مجلة الرسالة/العدد 760/الوكر المهجور. .!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 760/الوكر المهجور. .!

مجلة الرسالة - العدد 760
الوكر المهجور. .!
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 01 - 1948



للأستاذ عبد العزيز الكرداني

هذا العش الوداع الجميل لمن يا أخت تهجرين؟! هذا الوكر الدافئ من يؤرث مسراته ومن يخمد جذوات أحزانه. .؟!

من يستقبل رواده ومن يشيع ضيفانه ومن يقف ببابه يهش لمقدم راعيه؟!

من يرفع بأنامله الدقيقة ستائر منافذه الشفيفة، ويطل من خلالها بعينين زائغتين لهيفتين، تترقبان أوبة حاميه_والقلب واجف، والدمع مهراق. .؟!

من يهون عليه رحلاته الجاهدة في خضم الحياة؟ من يبارك فتوته وينضد عقود أمانيه؟. .

من يكفكف عبرته، من يضم رأسه المثقل العاني إلى صدره الرحيب الحاني؟ من يزيل عن جبهته أو ضار الكلالة والسآمة والكمد. . .

من؟ من غيرك يا أخت؟!

هذا العش الودع الجميل، لمن يا أخت تهجرين؟! من غيرك يدب في أرجائه دبيب الروح في الهيكل المبعوث؟ من غيرك يحيل (الكلمات) بين جدرانه الصماء كائنات حية، تضفي على جمادات الحياة، وبفيض على أحيائه الحيوية، وتنسكب في النفس بلسما للجراحات، وتكون للمشاعر المضطربة والأهواء الحائرة مثابة، وتكون للقلوب عن كل خطب داهم موجع سلوى وتعزية؟

من؟! من غيرك يا أخت؟!

هذا الوكر الدافئ الجميل - يا أخت - هو (الطيف) الذي يغازل تهاويل الصبا المراهق. . هو (الفجر) الذي يعانق آمال الشباب الوضئ اليافع، هو (الفكرة) الملحة المخامرة لذهن الرجولة الواعية العاقلة، هو (العزاء) للكهولة الجاهدة الصابرة، هو (الرحمة) الهابطة على حطام الشيخوخة العاجزة الفانية، هو (الحلم) الذهبي السرمدي لكل عذراء استهدت فطرتها الكاملة!

هذا الوكر الدافئ الجميل - يا أخت - هو موضع السويداء من قلب الإنسانية، هو جوهرها وحقيقتها الخفية، هو الملاذ لها في كل أحوالها، هو الغطاء الساتر لضعفها، هو النشيد المستحث لخطاها، هو المحط الذي ترتد إليه بعد كل سعي دؤوب، وإثر كل إخفاق أ فلاح. . .!

فمَن غيرُك - يا أخت - يخلع على هذا الوكر معناه؟ من غيرك يعطيه مغزاه ويهبه قداسته؟!

من؟ من غيرك يا أخت؟

هذا الأصوات الناعبة بالحرية المزعومة، هي الشبح الذي يطارد هناءتك، هي المعول الذي دك أنوثتك، وأوهن بناء عزتك هي (الديدبان) الراصد لمميزاته وخصائصه، يحصيها واحدة واحدة، ليفنيها واحدة إثر واحدة. . .!

هذه الأصوات الناعبة بالحرية الموهومة - يا أخت - هي ذلك (الساحر الخبيث)، الذي أر تخص معدنك النفيس. . .!

عبد العزيز الكرداني

مسابقة لطلاب السنة التوجيهية (1، 2)