مجلة الرسالة/العدد 749/القصص
مجلة الرسالة/العدد 749/القصص
طريق الدوفر
بقلم الأديب عبد الكريم محمود
(طريق الدوفر) كوميدية مسرحية، ليست بذات الحوادث المعقدة، بل هي مسرحية بسيطة غاية البساطة تعالج مشكلة من أهم المشكلات. . . مشكلة الزواج بأسلوب تهكمي ساخر. وقد لاقت نجاحاً عظيماً عندما مثلت على أحد مسارح لندن. . . وهو لعمري نجاح تستحقه المسرحية ويستحقه كاتبها. أما مؤلفها فكاتب إنكليزي يدعى وهو ما يزال حياً يرزق.
المستر (لاتيمر) كهل أعزب له هواية غريبة حقاً. أنه يسعى إلى أن يحل مشاكل الزواج التي تعترض الشبان.
وعلى باب بيته على طريق الدوفر الذي سكنه على هذا الأساس. . . أساس صيد العازمين على الزواج قبل فرارهم - عن هذه الطريق - إلى فرنسا حيث الزواج وشهر العسل. . . على باب بيته يقف اثنان، شاب وشابة. . . ليونارد وآن.
إن مجيئهما ليس عن طريق الصدفة بحال من الأحوال بل هو أمر محكم التدبير؛ فقد رشى المستر (لاتيمر) سائق سيارتهما طالباً منه تعطيل السيارة أو التظاهر بأنها عطلت أمام منزله.
إن ليونارد يطرق الباب الآن. وها هو الخادم (دومينيك) يفتحه له. فيقول ليونارد (أهذا فندق؟) فيجيبه دومينيك بالإيجاب.
يدخل الاثنان. وبعد أن يستقرا نستطيع بكل سهولة أن نفهم من حديثهما أن (ليونارد) شخص ترك زوجته (يوستاسيا) ليهرب مع الفتاة (آن) التي تركت هي بدورها أباها.
يستقبلهما المستر لاتيمر - صاحب المنزل أو الفندق كما ظناه - بعد ذلك، فيظهر هذا لنا بمظهر من يفهم السبب الذي قاما من أجله برحلتهما. ثم يبدأ يسأل آن عما تنتويه وتريد فعله ملقياً بعد الأسئلة درساً في فائدة الأناة والتفكير في تصرف المرأة فقبل أن تقدم على عمل بعد من أخطر الأعمال بالنسبة إليها بل هو - أي هذا العمل - حياتها كلها وغرضها الأسمى الذي خلقت من أجله.
هنا نفهم عقلية ليونارد جيداً. . . إننا نراه يفقد أعصابه بسرعة فلا يستطيع أن يحكمه ويتملكها، ونراه يحاول أن يسحب فتاته آن ليخرجا من هذه الدار التي كرهها. لكن المستر (لاتيمر) يكشف أوراقه عندما يبلغ الأمر هذا الحد، فيصارحهما بأن أمر مجيئهما كان نتيجة لخطة دبرها هو فاحكم تدبيرها ثم تراه يطلب منهما بعد ذلك أن يمكثا أسبوعاً. . . أسبوعاً واحداً فقط يختبر فيه أحدهما الآخر ويمتحنه لكيلا يكون اتصالهما بعد ذلك عرضة للانفصال.
تذهب آن بعد هذا الاقتراح إلى الغرفة التي أعدت لها لتنام ويبقى المستر لاتيمر مع ليونارد ليكون الأخير مادة جيدة لتهكم الأول وسخريته بعد أن عرف هذا جيداً أخلاق ليونارد. ولكن ليونارد يضطرب وينزعج كعادته فيترك لاتيمر متجهاً إلى غرفة نومه.
وما يهل صباح اليوم التالي حتى يصاب ليونارد بالبرد. . . وتبدأ آن بعد هذا تشعر بأن الحياة مع فتاها ليونارد لن تكون دائماً بساطاً مفروشاً بالورود؛ كما أنها تعلم في الوقت نفسه من حديث يجري بين المستر لاتيمر والخادم دومينيك أمامها أنها وليونارد ليسا الشخصين الوحيدين في هذا المنزل العتيد.
والواقع أن هناك شخصين آخرين غير ليونارد وآن على أهبة أن ينتهيا من (أسبوع التجربة) كما يسميه المستر (لاتيمر). ولكن الذي أدهش ليونارد هو أن ذينك الشخصين لم يكونا إلا (يوستاسيا) زوجته وعاشقها (نيكولاس).
إن منزل المستر لاتيمر يؤدي رسالته بالنسبة لهذين الشخصين الأخيرين؛ لأن الأسبوع ما يكاد يمضي حتى يبرم نيكولاس بيوستاسيا أشد البرم، ذلك لأنها ذات عادة قبيحة مستحكمة فيها، يثير النفرة والابتعاد عنها: إن تلك العادة مزيج من الإلحاح والعناية الكثيرة غير المستحبة بمن يعيش معها تحت سقف واحد. إن يوستاسيا خير مثال لإمرأة تفيض منها (غريزة الأمومة) فيضاً.
يبرم نيكولاس بها إذن ولما ينتهي بعد أسبوع التجربة، ولكنه لا يستطيع أن يتركها وحدها ليرحل فذلك مما تمنعه قوانين منزل المستر لاتيمر الخالد.
هذا إلى أن يوستاسيا ونيكولاس يعلمان في هذه الأثناء بوجود الشخصين الآخرين في المنزل.
ولهذا فإن يوستاسيا ما تكاد تعلم بأن زوجها قد أصيب بالزكام حتى تهرع إليه - بعد ما لقيت من أعراض عاشقها - لترضي عادتها غير المستحبة تلك. . . وهي إلى هذا تنسى كل شيء عن نيكولاس خلال انغمارها في تحضير الدواء لزوجها.
أما نيكولاس فيبدأ بعد هذا يعجب بـ (آن) التي شعرت بخيبة أمل بعد ما رأت من انصراف يوستاسيا إلى العناية بليونارد. ولهذا نظن نيكولاس أنها في بداية ميل جديد نحوه. إلا أن أمله يخيب هو الآخر عند ما يعلم أن آن لم تمل إليه إلا لرغبتها في استدانة نفوذ تكفيها للعود إلى منزلها. . . وإلى أبيها ذلك الذي تركته هاربة.
هنا يصبح نيكولاس في حالة غضب شديد فيصمم على الهرب من هاتين المرأتين اللتين آذته وأزعجته أولاهما وخيبت أمله ثانيتهما فيتشاور مع ليونارد الذي تعدى المرحلة النهائية لمرضه الخطير. . . الزكام!!! وهنا نراهما وكل منهما يبث الآخر أحزانه وآلامه. وفيما عما على هذه الحال إذ تخطر لكليهما فكرة. . . فكرة الهرب. فيصمم الاثنان على الهرب إلى فرنسا لقضاء عطلة تريحهما من عناء المرأتين وخصوصاً ليونارد هذا الذي أرهقته زوجته بعنايتها الكثيرة ومحاولتها التسرية عنه بقراءة كتب صعبة الأسلوب جافة البحث ككتاب (جيبون) عن انهيار الإمبراطورية الرومانية.
ولكن عقبة واحدة تقف أمامها. . . عقبة بغيضة. . . ذلك أن ليونارد متأكد تمام التأكيد من أن يوستاسيا - مالم نجد شخصاً آخر غيره ترضى عن طريقة غريزتها - ستحاول أن تتبعه أينما سار.
ها هما يحاولان نتيجة لعزمهما على الهرب إقناع المستر لاتيمر بأن يدعي أنه مريض لتنصرف يوستاسيا إليه تعنى بأمره، لكنه يرفض. وها هما يتحولان عنه إلى الخادم دومينيك فيرفض هو الآخر. غير أن طيبة قلب المستر لاتيمر تدفعه - بعد أن رفض - إلى قبول اقتراحهما لولا أن الخادم دومينيك يخبره بأن الخادم الآخر جوزيف. . . ذلك البطل الملاكم. . . مريض.
ستجد يوستاسيا إذن من ترضى غريزتها عن طريق العناية به.
والفرضة - إذن - سنحت. يتسلل ليونارد ونيكولاس بحذر محاولين الابتعاد ليقضيا في فرنسا عطلة جميلة.
من بقي في الدار بعدهما؟ المستر لاتيمر وخدمه. . . آن ويوستاسيا. وهنا نرى المستر لاتيمير ذلك الرجل الذي كرس حياته لمساعدة الغير وحل مشاكل الزواج. وذلك الرجل الذي ظل بطل القصة حتى النهاية. . . نراه يصارح آن بحبه ويقع ضحية لخطة دبرها هو، لكن الفتاة الرزينة العاقلة - والتي إن عد المستر لاتيمر بطل القصة فلابد أن نقول أنها البطلة - تبين له أنها ما زالت تعامله وتحبه. . . ليس ذلك الحب الجامح العنيف بل تعامله وتحبه كما لو كان أباها.
وهاهي ذي بعد هذا تأخذ حقيبتها لتقول للمستر لاتيمر. . . وداعاً.
إن المستر لاتيمر الآن أمام المرآة يتبين ما عملته يد السنين في وجهه وتقاطيعه، فيرى أنه قدر لنفسه عمراً أقل من الواقع والحقيقة.
يدخل الخادم دومينيك ليرى سيده في هذه الحال فيبتسم الاثنان. . . وفي لحظة نراهما صديقين كأحسن ما يكون الأصدقاء لا رجلين أحدهما سيد والآخر مسود.
طرق على الباب. شخصا جديدان يقفان أمام المنزل. المستر لاتيمر ودومينيك يزاولان المهنة مرة أخرى.
(بغداد - دار المعلمين العالية)
عبد الكريم محمود