب في بعض المناصب والهيئات النيابية، فقال إن هذا الاتفاق قوبل بالارتياح من الجانبين، ولكن التيارات السايسية المختلفة ظلت آخذة في مجراها، وجدت حوادث منها الانتقام من زعماء العرب واضطهادهم، مما بث فكرة الثورة في نفوس العرب، حتى حانت الفرصة، وقامت الثورة العربية فعلاً ضد الدولة العثمانية، وتقدم الجيش العربي إلى سوريا، وكان يساعده الإنجليز والفرنسيون، وتكونت دولة عربية في قلب سوريا، فقوي الشعور بالقومية العربية وبلغ الحماس لها أشده، وغذاها الكتاب والشعراء.

ولما انتهت الحرب كان الانتداب الفرنسي من قسمة سوريا ولبنان، فأخذت فرنسا تعمل على إضعاف القومية العربية بالطريقة التي تتبعها في شمال إفريقية، فكما كانت تقول لأهل تونس والجزائر، إنهم ليسوا عرباً، وإنما هم من سلائل الرومان، وتمنع التعليم باللغة العربية وتقصره على الفرنسية فيما عدا القرآن؛ كذلك كانت تصنع مع السوريين، وخاصة المسيحيين منهم الذين كانت تقول لهم إنهم من سلالة الصليبيين؛ وعلى الرغم من كل ذلك وغيره من الوسائل ظلت القومية العربية متمكنة من نفوس العرب في سوريا ولبنان. أما في العراق فلم تقاوم الفكرة العربية، لأن الإنجليز كان أكبر اهتمامهم موجهاً إلى الاستراتيجية والشئون الاقتصادية؛ واشتدت العروبة في فلسطين لقوة الشعور بها أمام الصهيونية.

ثم قال الأستاذ: إن مصر كانت بعيدة عن الحركة العربية الأولى، لأنها كانت في شبه استقلال عن الدولة العثمانية، وكانت اللغة الرسمية فيها العربية، وكانت تنظر إلى الدولة العثمانية على أنها دولة الخلافة الإسلامية، فهي تتجه إليها بعواطفها، بل كانت تتطلع إليها للخلاص من الإنجليز؛ ومن الغريب أن الأتراك الذين ينظر إليهم المصريون هذه النظرة - كانوا يحسدون المصريين على ما هم فيه من الحرية المفقودة عندهم، لأنهم كانوا يعانون الاستبداد وتقييد الحريات.

ولكن مع مرور الزمن تنبه المصريون إلى الحقائق وأدركوا مرامي الفكرة العربية، وشعروا بضرورة التقارب بين البلاد العربية، وأخذ الأفراد والجماعات في جميع البلاد العربية تسير نحو هذا التقارب بمختلف الرسائل، حتى انتهى الأمر إلى شعور الحكومات بذلك، فجعلت تتقارب، حتى تكونت جامعة الدول العربية، فأخذت الفكرة العربية بذلك صبغة رسمية.

ثم قال الأستاذ: إلى هنا ينتهي الجانب التاريخي، أما بعده فهو الجانب السياسي لأنه كلام في الحاضر، وأنا أريد أن أتجاوز هذا الحاضر فأتنبأ بالمستقبل، لأني أرى الظواهر الاجتماعية كالظواهر الطبيعية من حيث دلالة الأمور على ما تفضي إليه، وقد صحت نبوءتي منذ نحو عشرين عاماً بأن مصر ستتحول إلى الفكرة العربية وتعتنقها - لذلك أستطيع أن أقول - بعدما أذكركم بما لاحظناه في المحاضرات السابقة من أن اللغة والتاريخ يدفعان إلى القومية حتماً - بأن جامعة الدول العربية ما هي إلا بذرة وخطوة في سبيل كالتي سارت فيها الإمارات الألمانية. . .

تأبين الجميل باشا

أقام مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الأحد حفلة تأبين لعضوه المغفور له أنطون الجميل باشا بدار الجمعية الجغرافية الملكية، فافتتح الحفل الدكتور فارس نمر باشا بكلمة قصيرة نائباً عن الرئيس الذي لم يحضر لانحراف ألم بصحته. ثم ألقى الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني كلمة ضافية تتبع فيها مراحل حياة الفقيد وعمله في خدمة الأدب والصحافة، وأفاض في بيان مزاياه وصفاته الخلقية الكريمة.

ثم ألقى الأستاذ علي الجارم بك قصيدة متينة التركيب عالية البيان، وأستطيع أن أصفها بغير ذلك من جزالة اللفظ ووفرة المعنى والاستعارة والخيال، ولكني آخذ عليه قوله:

نسي الشعر في صراع الرزايا ... رنة الكأس والغزال الأغنا

شغلته مآتم ونعوش ... عن هوى زينب وعن وعد لبنى

فإن مجرد ذكر الكأس المرنة والغزال الأغن وهوى زينب ووعد لبنى - لا يتفق والمقام

وبعد قصيدة الجارم بك ختم نائب الرئيس الحفل بشكر الحاضرين.

المحندأ والمبهوأ:

اتخذت إحدى المجلات من هاتين الكلمتين مقرونتين بالجمع اللغوي، عنواناً وموضوعاً للتفكهة، لما يبدو بين الكلمتين العاميتين وبين مجمع اللغة العربية من المفارقة والغرابة، وطاب للمجلة - على أسلوبها - أن تتندر بأن أعضاء المجمع يدعون إلى استعمال بعض الألفاظ العامية دون اعتبار لما ورد في المعاجم من فصيح اللغة، وأوردت بعض أقوالهم في ذلك.

وحقيقة الأمر أن مؤتمر المجمع كان يناقش البحث الذي قدمه إلى الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك في (العامية الفصحى) والذي يرى فيه وجوب دراسة اللغة العامية لأنها لغة قائمة في حياتنا دراسة تعين على تعزيز الفصحى ببعض الكلمات العامية المحرفة عن العربية، وذلك بردها إلى أصلها، لأن هذه الكلمات يجعلها شيوعها محاطة بهالة تحدد معناها، فيكون ذلك كسباً كبيراً للغة الفصحى.

وقال الأستاذ أحمد أمين بك في مناقشة هذا الموضوع: (تستعمل اللغة العامية كلمات لها معان محددة لا نستطيع التعبير عنها في الفصحى تعبيراً دقيقاً، فقد عرضت على المجمع من قبل كلمة فترجمت بـ (نموذج) إلا أن هذه الترجمة ليست دقيقة في أداء المعنى وأن كلمة (عينة) العامية ندل على هذا المعنى دلالة تامة. وقد رأى المجمع أن صياغتها عربية فوافق عليها. وإذا قال العامة (بيت محندأ) أي ضيق في جمال، و (بيت مبهوأ) أي واسع في غير نظام فإن الدلالة العامية أدق من الدلالة العربية وهي ضيق وواسع، فلو وجدنا أنفسنا في حاجة إلى مثل هذه الكلمات وليس في الفصحى ما يطابق معناها مطابقة دقيقة فلا مانع من إدخالها في اللغة العربية بعد ردها إلى الصيغ العربية).

وقال الدكتور طه حسين بك (في العامية ألفاظ عربية فصيحة تغير النطق بها مثل (السيدة) و (الست) فالسيدة عربية والست عربية أيضاً ولكننا حين نبحث في القاموس لا نجد لفظة (الست) مع أننا نعلم أن من بين نساء العرب من تسمى بـ (ست الكل) و (ست الملك).

وقال منصور فهمي باشا: (لقد عثرت على كلمتي (جواني) و (براني) الدارجتين في اللغة العامية وأصبحت أستعملهما في الفلسفة).

والمتأمل في هذا الموضوع يجد له ناحيتين: الأولى البحث عن الكلمات العامية المنحرفة عن الفصحى وردها إلى أصلها. وهذا عمل صالح من غير شك، فنحن ورثة اللغة العربية وسلائل العرب، وأكثر ما يجري على ألسنتنا له أصول وجذور في لغة أجدادنا، ولست أرى جريه على الألسنة ابتذالاً له، بل هو يكسبه ظلالاً وأطيافاً نستطيع أن نجمعها إلى الفصاحة برد الكلمة إلى الفصحى. والناحية الثانية أخذ كلمات من العامية لمعان لا نجد لها في العربية ألفاظاً تفي بدقة التعبير وفاء تلك الكلمات العامية. ويمكن رد هذه الناحية إلى الأولى وإقفال هذا الباب المؤدي إلى خطر العجمة. وهنا تظهر فائدة الدراسة التي قال بها فريد بك، فإننا نستطيع بها تعرف الأصل العربي لكثير من الألفاظ العامية فنقضي بها حاجات التسمية والتعبير، وترجع إلى أمها الفصحى كما يرجع الغائب إلى أهله.

ونأخذ مثلاً هذه الألفاظ التي مثل بها حضرات أعضاء المجمع فكلمة (عينة) التي رأى المجمع صياغتها عربية فوافق عليها كان يمكن إقرار كلمة (عينية) بدلها، فهذه مصدر مصنوع من كلمة (عين) بمعنى نفس الشيء، وهي نص في المعنى المطلوب، ولا حاجة مع هذا إلى التخريج الذي لجأ إليه المجمع في كلمة (عينة) وما أرى (المحندأ) إلا مأخوذاً من (حندوقة العين) وهذا الأخذ مبني على تشبيه الشيء (المحندأ) بالحندوقة في الجمال والصغر والاستدارة. وما أرى (المبهوأ) إلا من (البهو) بما يدل عليه من السعة وبعثرة الأثاث في جوانبه. أما (الست) فهي كلمة مولدة بالتحريف عن (السيدة) وقد وردت كثيراً في كلام المتأخرين، وأما (جواني) و (براني) فقد أوردهما الصرفيون في المنسوب على غير قياس.

هذا وقد قرر مؤتمر المجمع إحالة ذلك البحث إلى لجنتي (اللهجات) و (الألفاظ والأساليب)، ومما يذكر أن اللجنة الثانية أنشئت أخيراً في المجمع، أما لجنة اللهجات فهي موجودة منذ إنشائه، ولم تنجز شيئاً إلى الآن، وأرى أنها تستطيع أن تثبت وجودها وفائدتها بتنظيم دراسة الموضوع الذي نحن بصدده للوصول إلى نتائج عملية فيه، كما أرى أن هذا أجدر بجهودها من الدراسات اللغوية التاريخية التي هي أليق بالمعاهد والجامعات.

حق المؤلف:

وافق مجلس الجامعة العربية على مشروع القانون الذي وضعته اللجنة القانونية لحماية حق المؤلف، وأوصى مجلس الجامعة حكومات الدول العربية باتخاذه في كل منها.

وقد بين المشروع الذين يتمتعون بحماية هذا القانون، وهم مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أياً كانت قيمة هذه المصنفات وبصرف النظر عن استعمالها أو الغرض من تصنيفها. وتشمل هذه الحماية المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الصوت أو الرسم أو التصوير أو الحركة. ويعتبر مؤلفاً الشخص الذي ينسب إليه المصنف عند نشره. ويتمتع بالحماية من ترجم مصنفاً إلى لغة أخرى، ومن قام بتحويل مصنف من ضرب من ضروب الأدب والفنون إلى ضرب آخر، أو من قام بتلخيصه أو تحريره بما في ذلك كل صور إظهار المصنفات الموجودة بشكل جديد، ولا تخل هذه الحماية بحقوق مؤلفي المصنفات الأصلية وللمؤلف وحده الحق في تقرير نشر مصنفه، وفي تعيين طريقة هذا النشر، وله أيضاً الحق في استغلال مصنفه مالياً بأية طريقة يختارها، وله كذلك الحق في أن يجيز نقله إلى الجمهور بأية وسيلة كانت، ولا يجوز لغيره أن يباشر شيئاً من ذلك إلا بإذن كتابي منه. ولا يجوز نقل الروايات المتسلسلة أو القصص الصغيرة وغيرها من المصنفات الأدبية أو الفنية أو العلمية، التي ينشرها مؤلفوها في الصحف أو النشرات الدورية إلا بإذن منهم.

وتضمن القانون عدا ذلك مواد أخرى وتفصيلات لحالات مختلفة في التأليف الموسيقي والسينمائي وغير ذلك، كما بين حقوق ورثة المؤلفين.

وقد بين أيضاً جزاء المخالف لأحكامه، وهو الحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، عدا ما تقضي به الحال من التعويضات.

العباس