انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 757/يا شرق!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 757/يا شرق!

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 01 - 1948



للأستاذ محمود الخفيف

(مهداة إلى أديب العربية الكبير الصديق الكريم الأستاذ

النشاشيبي

ما شاء فليسخر بي الساخر ... بالغرب، ما عشت، أنا الكافر

يزيدني الحق جحوداً به ... ما زوّر الحقَّ به فاجرُ

إلا نجوماً فيه رجَّافةً ... يكاد يخفي لمحُها الحائر

ما غده؟ هيهات يرجى غد ... من أمسه مات الذي يُحمد

والحاضرُ الكاشرُ يا هوله ... يا سوء ما يطغى وما يجحد

للشر في الأرض على رحبها ... في كل ركن آمن مرصد

دنيا من المأكول والآكل ... لا شيء من حق ولا باطل

الغابة اللفاء ديناهمُ ... فالعيش للفاتك والخاتل

يا ويحهم هذا الذي بشروا العصر به من بشر كامل!

الدينُ حيران الخطى هائب ... مروَّعٌ في بُرْدِه شاحبُ

والرحمة السمحة مذعورة ... من كل صوْب حولها ناعب

يا عجباً وهو ألدْ الخصام ... يردد الإنسان لحن السلام

يهتف بالأمن وفي روحه ... أنشودة الذرةُ تلقى الهيام

والأرض أشلاءٌ تُرى ها هنا ... وتلك أطلالٌ وهذا حطام!

مهزلة يلهو به الأقوياء ... يخجل منها اليوم حتى الرياء

حبالة القانص كم أوقعت ... في الشرك الأغفال والأذكياء

كم بشر الأرض بآماله=مُبشرٌ حتى جرت بالدماء

يا شرق كم غرتك بيض الوعود ... ألفْتها حتى ألفت القيود

تخطر في القيد على ذلة ... تلوك في الأغلال مجد الجدود

إهنا بماضيك وفاخر به ... ولُكهُ يا مسكين حتى يعود يا ظامئاً يطلبُ ماء السراب ... إشرب على الغلة مُرَّ العذاب

يا حالماً أغراه طيب الكرى ... أبشر مع الصبح بسوء المآب

يا لاهياً ويك أما تتقي ... النابُ والمخلبُ طبعُ الذئاب

قومُك بالموت أعزوا الحياة ... وأفزعوا بالبأس بغْي الطغاه

في السيف والمصحف برهانهم ... تعنو له في العالمين الجباه

لا السيف ظلاَّمٌ عتيٌ ولا ... يُروَّعُ المصحف عات عصاه

فاوت بين الناس خوضُ الردى ... يا شرق هل أصرخ أين الفدا؟

رِدوا فقد جدَّ بكمْ دهركم ... أو فارتضوا الخسف لكم مورداً

ما من قلوب ألفت قيدها ... إلا غدت تعبُدُ من قيَّدا

دين العلا إن كنت لا تعلم ... دينك يا ابن الشرق يا مُسلمُ

دينك بين الناس سوى فما ... بالك للطغيان تستسلم؟

دينك إن عدْت لأحكامه ... حكمت لا دنْتِ لمن يحكم

عقيدةٌ دينك لا تُغلب ... لا تعرفُ البطش ولا ترهبُ

شريعةٌ خالدةٌ فُصلت ... دستورها الخالدُ لا يُسلبُ

روحٌ من الله سماويةٌ ... شرقيةُ المطلع، لا تغربُ

يا شرق حتام تلوم القدر ... ولا تنى ترنو إلى من غبر؟

أنت الملوم اللائمُ المشتكي ... كم صرخت حولك شتى العبرْ

رضيت، لو أنكرت ما تشتكي ... منه، تهاوى عمره واحتضر

إلام يا شرق حياة الجسد ... في ذلها طال عليك الأمدْ

يا موطِنَ الروح أما هزةٌ ... تُشعلُ من أرواحنا ما خمدْ؟

ويحك يا عاني أما غضبَةٌ ... لشدَّ ما تذعنُ إذ تُضطهد!

يا أمةً تهضمُ أوطانها ... ولا يني يمرَحُ فتيانها

أترتضون الذُلَّ؟ ما خطبكم ... ذات نفوس مات إيمانها

تالله ما البعث سةى رجفةٍ ... يُمحصُ الأْنفسَ بركانها

واأسفاه كل حمى مستباح ... هيض الحمى منذ فقدنا السلاح يا فتية الشرق ألا خالدٌ ... وقد تداعى قومنا، أو صلاح؟

حِطَّينُ هذا وقتها فاحشدوا ... أبطالكم، هذا أوان الطماح

أما يهز الشرق بغيٌ عتا ... بعد خفاء سيفًهُ أصلتا؟

الطمع الغاضبُ بعداً له ... كلَّ فؤاد لؤمُه أعنتا

متى أرى الشرق لظى حوله ... ويلاه! كم تلهبُ صدري متى!

أيةُ نارٍ أوقد الطامعُ ... وأي بغي ذلك غِيلةٍ وازع

بيعت فلسطين فيا موطناً ... في علَن غاضبهُ البائع!

بيعت وما أعجب بيع الشعوب ... فيما وعى التاريخ أدهى الخطوب

سوق بها السواس كم زاولوا ... تحاسةً هانت إليها الحروب

كم أعتم الغربُ وفي أفقه ... كم بهر الأبصار برقٌ كذوب!

قائمةٌ من عهدها الأسبق ... حربُ الصليبيين في المشرق

لم يفتر الغربُ ولم يألنا ... من حربه أو كيده المرهق

لا تلم الغرب على بغيه ... اللوم للمستسلمك الموثق

اللوم للجاثم في كنَّه ... في ميعة القوة من سنَّه

يضنُّ بالمال أما حفنةٌ ... للغاصب الواغل من ضغنه؟

باع فلسطين حماة الأمم ... أهل المواثيق رعاة الذمم

الكاشفون الضر عن أرضنا ... حين تغشى الناس فيها الظلم

الكارهون البغي من أنقذوا ... بالنار حرياتهم والقلم!

بالذهب الباغي اشترتها يهود=وعصبةُ الأمن عليها شهود

الأمنُ؟ ما الأمنُ سوى غاية ... تُنمى لا تلقوا إليها الوقود!

عز يهوذا حول قبر المسيح ... غداً له في الشرق ملكٌ فسيح

آه من المال به الباطل اللجلج إذ يعوي مبينٌ فصيح

بالمال كم جادوا وكم آكل ... للسحت فيهم أشعبيّ شحيح

في الأرض ملعونون ما طوفوا ... كم بخسوا الكيل وكم طففوا

في كلَّ رُكن للربا آكلٌ ... باغٍ وفي كل حمى مصرف تالله لن يفلح كيدٌ لهم ... ما أشعلوا الفتنة أو أرجفوا

قل لبني المشرق من واجد ... يبكي ومن مستصرخ جاهد

قل لرعاة الشرق من علية ... تشاوروا في مجلس حاشد

خوضوا المنايا الحمر أو فاقعدوا ... ما من طريق غيرها قاصد

صبوا على النار هناك الدما ... لا تبتغوا غير الردى مغنما

جد العدو اليوم في بغيه ... فأطفئوا النار التي أضرما

من دمكم إن صال أعداؤكم ... وصمموا فالحر من صمما

يا ابن الكماة الغر جدَّ الزمن ... واستصرخ اليوم بنيه الوطن

يا ابن الأولى النجدة كانت لهم ... ديناً وكانوا عصبة في المحن

أفق على الصيحة طال الكرى ... شرٌ من الأجداث هذا لوسن

في الأفق الشرقي لون الدم ... منورٌ بعد الدجى المعتم

أفق على الإصباح وانشد له ... لحناً إلى مجد الردى ينتمي

وانهض إلى الموت وخض لجه ... مبتسماً في وجهه الأقتم