مجلة الرسالة/العدد 75/بعض الكتب الجديدة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 75/بعض الكتب الجديدة

مجلة الرسالة - العدد 75
بعض الكتب الجديدة
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 12 - 1934



(الأدب العربي وتأريخه في العصر الجاهلي) للأستاذ محمد

هاشم عطية

(شهيرات التونسيات) للأستاذ حسن حسني عبد الوهاب

(أيام بغداد) للأستاذ أمين سعيد

ألف الكتاب الأول الأستاذ محمد فاضل عطية المدرس بدار العلوم، لينتفع به طلاب هذه المدرسة وطلاب كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية وقد جعله قسمين يقعان معاً في نحو أربعمائة صفحة كبيرة. ففي القسم الأول تكلم الأستاذ أولاً عن معنى كلمة الأدب ومنشأها، ثم حدد العصر الجاهلي وأنتقل إلى أقوال العلماء في الأدب الجاهلي، فأورد طرفاً منها في معرض التدليل على صلاحية هذا الأدب ليكون مرآة للحياة الجاهلية، ثم تكلم عن تاريخ الأدب والمراد منه وفائدته وعلاقته بالتاريخ العام، ودرس جزيرة العرب وأصل العرب وطبقاتهم، ونشأت اللغة عامة والعربية خاصة وخصائص اللغة العربية، ومعارف العرب في الجاهلية، والنثر الجاهلي والشعر الجاهلي وخواصهما؛ ثم درس المعلقات درساً مفصلاً. وأما القسم الثاني من الكتاب فقد جعله للتراجم بعد أن مهد له بفصل ممتع في النقد الأدبي وتاريخه وأصوله، وترجمة فيه لامرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى ولبيد وطرفة وعبيد أبن الأبرص وأوس بن حجر وأمية أبن أبي الصلت

فالكتاب كما ترى من وصفه حسن الترتيب حافل بالمعلومات التي لابد منها لطالب الأدب، وهو في شكله المدرسي هذا كفيل بأن يفيد جمهور المثقفين من غير الطلاب؛ بيد أن هذا الشكل أو هذا الوضع المراعي فيه مناهج الدراسة قد حال بين الأستاذ على رغم ما يبدو من متانته وضلاعته وسعة إطلاعه، وبينما كان يتطلبه الكثير من الموضوعات من البسط والاستيعاب، ومن أمثلة تلك الموضوعات مسألة الانتحال والرواية والحياة الاجتماعية للعرب، فهما موضوعان أساسيان في مثل هذا الكتاب وكثيراً ما يحول التقيد بالبرنامج بين المؤلف وبين ما يريد، فيجعل بحثه خاصاً أكثر منه عاماً إلى إيراد المعلومات المتنوعة أقرب منه إلى التحليل والاستقصاء والاستدلال، ولا سيما في المسائل العامة التي يبن عليها فهم الأدب فهماً صحيحاً، وهذا واضح في القسم الأول من الكتاب، أما في القسم الثاني حيث سمح المنهاج للأستاذ بالتحليل والدرس الدقيق، فقد تجلت براعته وأصالته وحسن ذوقه. فإذا نحن نقدنا الكتاب في شكله الحالي ككتاب مدرسي لا يسعنا إلا أن نضعه في عداد الكتب المدرسية الممتازة، كما لا يفوتنا أن نرجو الأستاذ الفاضل أن يستغل عامه ومقدرته في بسط ما أجمل في رسالة أخرى تنفع المتأدبين عامة.

أنتقل بالقارئ بعد ذلك إلى البحث الطريف، الذي أضطلع به الأستاذ العالم التونسي الفاضل حسن حسني عبد الوهاب، وهو بحث تاريخي أدبي في حياة النساء النوابغ بالقطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى الزمان الحاضر. ذكر الأستاذ في مقدمة كتابه أن ما دعاه إلى وضعه ما جرى من حديث بينه وبين صديق له حول الكتاب المسمى (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) وقد أشار عليه صديقه أن يضع كتاباً في شهيرات التونسيات، فهزته إلى هذا العمل عاطفة قوية كان ثمرتها هذا الكتاب الذي أحدثك عنه. فقد تكلم فيه الأستاذ عن نابغات النساء في تونس في الدور العربي، والدور الأغلبي، والدور العبيدي والدور الصنهاجي، والدور الحفصي، والدور التركي، والدور الحسيني، وترجم في هذه الأدوار جميعاً لعدد من كرائم السيدات، مبيناً مآثرهن وأدبهم في حديث طلي وعبارة قوية. ولن تقف أهمية هذا الكتاب عند الترجمة لهؤلاء الأوانس، بل أنك لتجد المؤلف الفاضل يربط الموضوع بالتاريخ في مهارة وكياسة، فتجد في كل دور من هذه الأدوار التي مر ذكرها ظلاً للعصر الذي يقع فيه، وتطالع ألواناً مختلفة من الألوان الحياة الاجتماعية، ومألوف العادات والتقاليد، هذا فضلاً عما كان يبثه المؤلف في ثنايا الكتاب من الحكمة والأدب والموعظة الحسنة، والطرف الأدبية، مما هو جدير بمن كان له مثل أريحيته وأدبيته، وإني إذ أقدم هذا المؤلف الطريف للجمهور القراء في العالم العربي أمل أن يحذو حذوه المؤلفون في الشرق، فما أحوجنا في نهضتنا الحديثة إلى المثل العليا في عالم المرأة، وما أجدرنا أن ندفع عنها تلك الاتهامات القاسية التي توجه إلى المرأة الشرقية في غير تحرج ولا استحياء، وفي كثير من الجهل والإدعاء.

أما أيام بغداد فهو كما يعرفه الأستاذ المؤلف أمين سعيد، وصف شامل لنهضة العراق الحديثة ولمعالمه التاريخية، والقارئ يذكر أن الرسالة قد قدمت إلى قارئها منذ وقت قريب كتاباً كبيراً للأستاذ المؤلف هو (الثورة العربية الكبرى). ومن هذين الكتابين تدرك مقدار اهتمام الأستاذ أمين بالشرق العربي ومدى حماسته له. أما هذا الكتاب فيقع في نحو مائتين وخمسين صفحة، جيد الطبع متين الورق، وكسائر كتب الرحلات يجمع بين اللذة والفائدة ولا سيما أن موضوعه العراق، ذلك القطر الفذ في تاريخه. أفتتحه المؤلف الفاضل بفصل في النقد في بلاد العرب، ثم بأخر في سكة حديد فلسطين والاستعمار الصهيوني، وبعد ذلك تبتدأ رحلته في فصل عنوانه إلى بغداد، فينتزعك من وسطك ويسير بك إلى تلك البلاد، فإذا أنت معه على ضريح المغفور له الملك فيصل، ثم إذا بك كأنك ترى حفلة التأبين الكبرى، فوصف الأستاذ دقيق، والموضوع ذاته يستهويك ويحيطك بجو خيالي ملئ بالصور. وقد حافظ الأستاذ على هذه الدقة في وصف جميع الأماكن التي زارها والحفلات التي حضرها، ثم أنه لم يقتصر على الوصف وعلى إيراد ما رأى، بل تراه يحدثك عن بعض المسائل الهامة في العراق كالعمران في بغداد والمدرسة العسكرية في الكرادة ونهضة التعليم في تلك الديار؛ وما هو أهم من ذلك كمدى نفوذ الإنكليز هناك ومعسكراتهم ومطارداتهم، وأخيراً تراه يحدثك عن الآشوريين وأحوالهم حديث من رآهم وخبرهم بنفسه

وأنا وأن لم أرى العراق أحس أنني قد استفدت من هذا الوصف، ووقفت به على كثير من المسائل التي كنت أجهلها والتي كانت تشغل ذهني كما أني استمتعت به كما لو كنت أرى هاتيك الصور على الشاشة البيضاء، إما من حيث مطابقة ما ذكر الأستاذ للواقع ومقدار إحاطته بضروب الإصلاح والتعمير في العراق، فأمر في ذلك متروك للقارئ العراقي ولمن زار العراق من أبناء وأهل الأقطار العربية.

الخفيف

1