مجلة الرسالة/العدد 76/القصص
مجلة الرسالة/العدد 76/القصص
من الأدب التركي
العذراء الدميمة
ترجمة عبد اللطيف أحمد
لم يتجاوز التفاوت بينهما في السن غير عامين، ولكنه في الجمال وحسن الخلق كان جد عظيم. لازم النحس (عصمت) منذ رأت النور، فقد ولدت وأمها تكاد تفقد الحياة من معاناة مرض خطير، بله آلام الوضع، ولم يكن للأسرة هم إلا إنقاذ الأم من براثن الموت، ومحاولة إصلاح ما أفسده مرض ذات الجنب من جسمها الرطيب، فلم يرحب أحد بالقادمة الجديدة، أو يفكر في أمرها حتى الأم - وا أسفاه - كأنها في هذه اللحظة قد فقدت غريزة الأمومة، فلم تنظر إليها حينما تلقفتها يد القابلة إلا كما تنظر إلى خرقة بالية!
ولم يكن حظها من عناية أبيها بأوفر منه عند أمها، فكثيراً ما كان يراها وهي ملقاة على الأرض تشارك الكلب في مزجره، وفي يدها هنة تشبه قطعة الخبز دون أن تتحرك في قلبه عاطفة الأبوة نحو التي أتى بها إلى الحياة على كره منها؛ وهكذا سرت العدوى إلى سائر أفراد الأسرة وكأنها وترتهم جميعاً قبل أن تأتي إلى هذا العالم، فلما واتتهم الفرصة ثأروا لأنفسهم بإهمالها والحط من شأنها، ولولا وشيجة الإنسانية لقضت هذه التعسة جوعاً فأراحت واستراحت
اسندوا أمر العناية بها إلى ظئر حامل كسول، فلم تعطها من الرعاية إلا المقدار الذي يسمح لها بالحياة، فشبت إلى أسفل، وكأنها كانت تسير في نموها نحو مركز الأرض!
شاء القدر أن يصور للناس صورة ناطقة للقبح الجسماني، وينصب تمثالاً حياً للتنافر الجسدي، فكانت (عصمت) كما أراد: عينان غائرتان لا يكاد يبدو منهما نور الحياة، وخدان شاحبان بل عظمان عاريان إلا من ذلك الجلد الحائل، بينهما نتوء يشبه الأنف، تحته شفتان ضل سبيله إليهما الدم!! يضم كل هذا وجه أشبه بوجوه الموتى، إن فقد معالم الحسن فلم يفقد معاني الرحمة والرثاء، ينوء بذلك جذع ناحل وأطراف هزيلة
وهنا يجدر أن نسأل أنفسنا: أيكون القبح عقبة في سبيل حب الوالدين لفلذة كبديهما؟؟!. . .
هذا ما لا نستطيع الجواب عنه، ولكن الذي نعلمه أن عاطفتهما نحو (عصمت) كانت أشبه بالرحمة منها بالحب، وحسبنا مصداقاً لهذا محاولتهما البعد عنها تحت تأثير غريب كان يستولي عليهما كلما لمحاها
استردت الأم صحتها بعد جهاد عنيف، ودبت العافية في جسمها دبيب الراح في جسم شاربها، فشبا خداها، وبرقت عيناها، وغمرت الهناءة وجهها، وجرى ماء الحياة في جميع أطرافها، وبينما هي على وشك الظفر بالنصر الحاسم على عقابيل المرض المنهزم؛ إذا هي تحس حركة في أحشائها تؤذنها بزائر جديد، فاستخفها السرور، وحملت البشرى إلى زوجها باسمة، ثم ذاع المخبرين أفراد الأسرة، فعمهم البشر كأنه يولد في هذا المنزل لأول مرة، وكأن (عصمت) المنكودة الحظ لم تكن في الحسبان!
أخذوا في أعداد العدة لاستقبال هذا الوليد، وطفقت الوالدة تهيئ الأقمطة الناعمة، والأقمشة الفاخرة، وذهب الوالد يبحث في الأسواق عن أحسن مهد وأثمن هدية، وكان شغله الشاغل في شهور الحمل البحث عن كل ما يسعد الوالدة والمولود
وبينما (عصمت) تعبث في غرفة الخدم، تحبو كأنها الحشرة لا يعبأ بها أحد، ولا يعيرها التفاته إنسان، والجميع في شغل شاغل - فقد جاء الأم المخاض - إذا القابلة تقول: كأنها قطعة من نور. .! يا أم ابنتي هلا نظرت إليها.؟ وكان هذا إيذانا منها بانتهاء الأمر. . . لم تصدق الأم بادئ بدء، وسألتها جازعة: تشبه من يا ترى؟ وكأنها تخاف أن ينكبها القدر مرتين، ولما يزل شبح (عصمت) يتراء لها. إجابتها بلهجة الظافر. تشبه من.!؟ لمن يحتمل أن تشبه سوى أمها وأبيها. .!؟ وشاع البشر في وجه الأم حينما وجدت مصداق قولها في وجه ابنتها الجميل التكوين
علم أهل الحي فجاءوا مهنئين، وحفلت الدار بهم، فصارت الأم بما ملكها من الزهو بوليدتها الجميلة تكشف لهم عن وجهها، وهم يرتلون آيات الإعجاب بها ويكررون كلمات التهنئة، وأخذوا يتخيرون اسماً لطفلتهم، وأي اسم يؤدي كل هذه المعاني التي تنم عنها ملامحها من الحسن الرائع؟ إن كل ما نذكر من الأسماء غير واف بتلك المعاني. فليبحث أبوها إذن في المعاجم، وليسأل الغادي والرائح عله يظفر بضالته التي ينشدها. . . بعد جهد، خطر له اسم لبطلة قرأ عنها في إحدى القصص، فأطلق عليها (لمعان) تعاقبت الأيام، وشبت (عصمت) فبدأت ترقب طفولة أختها المرحة المترعرعة، وترى من إعزازها وإعجاب الأسرة بها ما لم تظفر في يوم من الأيام ببعضه فتعجب، ولكن سرعان ما تهديها غريزتها إلى أن بها نقصاً، فيعتريها شعور مهم غامض؛ أهذا هو السر في إنها ليست محبوبة، وأنها أدنى منزلة من تلك التي تتبوأ ذراعي أمها مفترة الثغر باسمة الملامح؟ كانت (عصمت) مرهفة الحس إلى حد بعيد، وكأنما عوضها الله سبحانه ما نقص من خلقها بكمال حسها ودقته - ويا ويل من دق حسه وقصرت يده عما يريد. .!
كانت ترى الفارق كبيراً في معاملة أبويها لهما فيعتريها من الألم والحسرة ما دونه وخز الإبر ووقع السهام، ينظر الوالد إلى أختها التي لا تفارق ذراعي أمها فيشع من عينيه السرور، حتى إذا وقع بصره على (عصمت) أطلت الشفقة من وجهه، وكأنها تسخر من هذا من هذا المخلوق العجيب، وربما تصدق عليها بقبلة تدرك معناها فتشعر برعدة المحموم من فتورها وبرودتها، وقد يخيل إليها إن الثلج طفق يذوب من موضعها، فتذوب حسرة وألماً، وتجر جسمها الهزيل جراً وتنزوي في ركن قصي، ويعوزها البكاء فلا تجرؤ عليه؛ وقد تحاول التمرد على أخذها بجناية لا يد لها فيها فيقعدها العجز عن السير في هذه السبيل
بقيت (عصمت) تعاني من أمرها ما تعاني، و (لمعان) تتفتح كزهرة الربيع، ترعاها عناية الأب ويكفلها حنان الأم وعطف الأسرة. . . أكسبها كل هذا نضارة فوق نضارتها، ونشاطاً فوق ما طبعت عليه من الخفة والمرح ودوام الابتسام، ولا عجب، فهذا شأن كل من اطمأن على أنه استوى على عرش القلوب وتملك ناصية الأفئدة
أقبل العيد، وأشترى الوالد لكل من ابنتيه ثوباً من المخمل القرمزي الجميل، فكان لهذا - في أول وهلة - من الأثر الطيب في نفس الأختين ما سرهما، ولكن شد ما اختلف شعورهما بعد ذلك! رأت (عصمت) أختها وهي تختال في ثوبها الجديد، وقد افاضت عليه من حسنها ما ضاعف بهاءه ورونقه، ثم تأملت نفسها فكادت تصعق. . . . . أنهما من نوع واحد! ولون واحد! ومن صنع يد واحدة! فما بال أحدهما يصعد إلى قمة الحسن، وينزل الآخر إلى أحط دركات القبح!؟ هل شارك الجماد أبويها في إذلالها والزراية بها؟ هل يميز الثوب بين الوسامة والدمامة حتى يصدمها هذه الصدمة الأليمة. . .!!؟ إذن أف له ما أقبحه، وما أشد بغضي له!. ناجت نفسها بكل هذا، والألم يحز في أحشائها حزاً تحس أثره اللاذع في السويداء من قلبها، وكأنها نسيت نتوء عظام كتفيها، وهزال جسمها، وشحوب لونها الأسمر الذي ضاعفه لون ثوبها الجميل؛ على حين تخلع (لمعان) من روعتها ونضارتها على ثوبها ما يزيده جمالاً وروعة
هتفت بالأختين مربيتهما: هيا قبلا أبويكما وهنئاهما بالعيد. . . لبتا الأمر، ومشت (عصمت) على استحياء والهم يملأ فؤادها المكلوم، وقد سبقتها (لمعان) - وكأنها ظبي أهيج - في خفة ورشاقة، ولكنها انتظرت مقدم أختها لتتقدمها في أداء هذا الواجب
مشت البائسة مطأطئة الرأس، مكتئبة النفس، في وجوم يكاد يكون بلادة، ثم تناولت أيدي أبويها وقبلتها، فبادلها كل منهما بقبلة، وكأنما يقبلان جثة هامدة لما غشيهما من الحزن والكآبة، ولكنهما ما لبثا أن تهللا حينما جاء دور (لمعان). .
يا لله للمحدود التعس.!! حتى في اليوم الذي يفرح فيه الناس جميعا، ويتناسى كل حزين حزنه، وكل بائس بؤسه، تطعن هذه الشقية تلك الطعنة النجلاء!
ظلت (عصمت) شاخصة، وسرى من روحها الحزين تيار قوي شل حركات الجميع فجمدوا كأنهم التماثيل، ولم يخرجهم من هذه الحال إلا (لمعان) حينما تحركت، وكأنها أدركت فجأة مقدار ما أصاب أختها من غبن وما نالها من شقوة، فجاش قلبها بالرحمة والحب، فاحتضنتها وتعلقت بها، وبذلت جهدها حتى طبعت قبلتها على جبينها، ولكن (عصمت) لم تبادلها إياها، وكان هذا عن غير عمد منها، فقد كانت شاردة اللب، كليلة الذهن، يضطرب صدرها بشتى الآلام وضروب الأوجاع، وقد أيقنت في هذه الساعة بماكانت لا تشعر به إلا محاطا بالغموض والإبهام، وحاولت أن تجزي أختها بما فعلت، فاحتضنتها وأرادت أن تقبلها، ولكنها انفجرت باكية في نشيج محزن، وأخذ صدرها يعلو ويهبط، وعيونها تفيض بغزير الدمع وهي تحاول منعه، ولكن هيهات فقد أفلت من يدها الزمام
منذ تلك الساعة (وعصمت) في هم دائم، حتى الابتسامة التي كانت تزور شفتيها لماما، وكأنها ضلت طريقها إلى الثغور الفرحة، فأوقعها سوء الحظ في هذا الثغر الحزين. . . حتى هذه الابتسامة غادرتها إلى غير رجعة، فقد أزالت تلك الدمع الحارة التي ذرفتها عيناها يوم العيد الغشاوة التي طالما حجبت عنها الحقيقة في أيامها الأولى وأيقنت أن جرحها عميق بعيد الغور لا يرجى له برء، ولا يعرف له دواء، وكلما تقدمت سنها قوي عندها الشعور، وضوعف الألم. . . . . .
أما (لمعان) ففي شغل عنها بزينتها ولهوها ومرحها
كبرت الأختان، وأشرفتا على سن الزواج، وأصبحت (لمعان) فاتنة المدينة، وغادتها الفريدة، وشرع الأبوان في إعداد ما يلزم لزفاف فتاتيهما، كسبا للوقت واستعدادا للطوارئ، فكانت (لمعان) تجلس الساعات الطوال، تصور لنفسها ذلك المستقبل السعيد الذي ينتظرها، بينا (عصمت) تتخيل في كل أداة تهيأ لها حية تنهش فؤادها، أو سهما يسدد إلى قلبها، فكل شيء يذكرها بذل الخيبة، ومرارة الفشل. . . .
الزواج! نهاية الأمل، ولقد فقدت الرغبة، وهل عاش لها أمل أو بقيت لها رغبة؟
لقد فقدت الأمل، ولقد فقدت الرغبة، ولم يبق لها إلا إحساسها، وكم كانت تجاهد المسكينة نفسها حينما تعرضها أمها إلى جانب (لمعان) على الخواطب. . . .
وهل تنتظر منهن كلمة الإعجاب التي لم تظفر بها في يوم ما من أبويها؟ وهل هن أشفق على إحساسها وأرحم بفؤادها منهما؟. . . . إذن فليذب كبدها، ولتتقطع أوصالها، وهي تساق إلى ذلك الموقف سوقا، ولتتحمل على الرغم منها تلك المخالب التي تنشب في أحشائها وتمزقها تمزيقا، ولتتقبل كارهة ذلك الأعراض الساخر وقتما يأتلق للخواطب نور (لمعان) بجانب دمامتها
هاهي ذي أمامهن تدور بعينيها في الغرفة تلتمس الخلاص كما يلتمسه الطائر السجين فلا تجده، وقد خيل إليها أن الفلك قد وقف عن دورانه في هذه اللحظة الطويلة، حتى إذا أذن لها بالخروج بادرت متهالكة وقذفت بنفسها إلى غرفتها وكأنها فرت من الجحيم فتغلق عليها بابها، وتنزوي في ركن من أركانها جامدة الحركة، كسيرة الجناح، واهنة القوة، لا تستطيع نزع ثيابها ولا النظر في مرآتها، وتظل شاخصة ببصرها إلى نقطة وهمية، وعواطفها تلتهب بين جوانحها حتى يكاد يحترق جسمها النحيل
أما (لمعان) فتذهب متهللة إلى غرفة الخدم، وتسر إلى فتاة لعوب منهن كانت تصطفيها - ما كان من أمر الزائرات معها، وكيف كن يحدقن فيها ويداعبنها، خصوصا تلك السيدة الشابة ذات المخمل الأزرق المكسو بالفراء؛ كانت تقص هذا على صاحبتها وهي مفترة الثغر، مشرقة الجبين، تنطق أساريرها بما استولى عليها من الزهو
ظل الخواطب يترددن على منزل الأسرة عامين كاملين، و (عصمت) تكتوي بنار العرض عليهن، إلى أن صهرتها الآلام وحولتها إلى مخلوقة أخرى، إلى قديسة تنشد الصبر، وتطلب من الله العزاء، وكانت تسمع عقب كل زيارة همسا ينبعث من غرفة والديها لم تتبينه بادئ الأمر، إلى أن سمعت أباها ذات مرة يقول للمعان وهي تدخل عليهما الغرفة بغتة: لاشك يا ابنتي في أنك تقبلين الانتظار حتى تتزوج أختك بصدر رحب، أليس كذلك؟
فصمتت (لمعان) خجلا، ولكن هذه الكلمة فعلت في نفس (عصمت) ما فعلت فاعتزمت أمرا. وما زالت ترقب الفرصة لما اعتزمت حتى لاحت لها عقب زيارة بعض الخواطب، وقد طلب الوالد من ابنتيه أن يذهبا إلى مخدعهما، وحينئذ لم يخف على (عصمت) أن أباها يريد أن يخلو إلى أمها ليحادثها فيما جاء من أجله الخاطبات، فاختفت بحيث تنصت لحديث والديها دون أن يرياها
سمعت أباها يقول: لا لا. لا يمكن أن نزوج الصغرى ونترك (عصمت) فريسة للهواجس، فتقول أمها وهي تحاوره:
لقد انتظرنا طويلا، وليس من الحكمة أن نغامر بمستقبل (لمعان) في سبيل أمل دلت الشواهد على أنه لا يتحقق، وإذا لم تتزوج (لمعان) فلا سبيل إلى زواج (عصمت) وتكون العاقبة تضحية الاثنتين؛ وهذه جريمة لن أوافق على اقترافها أبدا. . .
لم يجر أي حديث في شأن (عصمت) في زيارة من تلك الزيارات العديدة، ولم تذكر على لسان أحد بزواج، بينما تلح الخواطب إلحاحا شديدا في طلب (لمعان) فلم هذا العناد جريا وراء سراب خادع ووهم باطل؟
ولو أن سهما أصاب فؤاد (عصمت) لما تألمت كل هذا الألم الذي اعتراها عندما صك سمعها هذا الكلام. أي بلية جديدة وأي نكبة.!؟؟ أتكون عقبة في سبيل إسعاد أختها؟ لقد شربت كأسها وحدها صابرة محتسبة، فهل تكون سببا في شقاء غيرها. .؟؟. لا. إن هذا لن يكون أبدا
هذا ما تحدث به ضمير (عصمت). أما أبوها فأخذ يقول لأمها:
تحاولين عبثا إقناعي بزواج (لمعان) أولا، وإني لأفضل تضحية الاثنتين على أن أرى كبرى بناتي تموت غما، وأكون مع القدر عليها
واستمر في حديثه و (عصمت) ترتجف خلف الباب تأثرا، ولم تستطع كبح جماح عواطفها طويلا، فاقتحمت الباب عليهما صائحة:
كلا يا أبتاه. إن (عصمت) لن تتزوج، فهي لم تخلق للزواج؛ أنها دميمة، ولن يبحث الأزواج عن الدميمات، ارحمها يا أبتاه، ولا توقفها ذلك الموقف المؤلم، ودعها تحيا في ظلك ما قدر لها، إنني بائسة فلا تجعلني حائلا بين أختي وبين سعادتها ومستقبلها، وأجهشت باكية، فبكى أبواها رحمة بها وإشفاقا عليها
مرت الأيام ولم يجد الأبوان أمام إلحاح (عصمت) وإصرارها بدا من زواج (لمعان)، وقد اغتبطت عصمت لذلك اغتباطا شديدا، وكانت ترى في خدمة أختها وزوجها بعض السلوة
انقطعت زيارة الخواطب منذ تزوجت (لمعان). وناءت (عصمت) بعبء ما مر بها من خطوب، فأصبحت وهي في عقدها الثاني كأرملة في الثمانين، وقد زهدت الحياة وملتها حتى وضعت (لمعان) طفلا جميلا فاتخذته ولدا لها، ولم تكن لتتركه لحظة واحدة، جعلت له من صدرها مهدا، ومن عنايتها حارسا فشب على حبها، ووجدت لذلك برد الراحة، فحببت إليها الحياة، وكانت تعتقد أنها جوزيت على جميل صبرها خير الجزاء حينما تداعب الطفل فيطوقها بذراعيه الصغيرتين، ويغمر وجنتيها الجافتين اللتين لم يسعدهما الحظ لثما وتقبيلا وهو يقول: خالتاه. . . ما أحيلاك يا خالتاه. . .!
اسكندرية
عبد اللطيف أحمد