مجلة الرسالة/العدد 756/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 756/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 756
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 12 - 1947



الأدب المقارن:

ألقى الدكتور طه حسين بك محاضرة في نادي الخريجين المصري يوم الجمعة، عنوانها (الأدب المقارن وأثره في التقريب بين الأمم) بدأها بتصويب كلمة (مقارن) رداً على من يخطئونها فقال: إن القرن في اللغة الحبل الذي يقرن به بين بعيرين، فما الذي يمنع أن يقرن بين شاعرين أو فكرتين لنرى ما بينهما من أوجه الشبه والاختلاف؟ بل إن (المقارنة) أدق من (الموازنة) التي يدعون إلى استعمالها، لأن الموازنة تقتضي تفضيل شيء على شيء، وليس في المقارنة تفضيل.

ثم قال: إن الأدب المقارن ليس حديثاً كما يقولونه، لأن الناس منذ عصور قديمة قاسوا بعض الآداب إلى بعض، كما فعل هيروديت، إذ تحدث عن تأثر اليونانيين بعض الآداب المصرية القديمة، وكما فعل العرب في صدر العصر العباسي، إذ ترجموا الآداب، وتحدثوا عن التراث الفني للأمم التي نقلوا عنها. أما في العصر الحديث، فقد تعمق المحدثون النظريات القديمة في المقارنة بين الآداب، ووضعوا لها أصولاً وقواعد، حتى تكون فن الأدب المقارن الذي يرجع البعض نشأته إلى أوائل القرن الماضي، ويقول آخرون إنه نشأ في أواسط القرن الماضي، ويقول غيرهم إنه حديث جداً، فعهده أوائل هذا القرن.

وتحدث بعد ذلك عن تأثر أدب الرومان بأدب اليونان وأثره فيه، وعما نشأ من التفاعل بين الأدبين من ظهور ألوان في الأدب العربي بعد الإسلام يختلف عما كان قبله، فقد فتح العرب الأمم المجاورة لهم واتصلوا بها وهي ذات حضارة قديمة، فأثروا بها، وتغيرت حياتهم، وتمتعوا بالترف المادي والترف المعنوي، فلم يكتفوا بسكن الدور والقصور، بل استحدثوا ألواناً من الفن لم يكن لهم بها عهد. فشعراء الحجاز مثلاً رأوا أنفسهم أمام فنون وافدة عليهم من الفرس والروم وغيرهم، هي فنون الغناء والموسيقى والرقص، فكان لها في نفوسهم أبلغ الآثار، فيرعوا في الغزل واللهو على نحو لم يكن في الجاهلية، وحدث هذا في الحجاز وبه الأماكن المقدسة، فما بالك بالعراق وخاصة بغداد في عصر العباسيين الذي امتاز بالدراسات الثقافية والفلسفية، فلم يكتف الشعراء بملكاتهم، بل اخذوا بهذه الدراسات وانتفعوا بنتائجها وأفكارها واستعملوا مصطلحاتها في أشعارهم. وكذلك شأن العر بالأندلس، بل هم أكثر إمعاناً في هذا السبيل لمتاخمتهم ومعاشرتهم للأوربيين الذين تأثروا هم أيضاً بالآداب العربية الأندلسية. وقال إن الأمة الفارسية بعدما استعادت لغتها القديمة ظلت تتابع الثقافات والآداب العربية وتتأثر بها.

ثم انتقل إلى أوربا في عهد النهضة، فبين كيف ازدهرت الآداب والفنون بإيطاليا في القرن السادس عشر، وأخذت أوربا الشمالية عنها هذه الآداب والفنون، قم ما كان بعد ذلك من تطلع الفرنسيين إلى الأدب الإنجليزي وانشغالهم به.

ساق الدكتور طه كل ذلك ليصل منه إلى ما يحدثه تبادل الآداب والفنون بين الأمم من التقريب والتأليف، وأن ذلك حري أن يصد تيار الجنون الذي يعتري الأمم في فترات مختلفة، ثم ليصل أخيراً إلى ما ينبغي أن نفعله الآن، فقال إننا أخذنا بالحضارة الحديثة في حياتنا المادية، فلم نعد نركب الحمر وننتقل بالإبل، ولكننا لم نتقدم في أدبنا عن ذلك، فلا زلنا نكتفي بما عندنا، ونزهد في آداب غيرنا، ونعتمد في مترجماتنا إلى ما يقصد به اللهو والتسلية، فيجب أن نقبل على الآداب الأجنبية، نتفهمها، ونأخذ عنها، ونحاكيها، ثم نبتكر بعد الاستفادة منها، ليكون لنا أدب يؤخذ عنا كما نأخذ عن غيرنا.

تعقيب:

الذي نعرفه أن الأدب المقارن هو الدراسة التي تقوم على المقارنة بين أدب وأدب للبحث عما يتشابهان وما يختلفان فيه من الخصائص والموضوعات وما إلى ذلك. وقد كان حديث الدكتور طه في هذا في أول المحاضرة عندما قال إن القدماء كان لهم نظرات في قياس بعض الآداب إلى بعض، وإن المحدثين تعمقوا تلك النظرات ووسعوا ونظموا الدراسات للمقارن بين الآداب. ولكن حديثه بعد ذلك - وهو معظم المحاضرة وموضوعها - كان في شيء آخر - على ما نفهم - هو انتقال الآداب من أمة إلى أخرى وتأثير أدب في آخر، وأثر هذا في التقريب بين الأمم؛ وقد دعا في ختام محاضرته إلى أن لا نكتفي بأدبنا وإلى أن نأخذ من آداب غيرنا، فهل الأخذ من الآداب الأجنبية يسمى أدباً مقارناً؟ هذا وقد فجعنا الدكتور طه في أدبنا العصري الذي تكون من إنتاجه وإنتاج غيره ممن سائر أساتذتنا أدباء الجيل، فهم منذ عشرات السنين يطلبون الآداب الأجنبية ويتفهمونها ويترجمونها ويحاكونها، ونزعم إنهم ابتكروا بعد الاستفادة منها، وإذا الدكتور طه حسين يقول إننا مكتفون بما عندنا وزاهدون في آداب غيرنا. . . بل يقول أنا واقفون في حياتنا الأدبية عند ما يقابل ركوب الإبل والحمر في حياتنا المادية! ففيم كان ما كان؟. . .

ومن ظريف المفارقات إنه يقول ذلك في نادي خريجي القسم الإنجليزي في كلية الآداب الذين يوجهون جهودهم الأدبية كلها إلى دراسة الأدب الإنجليزي وإذاعته بالإذاعة المصرية التي توليه من عنايتها ما لا يظفر به أدبنا!

الصفحات المزوقة

كانت صحفنا اليومية قبل الحرب تخصص كل منها صفحة من صفحاتها للآداب والثقافة العامة، وكانت تلك الصفحات تقدم للقراء زاداً فكرياً من ثمار الأقلام الناضجة، ثم كانت الحرب وكانت أزمة الورق واختفت تلك الصفحات. ولما فكت قيود تحديد الصفحات بعد الحرب عمد كثير من صحفنا إلى تخصيص بعض صفحاتها ل. . لأي شيء؟ لست أدري اسم الذي تنشره هذه الصفحات المزوقة المزركشة، فشيء أحمر، وشيء أخضر، وشيء أصفر. . . وكثير ما ترى في وسط هذا صورة فتاة في وضع مثير. . . وأختار لكل ذلك عناوين لا يتوخى في وضعها أن تدل على الموضوع، بل توضع على نحو يلفت الأنظار ولو لم يكن ذاع في الموضوع أهمية. . .

كنت وما زلت أنظر إلى هذه الصفحات وأقف عندها، أني مبتلي بأمرين. الأول تتبع ما يكتب شبيهاً بالآداب والفنون، الثاني الميل إلى تأمل معارض المحال التجارية (الفاترينات) رغم ما يفزعني من غلاء سلعها في هذه الأيام مما يحملني على الاكتفاء بالتأمل والمضي في طريقي. . . وكذلك حالي مع تلك الصفحات، إلا إن الذي يصدني هنا ويحملني على المضي هو رخص محتوياتها! ومن الغريب ما رايته مرة لأحد من يكتبون تلك الصفحات الملونة: أبيات، تحت صورة امرأة، يقول فيها فتاة أحلامه. . فهل هي صورة لفتاة يحبها وينشرها على الناس، أو هي صورة امرأة، أية امرأة!

ولم أكن مع كل ذلك مستريح الضمير، فكنت أتهم نفسي بغمط تلك (الآداب) التي قد تكون (رفيعة) ولكنها لا تلائم مزاجي، ولكن خفف عني هذا القلق النفسي الدكتور حسين مؤنس بما كتبه في (البلاغ) تحت العنوان الذي يتخذه لكتابته يوم الأربعاء وهو (ما سمعت وما رأيت وما قرأت) وخص الموضوع الذي نحن بصدده بالكتابة عنه فيما رأى لا فيما قرأ قائلاً إن هذه المقالات ترى ولا تقرأ، وقد ندد بما يصنعه كاتبوها، لأن الواحد منهم كما قال (يلخص لك الكتاب لا يذكر لك شيئاً من هذا الكتاب ولا شيئاً عن مؤلفه. . . وهو يحسن إلى نفسه بهذا الأسلوب الغريب في السطو على كتب الناس. يحسن إلى نفسه لأنه يحول بينك وبين تعرف الأصل وتعرف مقدار الأمانة التي يعرض عليك الكتاب بها، وقد حاولت كثيراًأن أتعرف الأصول فلم أستطع) إلى أن قال: (وأغرب ما عند هؤلاء الشباب إنهم جميعاً مرضى العقول بشيء تستطيع أن تسميه (جنون الجنس) فكل مقالاتهم وفلسفاتهم تدور حول موضوع واحد: المرأة؛ فهم يعرضون عليك قطعاً غرامية ومخاطرات نسائية لا أعرف أين يلتمسونها اللهم إلا إذا كانوا يأذنون لأنفسهم في الاستقاء من صحف خليعة مما لا يطرأ في البلاد الأوربية إلا خفية وفي كثير من الحياء).

ثم جعل الدكتور مؤنس يسائل هؤلاء: لمن يكتبون هذا؟ أللعقلاء وهم لا يرتاحون لمثل هذا الفحش؟ أم للمجانين وهم ليسوا بحاجة إلى من يزيدهم جنوناً؟ ولماذا يكتبونه؟ ألتثقيف الناس بالكلام الفارغ. . . أم للتسلية والارتزاق والشهرة التي خير منها الخمول. .؟

توفيق الحكيم أخيراً

تبلغ - ولاشك - أذني الأستاذ توفيق الحكيم، ما يردد على الأقلام والألسنة من أنه شغل عن الإنتاج الأدبي القيم منذ سنوات بما يكتبه في (أخبار اليوم) من أشياء أقل ما توصف به أنها ليست كسابق إنتاجه، ولا بد أنه يشعر بهذا وإن لم يكن يسمعه؛ ولذلك كتب أخيراً في اليوم مقالاً بعنوان (فتاة بين جبلين) ساق الحديث فيه على لسان شاب وفتاة أديبين كانا في مكتبه، سألت الفتاة وأجابها الشاب، ومن السؤال والجواب نرى أن الأستاذ الحكيم يحاول أن يبرر ما اَل إليه من الركود الأدبي والابتذال الصحفي، بأن الناس يشعر بشعورهم ويدرس أحوالهم ويعرف أنبائهم ويعرض شكاواهم ويدافع عن حقوقهم، فإذا فعل عادوا فقالوا أين العزلة التي يكتب فيها لطائفة من الخاصة.

والمغالطة في هذا الكلام ظاهرة، لأنه لم يكن في البرج العاجي يوم كتب (يوميات نائب في الأرياف) وغيرها مما شعر فيه بشعور الناس ودرس أحوالهم، فلم الحيرة أليس هناك إلا العزلة في البرج وملء الصفحات بكلام لا نبضة للفن فيه. .؟

وأراد أيضاً أن يقول إنه لم يهمل فنه، وما عليه أن يسكت عامين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة يدرس خلالها نفسه من جديد، ويزن تأملاته، ويختزن تجاريبه، ويراقب أحوال الناس وتطورات المجتمع، ويراجع أعماله القديمة، ويبحث عن طرائق للتعبير الفني جديدة، ليصل إلى نوع من الفن لا علاقة له بكل ما عالج من قبل.

ولكن هل هو ساكت. .؟ أو لديه فراغ يدرس فيه ويزن ويختزن ويقارب ويراجع ويبحث؟

لقد أراد توفيق الحكيم أن يطالع آلاف الناس، وقدمته إليهم (أخبار اليوم) الواسعة الانتشار، ولكنه كان (مقلباً) لتوفيق الحكيم. . . فلم يؤد هذا التقديم إلى تأخير. . . أغلى من ثمنه!

وليت شعري، هل الإشارة إلى البحث عن فن جديد، اعتذار أو إرهاص؟ وإذا كان الثاني فكل ما نرجو ألا يكون الجديد من نوع (الحمار) و (صينية البطاطس). . .

اللغة العربية في السوربون

جاء من باريس إن الشيخ أحمد الزموري قاضي الدار البيضاء ألقى محاضرة في قاعة الاحتفالات الكبرى بكلية الحقوق بباريس، عن مصادر للشريعة الإسلامية، وأن هذه أول مرة يتاح فيها لخطيب عربي أن يعتلي منبر (السوربون) ويخطب باللغة العربية والمعروف إن (السوربون) تلقى فيها محاضرات في مختلف الثقافات والآداب ولكنها لا تكون إلا باللغة الفرنسية، وعلى هذا قد خرق الذي جرت علية لأول مرة وباللغة العربية. والاستفهام التعجبي الذي يقوم بنفسي وبنفسك، هو: أبلغ حب أبناء السين للغة أبينا يعرب بن قحطان إلى هذا الحد؟ وهل يرون حقاً إنها اللغة الثانية في العالم الجديرة بأن تأخذ مكانها إلى جانب لغتهم في السوربون؟

ولعلك تذكر - كما أذكر - تلك الصيحة التي انبعثت في العام الماضي من المغرب - بلاد القاضي المحاضر بالشكوى من منع الفرنسيين المحتلين وسائل الثقافة الصادرة في البلاد العربية من كتب وصحف، من الوصول إلى تلك البلاد التي يريدون أن يفرنسوها - نذكر هذا فنعجب لمن يتظاهرون بالتمكين للعربية في باريس وهم الذين يعملون على كتم أنفاسها في مواطنها.

أليس حقيقة الأمر إنها مظاهر استعمارية؟ ستقول ومالو إنه كسب للغة العربية مهما تكن الدواعي إليه؟ ألا تستبشر لأن العربية تزحف؟ فأقول لك: الأمر كذلك، ولكن لابد أن نلقي ضوءاً على مثل هذه الحركات لاستبانة مراميها التي هي غير مظاهرها.

مسابقة المجمع الأدبية

كان آخر نوفمير الماضي الماضي النهاية التي حددها مجمع فؤاد الأول للغة العربية، لقبول الموضوعات التي تقدم للحصول على المسابقة الأدبية لسنة 1947 - 1948، وهي في الشعر وفي القصة وفي البحوث الأدبية، كما بينت ذلك في حينه.

وقد رأت لجنة الأدب بالجمع معظم الموضوعات المقدمة، وتوشك أن تفرغ منها، على أن تعلن نتيجة المسابقة وتحتفل بتوزيع الجوائز في أوائل السنة المالية القادمة.

ومما يذكر أنه قدم في الشعر 31 ديواناً أصحابها من مصر والسودان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والحجاز ومن المهجر في الولايات المتحدة والبرازيل، ومنهم ثمانية معروفون. وقدم في القصة 35 فيها قصص تاريخية وأغلبها من الحياة الحاضرة، وأصحابها من مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، منهم سبعة معروفون. وقدم في البحوث الأدبية عدد أقل مما قدم في القصة، وأصحابها كلهم مصريون، فيهم شخصية لامعة.

والملاحظ أن المتقدمين على العموم قليلون، والمصريون على الأخص اقل من المعتاد في مثل هذه المسابقة. وقد حدثني بعض الأدباء الذين دخلوا مسابقة المجمع في السنة الماضية، فعبروا عن ندمهم على دخولها، وأبدوا من هؤلاء معروفة صلاتهم ببعض الأعضاء البارزين في لجنة الأدب بالمجمع.

(العباس)