مجلة الرسالة/العدد 739/نشوة الخيام
مجلة الرسالة/العدد 739/نشوة الخيام
للأستاذ حسن البحيري
أدنِ مني ثغرك العذب وقبلني ودعني
أشرب النشوة من كأسي: رجاء. . . وتمن
فعسى بعد جراحات صباباتي وحزني
أن يعيد الوصل أفراح ربيعي فأغني
ضمني وارو غليلي يا حبيبي من لماكا
اسني لم يبق لي في كرَب العيش سواكا
شفني وجدي. . . ودائي. . . ودوائي في هواكا
آه من نار بجنبيّ ورتها مقلتاها
هات من جام الصبا بين عمار ورفيف
خمرة تذهل روحينا عن العيش الزفيف
قبلما تعصف بالعمر أعاصير الخريف
فنروي زمن الأحلام بالدمع الذريف
عمرنا طيف تهادى من زوال لزوال
وليالينا ظلال تتراءى في ظلال
وأمانينا خيال حاكه وهم خيال
ومجالي عيشنا في الدهر حال بعد حال
فارتشف راح الهوى من كأس حبي واسعد
لا تقل: لذة يومي اجتليها في غدي
كم هفت في العمر لذات وضاعت من يدي
هي بانت وأساها ظل في قلبي الصدي
يا حبيبي أنا ضيعت ليالي الخوالي
في دجى شكي وأطياف ظنوني وخيالي
حلم في سانح الأوهام بالصفو بد ذبلت زهرة أيامي وحالي فيه حالي
لمحات من سني ثغر أماني الكذاب
ضيعت عمري في الوهم وأودت بشبابي
فأنا في بحرها اللجي موصول العذاب
لم أنل إلا الصدى منها وبراق السراب
ما كفاني أنها ضاعت ليالي سدى
بين أسداف وأوهام ضلال وهدى
ما الذي نلت - على الأيام - من دهر عدا؟
غير برق في أضاليل أماني بدا؟
فأدر كأس شمول الصفو فالصفو يدال
والليالي لم يدم فيها لذي وصل وصال
كم أتاها قبلنا أنضاء أوهام وزالوا
لا همو داموا. . . ولا بعض رجاء العمر نالوا!
صب من خمر ثناياك سلافاً وحبابا
وأذب لذة روحينا بكأسينا شرابا
واسقني واشرب على شدو المنى تبراً مذابا
حسبنا ما ضاع من ماضي ليالينا تبابا
كم حبيبين أضاءا الروض في حضن التصابي
بشباب حرك الطير إلى نجوى الشباب
فانتشى الزهر. . . وهام النهر رقاص العباب
وهفا الغصن على مضجع أحلام عذاب
ثم غابا كنجوم الصبح من أفق الوجود
ما درينا أين قرا من دنى النأي البعيد
ذهبا في غمرة الأيام كاللحن الشرود
أو كما تذهب في الإعصار أنفاس الورود شعلة النبراس في حلكة آلام الحياة
تلتظي بين أعاصير الشجون العاصفات
يتلألأ نورها لمحاً بدنيا النائبات
ثم تلقيه يد العُدم بوادي الذكريات!
يا حزيناً عاش من دنياه في بحر الدموع
تائهاً بين أواذي هلوع وولوع
حائراً في غلس اليأس بخفاق وجيع
ضل عن شاطئه في زورق الوجد المروع
كفكف الدمع على ما فات من بيض الأماني
وادفن الأنة في النشوة واصدح بالأغاني
واغتنم ما غفلت عن صفوه عين الزمان
لا تصوح في بوادي الوجد أزهار التداني
حسبنا أن صبانا والهوى ملك يدينا
ما علينا لو نهبنا العمر سكراً؟ ما علينا؟
هاتها حتى يوافينا الردى في سكرتينا
قبلما تذوي أزاهير الصبا من جنتينا
من رأى ماذا وراء الغد في لوح الغيوب؟
أو درى ما خطت الأقدار في سفر الخطوب؟
كلنا نخبط في تيه من الشك المريب
خبط غشواء ضلول. . . في دجى قفر جديب!
لا يرد الشجو من أعمارنا ما ذهبا
لا! ولا يمحو الأسى من غيبنا ما كتبا
فانس ما ولى. . . ودع للغيب ما قد حجبا
وأحسها صرفاً. . . وأمغرق في طلاها النصبا!
(حيفا) حسن البحيري